الصادق النيهوم ورؤيته التحديثية في الدين

رشيد عبد الرحمن النجاب
2023 / 8 / 18

تخرج المفكر الليبي الصادق النيهوم في كلية الآداب من كليات الجامعة الليبية، ثم حصل على درجة الدكتوراة في "الأديان المقارنة" في جامعة ميونيخ بألمانيا. وقد عرف عنه إلمامه بعديد من اللغات إضافة إلى معرفته باللغتين العبرية والآرامية، كما عرف عنه أسلوبه الذي تميز بالحيوية، والانطلاقة، والوضوح، ولكن النيهوم كان صاحب فكر نقدي مبدع ومِقدام، فقد نقد الدين، كما نقد التاريخ، وبرع كذلك في النقد الأدبي. توفي الصادق النيهوم في فيينا، عام 1994 ودفن في بنغازي.
نشر في صحيفة "الحقيقة" الليبية أول مقالاته: "هذه تجربتي أنا"، وذلك مع بداية الصدور اليومي للصحيفة، كما نشر العديد من الدراسات التي جعلته يمثل ظاهرة أدبية وفكرية مميزة، إذ كانت أطروحاته وأفكاره تتضمن أسلوباً مميزاً ، ويشهد له الجميع بالحيوية والابداع، فقد سعى الصّادق النيهوم إلى نزع صفة القداسة عن التراث العربي، ونظر إليه بوصفه تجربة تاريخيّة دخلت في سبات عظيم عبر الخمسمئة سنة الأخيرة، إذ غدا الإنسان العربي المعاصر أسير وسطاء الدين، وفقهائهم، ومروجي السحر والشعوذة، فعقد العزم على المحافظة على التراث الأصيل، وهدم ما من شأنه تقييد حرية الإنسان العربي، ولجم أفكاره، ومنعه من ممارسة حقه في المشاركة في صناعة مستقبله على أساس عقلاني ومتطور استنادا إلى تطور علوم العصر ولسانياته.
رأى النيهوم في كتابه المعنون "محنة ثقافة مزورة: صوت الناس أم صوت الفقهاء"، الصادر في طبعته الأولى عام 1991، أن الإسلام، بدءَاً من خلافة معاوية، أصبح فقهاً إسلامياً بيد السلطة السياسية إثر خروج "الخوارج" على الجماعة الإسلامية، وتمذهُب الشيعة في مجابهة سلطة معاوية، ثم انقسام السنة إلى مذاهب رئيسة أربعة اختلفت حول مسائل محددة مثل تشدد أبي حنيفة بضوابط للأخذ بالأحاديث الشريفة، فيما اعترفت جميعها بشرعية الحكم الوراثي..
وأشار النيهوم إلى عدد من التغيرات التي برزت في تلك الفترة من تاريخ الإسلام، مثل المظاهر التي أخذتها الإدارة الإسلامية عن نظم بيزنطة مثل تجارة الرقيق، وإباحة الخصاء، وتسخير الأطفال والنساء لخدمتها. عندها يقول النيهوم: فقد "الجامع" وظيفته الأصلية في الشورى والحوار، فأغلق باب الاجتهاد، ومنع الجدل واقتصر على سماع مواعظ الإمام المرتبطة بالسلطة الحاكمة فقط، والسجود لأداء الشعائر، حيث يجلس المواطن المسلم مطأطئ الرأس يسمع الواعظ وهو يقرّعه على ذنوبه، ويحثه على الطاعة.
رأى الصادق النيهوم أن المجتمع الإسلامي قد حقق نقلة اجتماعية-اقتصادية- سياسية فقد تغير من مجتمع ذي نمط انتاج زراعي؛ حيث يتزوج الفتى باكراً فيلتزم جانب العفة، إلى مجتمع مديني أكثر تطوراً أضطر فيه المراهق إلى تأجيل سن زواجه، وكبح رغباته الطبيعية، فشرع يواجه أمراضاً نفسية وبيولوجية معقدة يصعب علاجها، ورغم ذلك، أمره الفقهاء بالتزام العفة، فاصطدمت الطبيعة الطابعة بالطبيعة المطبوعة.
وقال الصادق النيهوم: لقد تعلمنا من أحبار اليهود أن المرأة "حرم" مسحور لا يحل رؤيته إلا للأقارب، وأن جسد المرأة للناظر إليه من خارج المحارم خطيئة كبيرة في عين الرب، لذلك، يجب أن يختفي جسد المرأة داخل عباءَة. حدث ذلك التأثير العبري كله فيما كان الإسلام آنذاك أكثر تقدما من اليهودية، فقد ألغى القرآن وصاية الكهنة على جسد الرجل والمرأة، فأصبحت الطهارة هي النظافة، والحجاب مقصورا على أمهات المؤمنين، لذلك فإن الدعوة إلى الحجاب ليست فريضة إسلامية، بل هي تراث عبراني.".
كذلك وقف الصّادق النيهوم في مواجهة عادات وتقاليد لم ينص عليها القرآن، كقتل المرتد، والختان، ومنع الرسم، وتحريم بعض أنواع الفنون المختلفة، وعدَّها عادات توراتية لا علاقة لها بالإسلام، واعتبرها النيهوم من ممارسات الفقهاء التي جاءت في خدمة السلطة السياسية.
يقف الصّادق النيهوم في وجه الفقيه المعاصر الذي ما زال يعيش بعقلية القرن الهجري الأول، ويمتلك الفتاوى الجاهزة بشأن معاملة العبيد والجواري واللصوص، ولكنه لا يملك فتوى واحدة بشأن حرية الصحافة والمشاركة الديمقراطية في الحكم. لقد أقنع الفقيه الناس أن مصير الفرد مفصول عن مصير الجماعة، فالمسلم يستطيع ضمان خلاصه بأداء الشعائر، والمواطن المسلم هو عبد الله الصالح الموعود بالجنة، أما غيره فقد وُعد بالنار، فاعتبر بعض المسلمين كفاراً، واعتبر غير المسلمين أنجاساً، ولا يحق لهم دخول الأرض المقدسة.
ورأى النيهوم أن قواعد الإسلام وأركانه ليست خمساً فقط، فقد جاهد المسلمون للحفاظ على الأركان الخمسة في الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج، وهي ليست موجودة في نص قرآني إنما هي من روايات أبي هريرة. فالإسلام قد تغيَّر منذ القرن السابع، وبعد وفاة الرسول الكريم وعاش المواطن المسلم في ظل هذه الأركان مسلماً، تماما كما عاش المواطن الفرعوني فرعونياً في ظل أسرة إقطاعية مسلحة طاغية. فليس بين هذه الأركان قاعدة واحدة لها علاقة بشؤون الحكم كما قال علي عبد الرازق، في كتابه "الإسلام وأصول الحكم". وهكذا تم تغييب مشاركة جماعة المسلمين في الإدارة واتخاذ القرار السياسي إلى يومنا هذا.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي