المجد لليمن واللعنة على الأوغاد صُنَّاع الكوارث والمحن (3-3)

منذر علي
2023 / 10 / 1

إذا سارت الأمور على النحو المؤلم، وبالطريقة التي استخلصناها من قراءتنا للمتغيرات الإقليمية والأوضاع اليمنية، كما بيَنَّا في الحلقة السابقة، سيلج اليمن المستقبل الكئيب من أوسع أبوابه. ستكون لدينا في اليمن دولتان شكليتان فاقدتان للسيادة، متناقضتان ومتحاربتان وتابعتان للدول الإقليمية. الدولتان الجديدتان ستستمدان شرعيتيهما من مقابر الأموات: ستكون الأولى دولة الأمير الأموي مروان المحرمي في الجَنُوب، الدولة التي تعبر عن المصالح المشتركة للسعودية والإمارات وطغمة صغيرة من المُرْتَزِقَة اليمنيين، وستكون الثانية دولة أبي العباس السفاح الحوثي في الشمال، الدولة التي تعبر عن مصالح إيران ورهط صغير من المُرْتَزِقَة الطائفيين اليمنيين. يا بخت الشعب اليمني!
في البَدْء، وبموجب الطبخة السياسية المتقنة التي يسعى الوسيط النزيه محمد آل جابر لإعدادها، سيُجبر الأمير مروان المحرمي والإمام أبو العباس الحوثي على التفاهم، بشكل تكتيكي مؤقت، ضمن إطار مرسوم لهما خارجيًا من أجل إقامة، ما يشبه الدولة الثنائية، لإخفاء المكايد، وتصريف الموارد، وسيجري تعليمهما بعض المهارات الاجتماعية، Social skills، وسيُطلب منهما أنْ يتصافحا ويبتسما في وجه بعضهم بعضًا، وربما سيطلب منهما أنْ يتعانقا "بحرارة ". أقول سيطلب منهما كل ذلك، بضغط من أسيادهما وأولياء أمورهما الإقليميين، وبما يتوافق مع مصالح الأسياد. الأمير المحرمي والأمام الحوثي سينفذان ما يطلب منهما، وليس لهما من خِيار سوى القبول بما يُملى عليهما. ولكن الأمير الأموي والإمام العباسي، سيضطران، حَسَبَ ما تقتضيه مصالح الأسياد الإقليميين، لإخفاء أهدافهما الثأرية الانتحارية البعيدة، وسيتجنبان، أو بالأحرى سيؤجلان الحديث عن موقعة الجمل، من أجل مراعاة مصالح الأسياد، وسيكون بينهما سلام مؤقت، سلام برعاية سُعُودية ماكرة، وبموجب التفاهمات الإقليمية بين إيران والسعودية والإمارات، ولكن هذا السلام لن يدوم و ستكون للسلطتين، في عدن وصنعاء، وظائف عسكرية، تحت الطلب، و سرعان ما سيغدو اليمن ساحة للصراعات، وستدخل الدولتان اليمنيتان المُصنَّعتان على مقاس الدول الإقليمية، في حروب دامية عند الحاجة، وربما حروب دائمة حتى قيام الساعة.
و بموجب تقاسم المصالح و الاتفاقيات الجديدة المبرمة بين السُّعُودية وإيران، ثم بين السُّعُودية والحوثيين، سيغدو اليمن ساحة مغلقة للصراعات الداخلية من كل نوع وسيأكل اليمنيون بعضهم بعضا. بموجب الاتفاقيات، لن يطلق أنصار الله صواريخهم وطائراتهم المُسيَّرة على السُّعُودية والإمارات، وستوقف السُّعُودية والإمارات قصفهما على أنصار الله، ولكنهما، أي السُّعُودية والإمارات، سيسلحان أنصارهما اليمنيين.
اليمنيون، بعد هدنة محسوبة ومؤقتة، سيشتبكون فيمَا بينهم، سيكون هناك فريق سني يقابله فريق شيعي، وسيكون ميدان المعركة مُقفل لا مهرب منه. وسيكون اليمن ساحة للصراعات المنفلتة. سيكون اليمن ساحة للصراعات القبلية والدينية والثأرية المحلية بين اليمنيين، وسيكون اليمن ساحة للصراعات بين القِوَى الإقليمية والدولية، ولكن الصراعات ستكون بأدوات يمنية مُستأجرة بالمال ومشحونة بالايدولوجيات الطائفية المتناقضة ومدعومة بالسلاح.
سيكون اليمن ساحة لتصفية الثارات بين الدولة الإماراتية والدولة القطرية، وسيكون اليمن ساحة للصراعات الدينية بين الدولة التيوقراطية، The theocratic state، السنية السُّعُودية، والدولة التيوقراطية الشيعية الإيرانية، وسيكون اليمن ساحة للصراعات التاريخية بين الدولة الصفوية الإيرانية الصاعدة، ودولة أوردغان التركية الناهضة المستلهمة لقيم الإمبراطورية العثمانية الغاربة. وبالإضافة إلى كلِّ ما ذُكر، فأنَّ اليمن، بحكم موقعه الجيو سياسي المتميز، وبسبب غياب الدولة اليمنية المركزية الموحدة والقوية فيه، سيكون ساحة للصراعات بين أمريكا و بريطانيا وإسرائيل وحلفائها الغربيين من جهة، وبين روسيا وحلفائها الشرقيين من جهة أخرى، وسيتم حسم كل أنواع الصراعات في اليمن لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، باليمنيين، ولكن لمصلحة غير اليمنيين.
ولكن كيف، يا تُرى، ستكون أقدار القُوَى السياسية و السلطة اليمنية المسماة بالشرعية؟
أتوقع، وليس في التوقع مثلبة أو إثم، أنَّ أقدار الأحزاب اليمنية والسلطة "الشرعية" الكسيحة، ستتغير على النحو التالي:
(1) حزب الإصلاح:
فالإصلاح، وعلى الرغم من حجمه الكبير، وامتداده الجغرافي الواسع، ووجود تيار وسطي عقلاني وازن فيه ولا سيما في تركيا ومصر و وأوربا والولايات المتحدة، يسعى، وإنْ بصعوبة بالغة، للتحرر من الجناح الكهنوتي المهيمن والانفتاح على التيارات المستنيرة في الإسلام وعلى القِوَى الديمقراطية ذات الميول العَلمانية، غير أنَّه، بسبب أخطاء قياداته التقليدية وهيمنتها وفتاويها التكفيرية وغبائها، وأساليبها السياسية الانتهازية والمخادعة، فضلًا عن خلافات حزب الإصلاح العميقة مع كل الأطراف السياسية اليمنية في الشمال والجنوب، سيلقى مصيرًا مأساويًا. ومن المُرجح أن يتوزع الحزب إلى فرقٍ شتى، منهم من سيلتحق بأنصار الله لاعتبارات جهوية وجغرافية وطائفية، ومنهم من سيلتحق بالتيارات السلفية، سواء في الشمال أو في الجَنُوب، للتقرب أو لتجنب غضب السُّعُودية والإمارات، ومنهم من سيلتحق بالقوى اليسارية والقومية والليبرالية، ومنهم من سيهاجر إلى بلدان الكفر في الغرب هربًا من بلدان الإيمان في الشرق.
(2) المؤتمر الشعبي:
وعلى الرغم من الوجود الممتد للمؤتمر الشعبي العام على كامل الساحة اليمنية، فلن يكون مصيره أفضل من غيره، بسبب الانقسامات التي تعصف به. إذْ من المُرجح أنْ يتحول جزء منه إلى مؤتمري سلفي، تحت الوصاية الإماراتية، وجزء سيلتحق بأنصار الله، لاعتبارات قبلية وطائفية، وجزء كبير سيهجر السياسة وسينشغل بالتجارة، وجزء آخر صغير سيقترب من اليسار إن بقيَ اليسار يسارًا متماسكًا ولم ينحرف يمينًا.
(3) المجلس الانتقالي:
وكما سبق أنْ أشرتُ فأنَّ الانتقالي، القائم، يتركز، بنسب متفاوتة، في جغرافية الجَنُوب فقط، ولا سيَّما في المناطق الجنوبية الغربية، سيجتذب إلى صفة الكيانات الصغيرة والشخصيات الهامشية لكي يضفي على نفسه صفة تمثيلية للجنوب، وسيمنح بعض الشخصيات مناصب وهمية، ورواتب سخية، وسيعلن بأنَّه يمثل الجَنُوب، ولكن لعبته لن تنطلي على المعارضين له وستتضاعف الانقسامات القبلية والوطنية وستتوثق التبعية للقوى الخارجية. ومن المرجح أيضًا أنْ يعزز الانتقالي علاقاته القائمة برابطة أبناء الجَنُوب العربي الرجعية، الوثيقة الصلة بالسعودية، وجزء آخر من الانتقالي لا بد أنَّه سيحافظ على علاقته الوثيقة بالإمارات، ولكنه سيطيل لحيته وسيلتحم بالسلفين الجنوبين لكسب وَدَّ السُّعُودية، ونسبة ضئيلة قد تنسلخ من الانتقالي وتعود إلى الصف الوطني التقدمي.
(4) الحزب الاشتراكي:
الفقراء والمستنيرون والوطنيون الصادقون من أعضاء الحزب الاشتراكي سيستلهمون، في لحظات الضياع، مواقف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسيتعلمون دروسًا بالغة من تجربته الاستثنائية في التجلد والصبر و مواجهة الشدائد والمحن، وسيتذكرون الشخصيات التاريخية اليمنية العظيمة، مثل سيف بن ذي يزن و عمر بن معد بن يكرب الزبيدي، (وليس عيدروس الزبيدي!)، وسيتذكرون الأدوار البارزة للقادة الكبار في التاريخ، مثل، فيدل كاسترو وتشي جيفارا وهو شي منه وجمال عبد الناصر وعمر المختار والمهدي بن بركة، و سيَقْرَؤُونَ، في لحظات اليأس والقنوط، قصيدة نجمة تقود البحر لاستنهاض روح الأمل، وهي القصيدة الملهمة التي كتبها القائد الاشتراكي، عبد الفتاح إسماعيل في أواخر السبعينيات لحث المناضلين على مواصلة الكفاح بثبات من أجل انتصار الحرية والعدالة في وطننا العظيم. القصيدة تقول:
متى كانت الأرض
في دورة اليوم بمنأى الزلازل؟
والنهر في الجذر،
متى كان يوماً عن الموج غافل؟
والشمس إن كسفتْ،
نورها ظلالٌ،
فتحت الظلال نجومٌ تقاتل،
فعودوا إلى الأرض،
فالشمسُ قِبْلتُكم،
وغوصوا مرارًا في النهر،
غوصوا، يعودُ لكم وجهكم،
ويُزهرُ دمعُ المآسي سنابل.
وحينها سيعود الاشتراكيون إلى أرض اليمن وسيلتحمون مع رفاقهم الاشتراكيين ومع رفاقهم الوطنيين الأحرار من مختلف المشارب السياسية، القومية والإسلامية، في اليمن، وسيناضلون معًا، بكل الوسائل المشروعة، من أجل قيام دولة مدنية ديمقراطية موحدة، أما القلة من الأثرياء "الاشتراكيين" وغير الاشتراكيين، فسيبقون في مهاجرهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، وسينشغلون في حساب الأرباح، و كتابة المراثي و في استكتاب الكتبة لكتابة مذكراتهم وتمجيد بطولاتهم الأسطورية الزائفة.
(5) الشرعية الكسيحة:
الأغنياء من رجال الشرعية الكسيحة، سيبحثون عن بلدان غربية، بغرض الهجرة إليها واستثمار أموالهم فيها، وستكون على الأرجح وجهتهم بلدان، مثل دبي وبريطانيا وهولندا وألمانيا، والولايات المتحدة وكندا. يا سلام!
اليمنيون والمسار المظلم:
سيرزح الشعب اليمني تحت سلطتي قِوَى الظلام السلفية والشيعية، وسيصبح اليمن ساحة للصراعات، وستغدو الأوضاع شديدة البؤس، وسيعم الفقر والجوع والمرض، وستتغير القيم والمعايير الأخلاقية، وسيشرئب الناس بأعناقهم إلى السماء، وسيتحول المؤمنون إلى ملحدين، والملحدين إلى مؤمنين، وسيتملك الأغلبية إحساس كاسح بالعدمية.
هذا هو المصير المؤسف لشعب عظيم قادته نخب دون رؤية، نخب تفاخر بعلمها، فيما هي جاهلة، وتفاخر بمواثيق الشرف بعد أنْ باعت شرفها للقوى الخارجية التي استهدفت الوطن، وغدت بلا شرف.
إذَنْ، لاستباق الكارثة المرتقبة، سارعوا للبحث عن البديل الثوري لإزالة هذا العار الذي يُلوِّن حياة اليمنيين بالبؤس والكآبة، سارعوا وتصالحوا، الوطن أهم من الأحزاب، وأنقذوا وطنكم وشعبكم قبل فوات الأوان، واسعوا لبناء اليمن الديمقراطي الموحد.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي