|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
محمد احمد الغريب عبدربه
2023 / 7 / 23
الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط لهُ الكثير من التجادلات والمواقف الإشتباكية في الفلسفة الحديثة وتجاه الفلاسفة المعاصرين، فكانت بعض المقولات تؤكد أنَ الفلسفات التي أتتْ بعده هى هوامشُ أو تعليقات علي كتاباتهُ الفلسفيةً، أو أن اتجاهات الفلاسفة لابدُ أن تمرُ عبر مقولات كانط، أو مواقفهم هي موقف محايثاً أو مغايراً أو مجادلاً مع مواقف كانط الفلسفيةَ َتجاه الأمور التي أهتم بهاَ.
وهنا يثير القول أن المقال لا يتناولُ بشكلاً مباشراً، فك علاقات التشابك بين فيلسوف معين جاء بعد كانط وتأثر بأفكاره، إنما تتبع الصيرورة الفكرية لتمثلات أفكار كانط عبر هؤلاء الفلاسفة والمفكرين، وعلي سبيل المثال تفكيك أو تشريح العلاقات المتشابكة للفيلسوف الفرنسى ميشال فوكو أو الفرنسي أيضاً جاك دريدا مثلاً وهم من الأبناء الشرعيين لكانط، فالأمر ليس سلسلة من التأثر والتمثل بين الأفكار.
وأيضاً هناك علاقاتُ مماثلةَ ومجادلةَ بين فلاسفة القرن التاسع عشر، وعلى سبيل المثال الفيلسوف الألمانى هيجل، الذى إشتبك وجادل كانط وأضاف عليه في تحليل المعرفة، وفى نفس الوقت كان كانطياً بأمتياز. وهناك أيضا إتجاهً مخالفاً لكانط مثل نيتشة الذى رفض مثلاً الأخلاق الكانطية واعتبرها إرادة القطيع وقانون التحكم في الاعداد.
وعلى هذا القول هناك أيضاً هناك الأديب التشيكى كافكا الذي يعتبرهُ البعضُ فيلسوفاً عظيماً وليس أديباً فقط، فقد نسف أى إلتزام فىِ المجتمع ودعا إلى فهم وإحتمالية ووجوبية المذهب العبثية والعدمية في القانون وفي مؤسسة الاسرة والمؤسسةَ الاجتماعيةَ.
وهناك أيضا تيار الكسندر كوجيف الفيلسوف الروسي الذى اعتمد الرغبة ووضع فها في المركزفى تحليل الإنسان والوجود وتأثر به الفلاسفة لاكان وباتاي وميرلوبونتي، وبروتون وجان هيبوليت وهي قراءة ضد المذهب الكانطىِ الذىِ وضعْ الرغبة في منتصف مراحل الملكات الذى وضعها كانط في تحليل المعرفة والعقلُ حيث الملكة الاولي العقل ثم الرغبة ثم الشعور وليس هي مصدر ومنبع التحليل والحقيقة مثل عند الفيلسوف كوجيف.
كافكا وكانط
كافكا تلاعب بكانط ولم يعكسهُ مثلَ فوكو أو يحاذيه مثل هيجل أو يشتته مثل دريدا إنما نسفه فيما يتعلق بالقوانين والأخلاق الكانطية وأصبح كانط غير موجوداً. فهناك هياكل كانطية في روايات كافكا هناك سراب أزلي في رواية أمريكا .
فكانط وضع المشروع والبراءة الأولى للعقل وكافكا كانَ سيفا قاطعاً، ثعبانا يفركش الأشياء ويلدغ بلا هوادة، عكس كانط الذى سعى إلى نشر الحقيقة بين البشر، مثل الحداية كلما نشرت النيران وسط البشر.
أعترف كافكا بالحقيقةَ فى الواجهة، فيصيب بلدغة مباشرة بفساد البشر وعدمية القانون وعبثية المؤسسة الأجتماعية. وكانط يؤسس العقل لتنظيم هذه العبثية وتشتت البشر، ولكن بقولاً للغوس الحقيقة وهو لا يطيقهُ الإنسان الذي يشعر بنهايته علي يد كانط ويشعر بالإفاقة ومعرفة الواقع علي يد كافكا.
كان كافكا أكثر الفلاسفة تطرفا ضد كانط، فتم إلغاء الإلزام الأخلاقي لدي كافكا، فالأمر لا يعرف الحتمية العقلانية الأخلاقية لدي كانط، فكافكا لم يحاذى كانط كما فعل الفيلسوف الألمانى مارتن هيدجر أو يعكسه مثل فوكو، إنما صارحه بخطأه التاريخي وصارح الحداثة بانتهاءها الحتمى عكس كانط الذى اشتبك مع الحداثة والتنوير وأبدل السلبي بالايجابي .
لدىَ كانط هناك مسؤولية اجتماعية وقانون أخلاقي واخلاق حسنة، إنما كافكا نوه الجميع إلىعدم أهمية المسؤولية الأجتماعية، ففى رواية كافكا المسخ أهم رواياته الأدبية، تحول سامسا إلى حشرة ومسخاً حيث الفرد يصبح عبء على المؤسسة الأجتماعية، ففى عصر الحداثة ورأس المال، المادة والرأسماليات تسيطر على الحضارة وعلى أدق تفاصيل الإنسان وهو علاقة الأبن بالأسرة عكس كانط الذى دعا إلى التربية الحسنة وأهمية المؤسسة الأخلاقية، والإلتزام الإخلاقى.
انتقل فرانز كافكا إلى الأخلاق العامة وهى المؤسسات والقانون، ونسف كل ذلك عبر عبثية القانون وأن عالم البورنو هو الذى يحكم جلسات النطق الحكم والقانون، فالإنسان يعيش في سردايب ومتاهة من القوانين .
فوكو وكانط
اقتنعْ كانط بالأعتراف بالحقيقةَ، وبثهاَ فى نفوسْ الناس وهو أمر مهول لا يقبلهُ الإنسان وصعب على النفس البشرية، لأن الأنسان لا يريد أن يواجهُ الحقيقةَـ حتى لا يصابَ بالجنونْ فكان
التصنيف لدي كانط هو البداية بالعقل، وذلك يمثل قدرة صعبة الوجود على الأنسان والفرد العادى والإدراك البشري والفاهمية .
ففلسفياً الأنسان يهرب من البديهيات، فهى بدايات التفكير والعقل، والفرد يبحث عن النهايات أو لا يلتفت للمنطق، فالمصلحة مثلا او الهروب من الحقيقة هي صياغات تحكم تصرفات الناس وسلوكياتهم دائماً، وجاء كانط منظما ومدققا علميا وفلسفيا ونفسيا واخلاقيا لكل البشرية.
ولدى الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو الأمر مختلفاً ولكن ليس للغاية، فهناك تقاربات إلى حد ما بينهم، ففوكو الأبن النجيب وكانط الأب الكبير، أو الجد الأعظم المعلم. ففوكو دعا إلى البحث عن
المعنى والحقيقة وفهم الواقع، وطرد هذه البراءة المتعلقة بالعقل لدي كانط وأحدث تلاعبا بالحقيقة والمعرفة وصراعها مع القوة والسلطة.
فقبل فوكو كان العالم أيديولوجياً يبحث عن المعاني الصارمة والصراعات الواضحةَ، فدعا فوكو نحو تفكيك وطأة الحقيقة والعقل حتى تهدأ البشرية قليلا، فأصبح الوجود السياسي ناعماً وامتنعت الحروب العسكرية عن الحدوث. وأصبحت صراعات الغزالة متمثلة في الثقافة ومحاولة الهدوء ودعوات نحو التحرر، ونسبوية الحقيقة، وصراع الحضاراتْ وهذه فوضى ولكنها نسبية وضعها فوكو للعلاج والخروج من الأزمة، وتخفيف الصعوبات عن الإنسانْ المعاصر.
قلب فوكو كانط رأساً على عقب، وقالَ له : يا كانط لا تدعوُ الناس إلى العقل فهو مراً، فالبشريٍ لا يبدأَ مع الحقيقةٍ ولكنه ينتهي بها ويمر بها مرور الكرام . ففوكو أدركَ اللعبةٍ، وأحدث انقلاباً معرفياً وأعتمد علي الوجود السياسي للصراع وهو المعني الذي كلما المح وأشار إليه تيري ايجلتون الناقد والفليسوف الانجليزي.
وهذا الوجود السياسى أستنبط منه فوكو معني السياسي أو السلطة، ووضعَ ذلك مع ما هو معرفي حيث أصبحت الحقيقة في اخر اللعبة والجملة، وأصبح الأمرُ محاولاتً للتُهدئةَ ومزيد من التلاعب والمكر والهروب والكر والفر، دون الصدام المباشر مع العقل والحقيقة . تعلم الفرنسي فوكو من كانط أهمية البعد المعرفيٍ في الصراع، ولكنه أضاف عليه السياسي وأصبحت ثنائية مرواغة لإعطاء مزيد من المساحات للأنسان حتي يهدأ قليلا وينخلع من فوضي الايديولوجي والهروب من صراع الحقيقة .
وقد وضع كانط الأنسان في صراع مع المعرفة، وذلك بتحليلات للعقل والمعرفة وملكات النفس، وربط كل شئ بالمعرِفة والعقل حتي يصبح هناكَ تنظيماً لسلوك البشر. وعلي العكس وضع فوكو الأنساني السياسي في صراع مع المعرفة في الواقع فابتعد الأنسان عن المواجهة وأصبح العبء عليهُ مختفياً للأبد.
استطاعَ فوكو أن يقلب الرأس الضخمة لكانط، وهو التحول من الدعوة نحو العقل إلى الدعوة إلي فهم القوة وهو بذلك ليست كدعوة كانط نحو التفلسف، فقد رفض فوكو دعاوى كانط البريئة نحو أهمية العقل والأنتقال إليه والترحال دائما في أركانهُ، وأهمية التفلسف ومحبة الحكمة، فكان فوكو أستراتيجياً للسلطة والبحث عن وجود القوة التي تسيطر على كل شئ .
كان فوكو صاحب دعوة نحو تفكيك تطبيقات العقلِ، والأمساكُ بالمساحات الأيديولوجية والسيكولوجيا ومفاهيم القوة التي تعتبر تطبيق وليس منبع أصيل للأشياء فكان ماركسياً فج ينتقل من وإلى الواقع، ويهدف ًإلي تخفيف الوطأة علي ضحايا الأفاعي، المتمثلين في القوي الغاضبة والمالكة لكل شئ في العالم، والضحايا هم أفرد الفقر والغالبية من البشرية .
فوكو بمبحثه حول القوة يمثل اللحظة الأخيرةِ لكانط، أو تفكيك منتجات التنويرِ والحداثةُ ولحظات الإنسان الأخير، ففوكو ليس ضد كانط وليس ضد الحداثة أو التنوير، إنما هو التجلي الأخير للحظة الكانطية والتنوير . أنه يحاذي ويفكك ويتملص أحياناً كثيرة من الألتزام الكانطي، متبعاً الالتزام الماركسي.
وبالأضافة إلى ذلك رفضُ فوكو التحليل النفسيِ والسيكولوجيا العامة. فكان من المؤسسين لنفي الوجود الفرويدي اللاكاني، وأيضاً عكس كانط في تشريحه للملكات، فقد صنف الفيلسوف كانط ملكات النفس إلي ثلاثة: المعرفة ومتمثلة فيِ جزء أو كتاب “نقد العقل الخالص”، والرغبة في جزء “نقد العقل العملي”، والشعور في كتابه “نقد ملكة الحكم”. بينما أتجه فوكو إلي نسف الرغبة والشعور وإزالتهم كوجود أساسي في التحليل، وأعتبرهم واقع عملي ضمن أطار السلطة المتمثلة في القوة، وهي لحظة نيتشوية بأمتياز وأنتصر فوكو أو زعم نحو ثنائية صراع السلطة والمعرفة وليست ثلاثية كانط الشعور والمعرفة والرغبة .
تحدي فوكو كانط ولغي رؤيته المثالية نحو أهمية ميتافيزيقا النفس، وحولها إلي تفعيلات في الواقع، تدار عن طريق تكتيكات القوة، وإرداتها وإستراجيتها، بمعني صراع الوجود السياسي مع المعرفة. ففوكو اكتفي بجزء النفس متمثل بالمعرفة، واتجه ماركسياً نحو الواقع وهو تفكيك الذات في تفاعلات القوة، والواقع بشكل أو تمظهر نيتشوي حيث لعب التقليد الماركسي في ثنائية رأس المال والعامل وأصبح القوة والمعرفة فهو أحدث انعكاس أو تبادلية لكانط وتغييرات تفكيكية في ثنائية ماركس، حيث فكك “رأس المال” إلي واقع للقوة في كل مؤسسات المجتمع وأرتفع بالذات إلى مثالية كانط، وهي المعرفة وكان إنطلاقه وتوريطه الرئيسي هو نيتشة، وهو مفهوم إرادة القوة والإرادة التي تدير وتلتهم الحياة وتفاصيل الوجود .
فكان مشتتاً لماركس ومعكوساً لكانط، ومنطلقاً أستراتيجياً بالتزام من نيتشة، وهو بناء تراكمي لتفكيك الحداثة الفلسفية، وذلك بتغييرات عالمية في عالم الإنسان من الثبات إلي التشتت. ومن حكم المؤسسة إلي حكم الجماهير، ومن المعرفة الأحادية الي تعددية معرفية ومن خصوصية ثقافية الي أنفتاح ثقافي، ومن خجل أنساني ألي بربرية إنسانية تدعي التمدن والتثاقف.
كانط وهيدجر
قسم كانط القوة إلي تشريح ثنائي بين القوة نفسها ووجود القوة، وذلك تطبيقاً علي ملكاته للنفس المختلفة، سواء “ملكة المعرفة ” وهي العقل وتتمثل في ملكات إصدار الأحكام الأنية وهي حد المعرفة. و”مرحلة الرغبة” وهي حد معرفة ماذا يريد المرء أن يفعل برغباته المتكررة أو رغباته الحقيقة. و”ملكة الالم والشعور وتطبيق القيمة “ وهي أقرب إلي الجماليات.
ويلاحظُ أن حدي القوةَ يتحركان في الثلات ملكات الأساسية، فالقوة الأساسية هي حد المعرفة أو العقل وهي الباور الأول، والذي قد لا يفهم الكل ثم الانتقال إلي مرحلتي الرغبة والشعور وهو تطبيقات القوة، وهو وجود القوة بمعني قوة الحكم في أول مرحلة الفهم، ثم وجودها وتطبيقها في الواقع وهي مرحلتي الرغبة، وربط القوة برغبة في الواقع ثم الاستمتاع بها، وتقيمها وهي ملكة الحكم وأخر مراحل الوجود فيما يتعلق بالجمالياتِ أو حكم القيمة، وهي في أخر طابور كانط لملكات النفس الأساسيةُ .
وفيما سبق توضيح لمختصر فلسفة كانط، وفيه الجانب الأخر، جاء مارتن هيدجر فيلسوف الغابات السوداء، ومشعوذِ النساء الأولَ والذي أرهق زوجته في البحث عنه لتناول وجبة الغداءَ، في منازل عشيقاته كل عدة أيام . جاء هذا المفكر الذي طبق معاني هوسرل أخر الفلاسفة في تاريخ البشر وفي القرن العشرين، ونفي تصنيفات كانط والتزم بالعنصر الذي يتعلق بمفاهيم القوة أو حيثيات الوجود وهو الوجود في الواقع بمعني تشريح انطولوجي، أو تشريح للواقع تجاه أي شئ فالإنسان يفهم إذا ألقي في عالمه أو في الوجود ولا يفهم في ذاته. كما أن الوجود عبارة عن قلق من الموت والخطر والخوف. فالإنسان سيكولوجية وجودية متحركة تجاه الزمن والأشياء.
حيث لم يعترف مارتن هيدجر فيما قبل تطبيقات القوة في الواقع وتشريحها الواسع والأنطولوجيِ، فالإنسان يلقي في الوجود ويعيش في صيرورة دائمة، وذلك عكس الأمر عند ميشال فوكو الذي وظف هذا الاتجاه الكانطي في فلسفته وهو اعتماد القوة في تطبيقات لامتناهية.
جاك دريدا وكانط
كان جاك دريدا ملتوياً مطاطاً، قَنفذاً يزيحَ كل شيئاً يقتربَ منه، وأيضا يفُككُ الأشياءَ من بعضها البعض مثل حيوان القنفذ الشكاك والمزيح دائماً من أي شئ يمر بجانبه. دريدا كان مفككاً عظيماً ومغوي اللعب بالمصطلحات، من أجل تاريخانية جديدة وفلسفة جديدة وانسانية جديدة، يا له من
ماكر وموغل في الأنسانية، والدعوة نحو مزيد من البؤس والبكاء علي الاطلال.
ودلالة على ذلك فقد رفض مقولة كانط المعتادة حول الميتافيزيقا، وهي تمثل الحقيقة في الحضور أحياناً والغياب أحياناً، وفي حالة ظهور العالم المادي والواقعي، بمعني التأكد من الحقيقة هو العالم المثالي والتصورات، وأيضاً أحياناً الغياب المطلق هو تحول العالم المادي الي مرحلة ثالثة من التمثل وهو العالم الزائف والجحيم وهي تطوير علي تدني المرحلة الثانية، وهي الغياب النسبي فيما يتعلق بالتمثل للعالم المادي والصراعات الوجودية.
ويضيف كانط أنه، لا يمكن تصور الحضور للحقيقة والأعتراف بالبراءة للعقل دائماً أو غياب نسبي أو مطلق لهذا التمثل بشكل دائم، أنما هناك إزاحات بين الحضور والغياب. وهذين
المصطلحين مهمين لدي كانط، للحماية والصيانة ضد الفوضي، وهما مدخل العلاقة مع فلسفة
دريدا الفرنسي، وكانوا مصطلحين ظاهرين بشكل كبير لدي دريدا لكل من قرأ له.
والمعني الدقيق هنا أن دريدا لم يرفض هذا الميتافيزيقيا الكانطية، أنما تلاعب فيها حيث تمثل لديه الحضور والغياب، والفارق هو رفض الميتافزيقيا بشكل عام وقد تكون بشكل نوعي ما عند كانط، ووسع دريدا من مفهومي الحضور والغياب الكانطي وهذا التقسيم الثنائي إلي أضافات وبهارات جديدة متعلقة بالتأجيل والتشتيت، والاختلاف وارجأ المعني، والتناسل وتلاعب المدلول والدال والتلاشي.
يلاحظ هنا الأصرار علي ذكر ميتافزيقا لدي دريدا وكانط، رغم أختلاف كلا منهماً، فرغم رفضهما لذلك إلا هناك صعوبة للهروب من الميتافزيقيا دائماً.
أخضعَ كانط ملكاتَ النفسُ التلاتة إلي أبعاد معرفية ضخمة، وهو الأرجاء والغياب والحضور فهناك عودة بشكل دائم لملكة المعرفة ثم ملكة الرغبة ثم ملكة الحكم، وهي القيمة إلي حد المعرفة مرة أخري. فوفقاً لكانط كل ملكة من ملكات النفس تتطور من خلال مجموعة الملكات المعرفية الأبعد. وهذا منطق جاك دريدا وهو الإرجاء والعودة إلي أصل معين وثابت، والعودة دائماً إلي نقطة الانطلاق، فالنفس تبدأ من العقل بمعني حد المعرفة، وتنتهي الي حد المعرفة مرة أخري.
لدي كانط أبناء شرعيين من أبرزهم عمودي البنيوية والتفكيك، جاك دريدا وميشال فوكو. فدريدا أرتبط بكانط عن طريق الأرجاء فيما يتعلق بعودة الملكات التلاتة مرة أخري إلي المعرفة وأيضا مفهومي الحضور والغياب، فيما يتعلق بتشتت اللوغوس أو التلاعب بما هو مطلق أو حقيقي أو ألهي .
الالماني جادامير
جدف الفيلسوف الألمانيِ المحيرِ والبطئُ للغاية، هو أبطأ من الفيلسوف ديكارت، وأكثر مللاً، حتي أنه عاش كعمر السلاحف 105عاما ، أو أقل قليلاً، فهو الفيلسوف الوحيد الذي عاش أكثر من قرن وشهد كل أحداث القرن العشرين كلها . حيث جدف الفيلسوف هانز غادامير نحو كانط دون إعلان كانطيته صراحة، فقد تبني التأويل في التحليل الفلسفي، وفتح الأفق ولما لا فهو تلميذ الفيلسوف مارتن هيدجر عملاق خبايا كانط ومتتبعه، وتلميذه النجيب مثل فوكو.
فقد دعا كانط إلي عدم تأسيس مناهج فلسفية نقدية محددة والعمل على التأويل المتعدد، وفتح أفقاً للنقد ومنهجياته، وايضاً طرقا ودروباً للناقد والباحث، وها هو الأمر يتعلق بلمحة لرولان بارت الناقد الفرنسي قاتل كل شئ بما فيه النص، والذي أفرط في كانط وحوله إلي أراجواز تأويلي بمفهومه حول موت المؤلف والناقد . هذا التطرف لدي بارت بعيد كل البعد عن جادامير الذي دعا إلي طرق التأويل والفهم، ودور متعدد للناقد وليس نفيه كما فعل بارت الذي يعتبر بعيد تماماً عن كانط التأويلي، أو يمكننا القول أن بارت هو صورة لتفسخ كانط في مراحل التأويل.
يعتبر كانط مفتوح التأويل ولكن بمحاذير عقلية ومحددات وتقنيات معرفية إلي حد ما، مفتوحة لإعطاء دوراً للناقد والمفكر فهو دائما داعياً للأبداع والتطور وأعمال العقل والتجديد. وقد طبق جادامير هذه الرؤية الكانطية وقسم مراحل التأويل الي تلاتة : “الدائرة الجمالية “ ثم “الرؤية التاريخية” ثم “مرحلة التفسير اللغوى”، وقد كان موسعاً لكانط وهو أتضح كثيراً في غالبيةُ الفلاسفة المعاصرون.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |