|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
ضياء الشكرجي
2023 / 8 / 25
لا أوجه اللوم والإدانة إلى الديكتاتور كأحد المصابين بجنون العظمة في زماننا، أحد أبرز أعداء العراق إلى جانب خامنئي، ذلك هو السلطان الأرعن، الذي يفعل ما يشاء وهو يَسأل ولا يُسأل، وهو يواصل بكل وقاحة تجفيف الرافدين.
من الجرائم ما يسمى بحق جريمة القرن، ولكننا إذا وصفنا هذه الجريمة بالذات بجريمة القرن، نكون قد قّزَّمناها، فقتل الرافدين هو قتل العراق، يعني هي جريمة التاريخ كله، منذ كتب أول حرف، ومنذ عرف الإنسان الحساب.
فجأة هزتني كلمة لتوقضني من سباتي؟ حيث كنت منهمكا، كما أنا في سنواتي الأخيرة، في تأليف كتبي، التي أتسابق من أجلها مع الزمن، والتي تزداد تراكما، حيث تخطر على ذهني بين حين قصير وحين أقصر فكرة كتاب جديد. لكني فجأة عنفت نفسي، قفلت مخاطبا إياي: ألا يستحق العراق التضحية بساعة من وقتك، لتقول كلمة، وأنت أحد الشهود على جرمية التاريخ هذه بحق العراق؟ نعم كلمة من صديق هزتني، وإن كان لم يقصدني بها. فعندما أرسلت إليه فيمن أرسلت إليهم الموضوع ذي العلاقة، فعلق صديقي هذا بقوله: "هذا المجرم مستمى في إجراكه"، فأجبته بقولي: "والعراق ورافداه ليس لهما مدافع فالأكثر إجراما منه السياسيون العراقيون الاساكتون عن هذه الكارثة التي لم يمر العراق بمثلها حتى أيام هولاكو" وجاء رده ليهزني ويوقضني من نومة أهل الكهف بقوله كلنا كذلك للأسف". وأعلم إنه إذا كان شخص واحد لا يسكت عن إطلاق صرخة الحق في كل قضية تستحق، فهو صديقي هذا، لكن قدر فرضت عليه الظروف القاهرة جغرافيته الراهنة، التي تمنعه من تناول هذا الموضوع بالذات، وأنا أعلم كم يتحرق قلبه، وكم يستحسر لأنه مضطر للسكوت، آملا أن يهاجر قريبا من جغرافيته هذه إلى بقعة من العالم الحر ليقول ما يجب قوله.
وكنت عندما عممت الموضوع الذي وصلني قد علقت: "شعار الحكومة التركية: لتزدهر تركيا وليمت العراق عطشا وليكن وادي الرافدين اسما بلا مضمون".
لكن لماذا قلت في البداية إني لا أوجه اللوم والإدانة إلى أردوغان، لأن الأجرم منه هو سياسيونا السفلة – حاشا للذي يستثنى منهم إن وجد – سياسيو الصدفة السفلة هؤلاء، شيعيهم وسنيهم وكرديهم، يرون العراق يذبح، بذبح رافديه، وهم صم بكم عمي، قد خلوا من كل إحساس وطني.
أيها السياسيون الشيعة، أيها السياسيون السنة، أيها السياسيون الكرد، سرقتم مئات المليارات من قوت فقراء وأطفال العراق، فصبرنا. سَيَّستُم الدين، فصبرنا. أسستم للطائفية السياسية، فصبرنا. أقمتم نظاما قائما على المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية، فصبرنا. خنقتم الحريات، فصبرنا، قتلتم مئات التشرينيين والتشرينيات فصبرنا، شرعتم قانونا بتجريم ممارسة شخصية رفعتم عقوبتها حتى الإعدام، فصبرنا. قدمتم مصلحة ولية أمركم الجارة الشرقية على مصالح الوطن، فصبرنا. سكتم عن انتهاك سيادة العراق من الشرق والشمال والغرب والجنوب، فصبرنا. والآن تُغَلِّسون وأنتم شهود على جريمة التاريخ بحق العراق، فلم يعد للصبر مكان. قيل السكوت علامة الرضا، وأنتم راضون غير مضطرين. وقيل الساكت عن الحق شيطان أخرس، لكني أعتذر لكل شياطين الإنس والجن، لأنهم قد يتأهلون بالكاد ليكونوا تلاميذ متواضعين يتتلمذون على أيديكم الملوثة بالدم والمال الحرام، الذي يسقه المتدينون منكم وهو على وضوء.
فها هي تركيا الأردوغانية المتعثمنة، مع احترامي لأحرار الشعوب الأناضولية، تدشن قناة مائية تفوق قناة السويس طولا وتتجاوز بطاقتها الاستيعابية بثلاثة أضعاف طاقة قناة پنما؛ كل ذلك عبر سرقة وقحة من الحصص المائية لوادي الرافدين (ميسوپوتانيا). إنه مشروع تنموي اقتصادي عملاق لجنوب شرق آناتوليا، لتوسيع الرقعة الزراعية، وتوليد الكهرباء ، عبر بناء ٢١ سد ونفق على مجريي نهري الفرات ودجلة. وتجمع قناة ماردين-جيلان پينار مياه سد أتاتورك وتوجهها نحو المساحات الزراعية في مدينة ماردين وما حولها، حيث يُقدَّر حجم المساحات التي ستستفيد من هذه المياه بما يعادل ٧٠ ألف ملعب كرة قدم. ويمتد طول القناة الجديدة لمسافة ٢٢١ كيلومترا، مما يُمكِّن المزارعين من تحقيق حصاد زراعي يبلغ ثلاث مرات سنويا، مما هو حاصل حتى الآن، ويؤدي بالتالي إلى زيادة إيراداتهم، ليزدادوا ولاءً للزعيم القومي صاحب حلم المجد العثماني. كل هذه وغيره من تفاصيل المشروع، يُعَدّ بحق إنجازا عظيما لتركيا، أما العرق الحبيب ورافداه الحبيبان الخالدان، فبالنسبة للعصريين الترك فإلى سقر. ولذا لم يبالغ رئيس جمعية السياسة المائية في تركيا دورسون يلدز، عندما وصف المشروع في مقابلة مع صحيفة (ميليت) بالحدث التاريخي، حيث تلتقي مياه نهر الفرات بالأراضي الخصبة في أعالي بلاد ما بين النهرين، أي جنوب تركيا. وأكد يلدز أن هذا المشروع سيشهد زيادة ملحوظة في الإنتاج الزراعي وتوسيع نطاق المحاصيل المزروعة، حيث ستشمل تشمل الحمضيات وغيرها. وأضاف أن جلب مياه نهر الفرات إلى سهل ماردين لن يكون له فوائد فقط للمنطقة وتركيا، بل سيكون له أيضا تأثير كبير على الأمن الغذائي للدول المجاورة. فما أعظم كرمهم، بعطشون العراق بسرقة مياه رافديه، ويمنون عليه بتوفير حاجته الغذائية من المحصولات الزراعية للجارة الشمالية الحون. أما محمد شريف أوتر، رئيس مركز تجارة الحبوب كيزل تيپه، فيقول إن هذه القناة ستفتح أبواب الفرص الوظيفية لحوالي ٣٠٠ ألف مواطن تركي، مضيفا بأنها ستروي هذه الأراضي وتمنحها الحياة، فتصبح مصدرا للرزق لمئات الآلاف من الأتراك، وستعيد الحيوية إلى تلك المنطقة، موضحا أنهم إذا كانوا حاليا يقومون بحصاد المحاصيل مرتين في السنة، فإنهم مع تشغيل القناة، قد يصبح من الممكن في بعض المناطق الحصاد ثلاث مرات سنويا. وباكتمال القناة بالكامل، سيكون لمنطقة سهل ماردين دور يغطي ما لا يقل عن ٣٥% من احتياجات تركيا، ثم سيقل الاعتماد على واردات الحبوب من الخارج، إذا ازداد الإنتاج.
جميل أن تخطط دولة لتوفير الرفاه لشعبها، لكن هل يسمح القانون الدولي أن يكون ذلك على حساب حرمان وتجويع وتجفيف بلد جار؟ يبقى سياسيونا العباقرة في تدمير العراق لازمين الصمت المتعمد وغير المضطرين إليه.
كتبت هذا رغم أني متوقف منذ وقت غير قصير تقريبا كليا عن كتابة المقالات السياسية ، لكن هذا ليس موضوعا سياسيا، بقدر ما موضوع وجود، موضوع تاريخ، موضوع مستقبل.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |