صعود اليمين الفاشي في إسرائيل (1)

نهاد ابو غوش
2023 / 9 / 18

نهاد أبو غوش
لعل عاصفة الاحتجاجات التي شهدتها الساحة الداخلية الإسرائيلية منذ بداية العام 2023، وكذلك التطورات على جبهة الصراع مع الفلسطينيين من جهة أخرى، تغنيان عن كثير من الشروح والتحليلات عن الوجهة التي تدفع إليها حكومة بنيامين نتنياهو السادسة على رأس تحالف اليمين واليمين المتطرف. فالمخاطر والتهديدات التي حملتها هذه الحكومة على هوامش الديمقراطية الإسرائيلية الداخلية من حرية تعبير وقضاء مستقل وحريات مدنية وثقافة ليبرالية، إلى الموقف من الأقلية العربية الفلسطينية ومن المعارضة بشكل عام، اتضحت بشكل ملموس منذ الأيام الأولى لتنصيب هذه الحكومة ونيلها الثقة في 29/12/2022. وقد بدا جليّا هذا المنحى اليميني المتطرف لعمل الحكومة على الجبهتين الداخلية والفلسطينية فور توقيع الاتفاقيات الاتئلافية بين حزب الليكود وباقي أطراف الائتلاف الحكومي وهي: شاس، ويهدوت هتوراة، والصهيونية الدينية، وعوتسماه يهوديت، ونوعام ثم في البيان الذي قدمه رئيس الحكومة خلال جلسة الثقة مظهرا الوجهة العدوانية لحكومته تجاه الفلسطينيين الذين لم يرد ذكرهم إلا بوصفهم مشكلة إرهابية، ثم عبر التأكيد على أن حق تقرير المصير في "أرض إسرائيل" هو حق حصري للشعب اليهودي.
لم يتأخر الأمر كثيرا، وسرعان ما تجسد الكابوس اليميني عمليا بسلسلة من التعيينات الوزارية التي تطلب كل منها تشريعا خاصا لكون التعيين غير متاح قانونيا من دون تفصيل قانون خاص على مقاس الشخص المرشح لاستلام الحقيبة الوزارية المعنية. وهذا ما جرى فعلا عند تعيين ايتامار بن جفير وزيرا للأمن القومي (بإضافة صلاحيات الإشراف على حرس الحدود لاختصاصات وزارة الأمن الداخلي سابقا) حيث نص التعديل القانوني أن وزير الأمن القومي هو الذي يحدد أولويات عمل الشرطة. ثم سن تشريع مفصّل على مقاسات رغبة الوزير سموتريتش بمنحه منصب وزير في وزارة الأمن للإشراف على ملفي الاستيطان والعلاقات مع الإدارة المدنية ومن خلالها مع الفلسطينيين. وتلا ذلك ووسط عواصف الاحتجاجات تشريع قانون درعي المدان سابقا بتهم جنائية، وقانون آخر مفصل على مقاس نتنياهو ومصالحه في التملص من المحاكمة وشبح السجن، بمنع عزل ومحاكمة رئيس الوزراء أثناء ولايته.
لم يكن لكل هذه التطورات أن تجري بهذه الجرأة والحدة لولا الفوز الحاسم الذي حققه تحالف اليمين الإسرائيلي التقليدي مع اليمين المتطرف ومعهما اليمين الديني المتزمت (الحريدي) في انتخابات دورة الكنيست الخامسة والعشرين في تشرين الثاني /نوفمبر 2023. وهي نتيجة لفتت الأنظار الدولية منذ وقوعها، وأثارت قلقا محليا وإقليميا ودوليا لما تحمله من تأثيرات على طبيعة النظام السياسي الإسرائيلي وعلى مستقبل الاحتلال وفرص التسوية والصراع مع الفلسطينيين.
فقد أوحت نتائج الانتخابات والفوز الصريح لليمين (64 مقعدا لقوى الائتلاف المؤيد لنتنياهو مقابل 56 لمجموع خصومه على اختلاف توجهاتهم) بإمكانية كسر التعادل (وهو تعادل كان معناه الشلل في الواقع العملي)، وإنهاء أزمة نظام الحكم الإسرائيلي وحالة عدم الاستقرار التي دفعت إلى إجراء خمس جولات انتخابية خلال أربعة أعوام ( ابريل وسبتمبر 2019، ومارس 2020، ومارس 2021 ثم نوفمبر 2022) ، ولكن بدلا من الهدوء والاستقرار، أثار هذا الفوز كل المخاوف المعلنة والكامنة، وبخاصة مع الوزن المؤثر الذي اكتسبته كتلة الصهيونية الدينية التي تمثل قوى أقصى اليمين المتطرف، بحصولها على 14 مقعدا مشكلة بذلك الكتلة الثالثة من حيث الحجم في الكنيست، وشريكا رئيسيا في حكومة اليمين التي شكلها نتنياهو بسهولة على أثر هذه النتائج.
تاريخيا، مثل حزب الليكود بمكوناته وتحولاته المختلفة (حيروت، الحزب الليبرالي، غاحل، الليكود واسرائيل بيتنا) الجسم الرئيسي لليمين التقليدي الإسرائيلي، وكعادة الحياة السياسية والحزبية في إسرائيل، شهد الليكود انشقاقات متعددة على خلفية قضايا عارضة أو خلافات شخصية، حيث خرج منه حزب "كولانو" مثلا ولكنه عاد للاتحاد معه. وأحيانا أدت الخلافات الشخصية بين أقطاب الحزب، أو الخلافات السياسية حول قضايا بعينها إلى خروج بعض الشخصيات والكتل التي تتحول إلى أحزاب مستقلة كما حصل مؤخرا مع حزب أمل جديد، وقبله مع اسحق مردخاي وبوغي يعلون، وقبلهم خروج دافيد ليفي من حزب الليكود وتشكيله قائمة "جيشر"عام 1995، وكثيرا ما تعود تلك الحركات إلى احضان الليكود، أو تندمج مع غيرها، أو تختفي سريعا وتندثر.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي