- أشدّ بياضاً من البياض- محمّد عُضَيمة والقصيدة المؤسسة

باسم القاسم
2023 / 7 / 9

توطئة :
" ليست القصيدةُ كلُّ الشعر " تنجحُ هذه الفكرة النقديّة في أن تكون الأرومة التي من نسغها نصبو إلى أن يتزيّنَ شجرُ الشعر بفاكهة المختلف الجديد ، وعليه ونحن نخوض في هذه القراءة الثقافيّة لمنتجٍ أدبيّ صدر عن دار تكوين/ دمشق 2022 ، بعنوان " أشدُّ بياضاً من البياض ، كراكي طوكيو البيضاء " ، للناقد والشاعر السوريّ محمّد عُضَيمة ، لابدّ من وقوفنا على الجوهريّ في هذه العبارة والذي يتمثّل في تصوّرٍ حيويّ يفتح للشعر بوابة الاطلاق ، فالقصيدة وفق هذا التصوّر ليست سوى قارّة من قارّاتٍ عديدة تتوزّع في محيط الشعر الواسع إنّها ليست اليابسة الوحيدة ، إنّ القصيدة ليست سوى إمكانيّة من إمكانيّات الشعر إذ أنّ القصيدة ليست جميعُ الشعر، فالشعر يمتلك إمكاناتٍ أخرى ، ثمّة قارّاتٍ في محيطات الشعر لم تمرّ عليها بعدُ قدمُ عابر ،ولابدّ هنا أن نوضّح في هذا السياق أنّنا حين نتناول كلمة " قصيدة " فإنّنا نعني بها " القصيدة المؤسَّسة " بفتح السين ،القصيدة التي يترأس دوائرها مدراءُ تنفيذيون يفرضون سلطتها على الشاعر ويروّضون ذوق المتلقّي ، تلك المؤسَّسة التي لايغيب تاريخها عن باحثٍ أو مهتمّ ، التاريخ الذي ابتدأت تقلّباته مع الإطاحة بالمدير التنفيذي الأشدّ سطوة وهو التشطير وعمود الشعر المدجّج بتعريفاته وشروطه ثم استلم المهمّة المدير التنفيذي لشعر التفعيلة المفتون بقمصان الحداثة والذي لم نلبث أن اعتبرنا معه أنّنا لم نغادر سطوة القصيدة المؤسّسة فأطحنا به للنتقل إلى حقبة المعنى على حساب الشكل ثمّ انتقلنا إلى حقبة الاشتغال على معنى المعنى وهكذا دواليك تتابعت التقلّبات والانقلابات على المدراء التنفيذيين في القصيدة المؤسَّسة المدجّجين بتعريفاتهم وشروطهم أو لَبوسهم الرؤيويّ الحداثيّ إن جاز التعبير ، إلى أن وصلنا إلى آخر هؤلاء المدراء الذي فرض سلطاته عبرمقولات الشعر بالنثر والمواضَعات العديدة التي شكلت الحراك القرائيّ لهذه المرحلة المعاصرة من حياة الشعر.
تلك التوطئة السالفة وبأسلوبيّة عرضها أجد فيها المفتاح المناسب للدخول إلى مُنتجٍ شعريّ احتوى على خمسة عشر فصلاً " احتجاجاً " يبثّها محمّد عُضيمة إلى القارئ العربي من منطلق تأكيده الدؤوب بأنّنا حتّى مع مقولات الشعر بالنثر وأنواع نتاجاته الابداعيّة فإنّنا لم نتخلّص بعد من سطوة القصيدة المؤسَّسة ، وهنا لابدّ من أن نشير إلى أنّ القلق من سطوة القصيدة المؤسّسة قد أخذ جانباً مهمّاً من تنظيرات المبشرين بمستقبل االشعر بالنثر وبرز ذلك من خلال رفضهم التام لإطلاق تسمية قصيدة على نصوص هذا النمط الأحدث من الشعر فأطلقوا العنان لاجتهاداتٍ حثيثة في تسوية هذه المعضلة ، ولابأس أن نشير إلى أنّ أدونيس في أوج حملته التبشيريّة لهذا النمط كان يعمل على تثبيت مصطلح " القصيدة " ويعقبها تارةً بكلمة " المعاصرة " وتارةً بكلمة " الجديدة " إلّا أنّه فطن إلى أنّ هذا المصطلح " قصيدة " يضيق باستيعاب هذا المنجز الشعر فتدارك هذه المعضلة من خلال دعوته إلى تأسيس ممارسة جديدة سمّاها " الكتابة " ثم أضاف إليها لاحقاً كلمة " الجديدة " * ، وعبر هذا المداخلة المقتضبة ، نثير فضول القارئ ليتابع معنا دوافع محمّد عضيمة التي تجعل من إصداره الجديد " أشدّ بياضاً من البياض كراكي طوكيو البيضاء " عبارةً عن إعادة مونتاج لحقيقةٍ يعتقدها حيث يرى بأنّه فاعليّة إنتاج الشعر العربي بما فيه الشعر بالنثر ماتزال " جوهريّاً " ترزح تحت ربقة القصيدة المؤسّسة ولم نحقق معه بعد الحريّة المطلقة لذهنيّة الابداع في الشعر والتي هي الوازع والطموح المقدّس الذي سينتقل بدورة حياة الشعر العربي إلى مرحلة جديدة ، ومن نافلة القول أن نشير إلى أنّ هذا الارهاص الثقافي لدى المؤلّف لايُعنى به فقط هذا الاصدار الشعري الجديد إنّما هو يشكّل وجهة نظر سابقة ابتدأها مع مشروعه "ديوان الشعرالعربي الجديد " والذي نُشر في سلسلة من الاصدارات ابتدأت عام 2000 ، وبما أنّنا نتداول كتاباً جديداً يبدو من خلاله محمّد عضيمة بأنّه يقدّم نصوصاً شعريّة تنبثق عن إرهاصاته حول الشعر العربي الجديد ، فربّما سنثير حفيظة النقّاد حين نبدو وبهذه الطريقة قد حدّدنا مآلات هذه النصوص وخلاصاتها الدلاليّة وأنّنا قد تناسينا أنّ التأويل هو سيّد الموقف ولابدّ أن يختلف رأيٌ عن آخر وخلاصة عن أخرى وإلّا فنحن لسنا أمام شعر ! عند هذه النقطة لابد أن نشير إلى أنّ هذه الكتابة أراد لها الشاعر أن تكون ناجيةٌ من قضاء التأويل وقدره ، مُعاديةٌ لتذاكي الشاعر على الحقيقة والواقع ، وداعيةً له أن يُبعدُ عن الشعر لعبتَه الشهيرة في أن يكون وراء كلماته حشدٌ من التأويلات والانزياحات
" لاتعطِ الحقيقة أكثر مماهي عليه ....
الحقيقةُ أبسطُ مما تتصور، وأقرب مما يُتوقّع ،
فلاتجعل منها ذاك الصعبُ الذي لايُفهم ، وذاك البعيدُ الذي لايُدرك "
وتتآزر مع هذه الدعوات تلك الترويسات التي يفتتح بها الشاعر عدداً لابأس به من الفصول بذات القصد وذات التوجّه بحيث تفضي جميعها إلى إدانة الشعر والشعراء بل وتدعو إلى مفارقتهما وتكذيبهما وذلك حين تكون القصيدة بالنسبة إليهما هي وفقط الشعرُ كلّهُ :
(( قولاً واحداً وبلامقدّمات إيّاكم والشعر ، إنّه مخذلة ، إيّاكم والشعر ثلاث مرّات
إيّاكم وهذا اللقيط ، لقيطُ الأزقّة والدروب ،لقيط الدفاتر والتاريخ والتراث ، لقيطٌ لاقولَ له سوى القول ، ولافعلَ له سوى القول ، بلاهويّةٍ ولاعنوان ولا اسم ... ))
وهناك ثمّة إرادةٌ بعينها وقصديّةٌ مدوّية تجوب أرجاء الكتاب عبر هوامش سرديّة ابتدأها مع العتبة العنوان للفصل الأوّل والتي اختارها المؤلف لتكون المخطّط المفتاحي لفصول الكتاب قدّمه ليد القارئ بحرصٍ حين كتبَ :
"لاشيء يتفوّقُ على عبقريّة الوضوح " :
يالتلكَ الرسائلِ التي أفرغتُ فيها
جميعَ أكاذيبي ،
كيف أعادتْها إليّ ذات يوم :
- محمّد رسائلكَ الغراميّة كلّها فوق طاولة الطعام
فقط أقفلِ الباب وراءك عند الخروج
وضعِ المفتاحَ في علبة البريد .
ويمكن للقارئ وبشكل واضح أن يلتقط من الكتاب موجة إرسالٍ يبثها محمّد عضيمة عبر فضاءاتٍ عديدة ولكن أهمّها كما أعتقد هو الفضاء الذي يمنحنا الفرصة لتنتظم فيه مداراتُ قراءتنا حول محورين أساسيين :
* المحور الأوّل :
إرادته العلنيّة في أن تكونَ نصوصه " كتابته الشعريّة " هاربةً من نموذج القصيدة المؤسَّسة وبرنامجها النظري المكرور:
التقيتُ بها في كثيرٍ من الأماكن
وكانت في لباسها المنبريّ الأنيقِ
ولم نتفاهم ..
- هي مَن ؟
وكان الشعراءُ يحومون حولها كالعشّاق
من كلّ حدب وصوب،
وكلٌّ يريدُ التقاط صورة تذكاريّة معها
أو توقيعها
ولم نتفاهم ..
- هي مَن ؟
وكانت تَجلجلُ في كلّ خُطوة من خطاها
إلى باحةِ المجد والخلود
ولم نتفاهم ...
هي مَن ؟
القصائد الميتّافزيقيّة .
أضف إلى ذلك ثمة هوامش ونصوص بعينها يمارس عبرها محمّد عُضيمة هدماً ثقافيّاً يتناول فهمنا التراكميّ العربي والغربيّ عن / ما الشعر ومن الشاعر/ ويرفضه ، موطّداً عبره هذه الارادة ارهاصاتٍ استفزازيّة تزدحم بها نصوص الكتاب :
أريد أن أكتب قصيدة لم يقرأها أحدٌ من قبل
ولن يقرأها أ حدٌ من بعد (إنها عقدة الأصل ، يا أصدقاء ، عقدة الأوّل والبداية ، عقدة أن تكون إلهاً لاقبلك ولابعدك بعدٌ )
وليست عن النباتات أو الأعشاب البريّة
ولا عن الأشجار أو الورود
كما أنّها ليست عن الحيونات
أو مشتقّاتها من البشر والقرود
وليست عن الحبّ أو الموت
ولاعن جواربي المثقوبة في القدمين
ولا عن أحذيتي السوداء
قصيدة لم يكتبها شاعرٌ من قبل
ولن يكتبها آخر من بعد .
ويتبدّى واضحاً في معظم فصول الكتاب ذلك الحرص على ضخّ شحنة انفعاليّة في حراكٍ تعبيريّ دؤوب يفتّت مسلّماتٍ يعتبرها على حدٍّ سواء ، الشاعر العربيّ المعاصر والمتلقّي العربي المعاصر ، جوهريّةً بالنسبة للشعر وبدونها ليس ثمّة شعر ، إنّها مرتكزاتٌ مقدّسة في القصيدة المؤسّسة تتجرّأ عليها نصوص الكتاب مثل شيطانٍ يتجرّأ على خالقه :

لاتقرؤوا لي يا أصدقاء
فأنا الشيطان الذي لاتعرفون أبداً
ولم تسمعوا به ،
وقد تصابون بالدهشة أو بالذهول
لأنّني لا أستخدم
الكنايات الباردة أو تلك المجازات الجاهزة ،
والوزنَ .. أعوذ بالله !!
لا ، لا ،
لاتقرؤوا ماتصادفون لي في الطرقات والشوارع
وتحت الجسور ،
لأنّي أخاف عليكم وعلى أولادكم من الضياع والزوغان
فأنا زائغٌ منذ الولادة
ولم أدرِ بعد كيف أرتدي ثيابي
كما ترتدون.
* المحور الثاني :
ليس بدعاً من القول حين نعتبر أنّ جميع ماورد في المحور الأوّل لايمثّلُ طرحاً جديداً جدّاً يتبنّاه محمّد عُضيمة حديثاً في عالم الشعر العربي ليبدو أنّنا نستشفّه لتوّنا من هذا الإصدار الجديد ، إذ أنّ هذه الارهاصات انطلقت مع بداية مشروعه في سلسلة " ديوان الشعر العربي الجديد 2000 م" ثمّ تحوّلت عبر عقدين من الزمن إلى وجهة نظر قارّة لديه يصرّح عنها في الحوارات والمقابلات الثقافيّة،فما هو الأكثر جِدّةً في هذا الاصدار الجديد ؟
تمثّل الإجابة عن هذا التساؤل هدف المحور الثاني في قراءتنا النقديّة إلّا أنها تتورّط بخصوصيّةٍ منوطةٍ بأجنّة إبداعيّة بدأت تتشكّل في حواضن الشعر العربي تتناسلُ وبتسارعٍ ملحوظ من فنٍّ شعريّ ياباني يحمل تسمية " هايكو Haiku " وإلى جانبه ولكن بشكلٍ خجول ما تسمّى قصيدة (واكا waka) وكذلك قصيدة (تانْكا الحديثة Tanka ) ، يُعتبر محمّدُ عضيمة مع أعوامه الخمس والثلاثين ونيّف التي عاشها ومايزال أستاذاً لقسم اللغة العربيّة في جامعة طوكيو ومكوّناً مع زوجته اليابانيّة أساكو عائلةً من أربعة أفراد أضف إلى أكثر من 22 مؤلّفاً مترجماً عن الحياة اليابانيّة بمقدّساتها وفنونها الأدبيّة والشعريّة وأعلامها في الأدب مع مقدّمات له متميّزة في دقّة وموضوعيّة البحث ،يعتبر الحبل السرّي الأكثر غذواً والذي لمّا ينقطع بعدُ كما انقطع غيرُه "عربيّاً " ، ومايزال بزخم جيّد يغذو هذه الأجنّة في رحم الذهنيّة العربيّة ،وبغضّ النظر إن كانت هذه الأجنّة مازالت تلدُ مسوخاً أم مكتملة الخلقة فإنّ محمّد عضيمة لم يبرح وهو يأكّد أنّ الهايكو لا يصحُّ إلّا أن يكون يابانيّاً وأنّ كلّ ماينتج عالميّاً وليس فقط عربيّاً إنّما هو محاولة لمجاراة خصائص شعر الهايكو الشكليّة ،عند هذه السرديّة المكثّفة نقف مع كتاب "أشدّ بياضاً من البياض / كراكي طوكيو البيضاء" لنجد أنّ فصلين في الكتاب
هما : " قمرُ ابن الثلاثة أيام " وكذلك " طبيبة الأسنان العجوز"
يتموضعان داخل الكتاب على هيئة كتابيّة مطابقة للهايكو الياباني شكلاً كما أنّهما يخلِصان في جوانب كثيرة للجوهريّ في شعريّة الهايكو الياباني من نواحٍ عدّة ، فهل أخيراً يقدّم محمّد عضيمة هذا النموذج من الكتابة على أنه المتاحُ والممكنُ الذي يمكن أن يستفيده الشعر العربي من السباق المحموم نحو الهايكو العالميّ الذي يحاول أن يجاري الهايكو الياباني ؟ هل صاحب هذه السيرة الكتابيّة الغزيرة في الترجمة والمقدّمات حول الشعر الياباني وشعراء اليابان قد قرّر في النهاية أن يمنح متابعيه نموذجاً عن سلوكه الكتابي على دروب الهايكو ؟
داخلَ عينيّ أمّهِ
ينعكسُ
وجهُ الطفلِ الرضيع
**
بلى إلى هذا الحدِّ
غريبٌ في بلاد الشمسِ المشرقةِ
يازيتَ الزيتون
**
يالزرقة البلادِ النائية
إلى دارٍ للمُسنّين
تصلُ حمرةُ الغروب
**
أشدّ بياضاً
من البياضِ
كراكي طوكيو البيضاء
**
يالفجرِ دمشق ...
خيوطُ الضوءِ من الشبّاك
والبرودة من تحت الباب
ولابدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الهيئة الكتابيّة ثلاثيّة الأسطر لم تكن غائبة عن الإصدارات الشعريّة العديدة للشاعر السوريّ محمّد عضيمة إلّا أنها كانت بمحتواها وعناصرها تجنح نحو المحتوى الحداثيّ أو مابعد الحداثي الأقرب إلى الومضة ، مفارقةً لعناصر جوهريّة في شعريّة الهايكو ، في حين نجدها في هذين الفصلين تأخذ هيئة كتابية مستقرّة ويُظهر كاتُبها انضباطَه المقصود بمعطياتٍ جوهريّة في صياغة الهايكو الياباني ، خصوصاً " طبيبة الأسنان العجوز " الذي يقترب من نمط سلسلة " الهايكاي رينغا " اليابانيّة ، فضلاً عن وجود مقطوعات كثيرة تواطئ صيغة قصائد تانكا الحديثة متأثرة بشاعر اليابان الأشهر مجدّد التانكا " إيشكاوا توكو بوكو "
كركراتُ رضيعٍ في حضن أمّه
داخلَ القطار ،
عبثاً أحاولُ الامساك بها ،
شكراً لأمّه التي أضحكتهُ ، أنقذتِ الجوَّ
من كركبات الصباح
****
على أنين رحىً
تدندن أغانيها القديمة عن الحبيب الأوّل،
امراةٌ وسيمةٌ في الخمسين،
بائعُ قماشٍ جوّال يرمي التحيّة،يستأذن بالجلوس
ويطلبُ كأس ماء
عبر ماسلف يمكننا القول بأنّ فصول الكتاب رغم تعدّد أنساقها وتلوّن آفاقها الجماليّة ، فقد بدت فيها قصديّة المؤلّف وكأنّها تحتفي بهيئة كتابيّة بعينها ، تلكَ الواردة في فصلين من الكتاب و التي تنظر إلى الشعر من زاويةٍ سمْتُها موضوعةُ الهايكو وتقترب من مقوّماته ، إلى جانب نصوص متفرّقات متأثّرة بروح التانْكا اليابانيّة ،باقي فصول الكتاب تبدو كتحشيد نصوصي تعبيري استفزازي يتخذّ سياقاً تمهيديّاً أو تبريرياً يروّض عند القارئ الشعور بالوحشة القرائيّة التي ستنتابه حين يتعامل مع هذه الهيئة الكتابيّة ، هذا التحشيد النصوصي يعلي من شأن مقوّمات جوهريّة في الهايكو لاتخفى على المتخصّصين في ثقافة الهايكو الشعريّة :
ثمّة فصول تعتني بشعريّة الصادق الحقيقي ، وأخرى تعتني بشعريّة الواضح الواقعي ، وفصولٌ أخرى تعتني باللفظة المتخفّفة من أوزار القواميس، تلك المستأنسة بالعاميّ الأنيق ، وهناك احتفاءٌ نصوصي بالطبيعيّ الموضوعيّ المفرّغ من سطوة الايديولوجيا وتقييمات الذات الشاعرة للوجود، جميعها تبدو محاولات لدكّ قلاع القصيدة المؤسّسة الشاهقة في ذهن القارئ العربيّ أضف إلى أنها تلوّح أنّ في جعبتها أجوبةً كثيرة عن السؤال الكبير التالي :
إذا استغنينا في كتابة الشعر عن الاستعارة والمجاز والايديولوجيا والموقف الشخصي للشاعر وذاته التي تريد تفسّر الوجود وكذلك عن الغموض والارهاصات ورؤى الميتافيزيقيا ، هل يمكن أن نكتب كلاماً نسمّيه شعر !
يبدو أنّ كتاب " أشدّ بياضاً / من البياض / كراكي طوكيو البيضاء " يقدّم إجابته قائلاً : نعم ، وهاكم شعريّة الهايكو ومقوّماته الجوهريّة سبيلاً إلى ذلك أو اقتراحاً مناسباً ،ربّما لن تستطيع أن تكتب هايكو ، إنّما يمكنك أن تأخذ إكسير الهايكو لروح كتابةٍ شعريّة جديدة تعتق الكتابة الابداعيّة العربيّة من زنزانة القصيدة المؤسّسة .
وتبقى هذه الاجابة بحاجةٍ لمن يناظرها ويواجهها من النقّاد العرب بموضوعيّة جادّة معترفة باستنقاع الثياب الداخليّة للقصيدة في ماء شعريّةٍ صارا آسناً لطول ركودته ، ولكن جلّ ماحصلت عليه هذه الاجابة هو المواجهة مع كوماندوس الصحافة العربيّة وإقصائيّته الباردة .
ختاماً :
لم ينبس محمّد عضيمة في كتابه الجديد ببنت شفة حول جميع التصورات والتقديرات والمفاهيم التي يطرحها هذا المقال ، هو كذلك مثل أيّ نصّ هايكو ياباني أو شاعر هايكو ياباني أولئك الذين يطلقون عليهم في بلادهم لقبَ عشّاق الصمت ، ويبقى كلّ ماسلف هو هتكٌ للصمت ، على يد متأمّلٍ يستجوب الصمت .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي