اعتزالي السياسة ما يترتب عليه ولماذا

ضياء الشكرجي
2023 / 7 / 28

لا يمكن لي – بل من غير المسموح لي - أن أتخلى عن حمل الهم السياسي، وهم العراق بالذات. لكني ومنذ ما يقارب السنتين تخليت عن أن أباشر الفعل السياسي، إن كان كنشاط حزبي، أو بأي صورة أخرى.
قد يسأل سائل محقا كليا، وما شأن القارئات والقراء بمواصلتي للفعل السياسي أو اعتزالي له؟ لذا أقول إني أكتب هذا لأقلية مهتمة بذلك، ولاسيما الفضائيات التي تستضيفني بين آن وآن، وكذلك زملائي في مشروع «تجمع الحداثة العراقي».
سأذكر أسباب اعتزالي للفعل السياسي المباشر، لكن كما قلت مع عدم التخلي عن حمل الهم السياسي والهم العراقي، وبعد ذلك أبين ما يترتب على اعتزالي هذا، راجيا من الفضائيات بشكل خاص أخذ ذلك بنظر الاعتبار.
أسباب اتخاذي قرار الاعتزال:
1. السبب الأول يرجع إلى منتصف عام 2012، بعدما بذلنا الجهود لتأسيس كيان سياسي علماني ليبرالي منذ مطلع سنة 2011، وأسميناه «التجمع العلماني»، وهذا المشروع لم يمثل المبادرة الأولى من قبلي، فقد سبقها مشروع «تجمع الديمقراطيين العراقيين» ابتداءً من الثلث الأخير من 2006 لغاية 2010، ثم المشروع التحالفي باسم «الائتلاف الديمقراطي» الذي طرحته، وباشرنا بالعمل عليه من بداية 2009 وواصلنا ذلك لغاية منتصف 2010. بعد الإخفاق في المشروعين المذكورين آنفا، حصل لدي اليأس في تحقيق هكذا مشروع سياسي ذي اتجاه علماني ليبرالي في المستقبل المنظور في العراق، على الأقل فيما يتعلق بدوري أنا شخصيا فيه، لكن بقيت الفكرة تراودنب كحلم، كنت أتمنى لو يتحقق ولو بدون ضياء الشكرجي.
2. ومنذ منتصف 2012 قررت أن أفرغ وقتي للتأليف، وهذا الاهتمام بالتأليف أخذ يزداد سنة بعد سنة، بل يوما بعد يوم، حتى تجاوزت كتبي التي ألفتها العشرين كتابا حتى الآن، وامامي مثلها عددا. وحاليا ومع تظافر الأسباب الأخرى، أصبحت أكثر عزما في التفرغ للتأليف وأكثر ما كتبته كان في اللاهوت العقلي الناقد للدين، مع الكتابة في الشأن السياسي.
3. بعد أن بعثت تشرين الخالدة الأمل من جديد في نفوسنا، طرحت مجددا مشروع الحزب العلماني الليبرالي القائم حصرا على مبدأ المواطنة، ذلك في نهاية 2019، وبوشر بالعمل على تحقيق المشروع مع نخبة محترمة منذ مطلع 2020، فاخترنا في البداية بالأكثرية اسم «تجمع دولة المواطنة»، ثم اضطررنا إلى تغيير الاسم فاختير كبديل «التجمع العلماني العراقي»، وهو الاسم الذي كنت أرجحه دائما، أو أي اسم يشتمل على مفردة العلمانية ومشتقاتها (العلماني، العلمانيون، ...). ولأننا رأينا في نيسان 2022 أننا عاجزون عن تحقيق الشرطين الأساسيين، اللذين بدونهما لا نستطيع تحقيق ما نتطلع إليه، ألا هما التمويل وتحقيق عدد الأعضاء المطلوب من دائرة الأحزاب وهو 2250 عضوا (حسب قانون الأحزاب 2000). من هنا قررت أكثرية الهيئة التحضيرية آنذاك التحول إلى العمل الثقافي، من أجل الترويج للثقافة المعتمدة من قبل المشروع. صحيح إن مجموعة منا عاودوا المساعي مشكورين من جديد، من أجل مواصلة محاولة التأسيس، بعد أن اضطرتهم دائرة الأحزاب مرة أخرى إلى تغيير الاسم، فاختير بالأكثرية اسم «تجمع الحداثة العراقي». صحيح أنهم أرادوني أن أكون معهم بصفة مستشار في الجانب الفكري، لكن استجدت أسباب دعتني للاعتذار من مواصلة دوري هذا معهم، متمنيا لهم بكل صدق النجاح، موطنا نفسي على أن أفكر بالانتماء، لكن كعضو عادي، إذا ما نجحوا فعلا في التأسيس، كما أتمنى ويتمنون.
4. ضعف متابعتي، فبكل صراحة وبسبب اليأس، أو يأسي أنا شخصيا، من تحقيق تطلعاتنا للتغيير في العراق في مستقبل منظور، وانهماكي في التأليف، أصبحت لا أتابع تفاصيل المشهد السياسي العراقي، ولذا أصبحت محرجا كلما استضفت من قبل إحدى الفضائيات، محاولا في أكثر الأحيان الاعتذار، لكني أستجيب للاستضافة بين حين وآخر، إما لتشخيصي رجاحة المشاركة بحسب الموضوع المطروح لذلك اللقاء، أو أحيانا بسبب إلحاح الفضائية عليّ. إذن ضعف المتابعة يضاف كسبب آخر يدعوني أن أبتعد عن النشاط السياسي المباشر، وبالذات أن أتجنب قدر الإمكان الظهور على الفضائيات، فيما يحتاج إلى المتابعة.
5. ليس بسبب ضعف متابعتي فقط، بل بشكل عام لا يمثل التحليل السياسي حسب قناعتي عنصر قوة عندي، فهناك من يفوقني كثيرا، ويحمل نفس الفكر السياسي. وهنا لا بد لي من أن أذكر دور صديقي عالم السياسة الفذ، والعلماني الليبرالي المتميز، الأستاذ الدكتور الناصر دريد، والذي أصبح لحلقاته المعنونة بـ «منبر تشرين» جمهورها المتابع باهتمام وإعجاب كبير وتأثر بما يطرحه؛ أصبح هذا الجمهور يتسع يوما بعد يوم، مما يشعرني بفرح كبير، ذلك لأننا أنا والناصر نلتقي في الفكر والموقف السياسيين، إذا لا أقول كليا، فحتما بنسبة 99%، وهذا مما يجعلني أعتزل بدون تأنيب ضمير بالتقصير، لأني إذا افترضنا كنت بذلك أترك ثمة فراغا، فهذا الفراغ يملؤه بكل جدارة الناصر دريد، علاوة على أنه يتميز بأربع خصال لا أتمتع بها مثله، الأولى إنه عالم سياسة متميز، الثانية يتمتع بقدرة في التحليل السياسي لا أتمتع بها، والثالثة هو ثقافته العامة الواسعة جدا في مختلف ميادين الثقافة والفن والمعرفة والتاريخ وغيرها، أما الخصلة الرابعة، ولو هي ليست أساسية، لكنها مهمة جدا، ألا هو فارق العمر بيننا، وكم كنت أتمنى لو أنه لم يضطر لأسباب اقتصادية وأمنية إلى مغادرة العراق، وكم كنت أتمنى أيضا لو كان بالإمكان أن يتصدى هو لقيادة الحزب الأمل الذي يعمل على تأسيسه.
أما ما يترتب على قرار اعتزالي، فهو بالدرجة الأولى متعلق بظهوري في الإعلام عند استضافتي من قبل الفضائيات. فإني مستعد أن أستجيب في حالتين، في حالة أن يكون الموضوع حول الفكر السياسي، وليس له علاقة بالتحليل السياسي، وكذلك أكون على تمام الاستعداد لتناول الفكر الميتافيزيقي، ولو إن هذا ليس من اهتمامات الفضائيات. من هنا أرجو من الفضائيات إذا أحبت أن تستضيفني، فحصرا إما كمفكر سياسي، أو كمفكر في قضايا الميتافيزيك، وليس كمحلل سياسي.
وداعا للعمل السياسي المباشر، دون أن أودع الهم السياسي والهم العراقي.
27/07/2023

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي