ما أهمية الفحولة الجنسية ؟

منى نوال حلمى
2023 / 5 / 27

---------------------------------------------
حياة العرب كلها تنافضات فى تناقضات . هناك تناقضات ايجابية ، صحية ، ضرورية للتقدم ، وكشف الحقائق ، ومعالجة المرض من جذوره .
لكن التناقضات التى يعيش العرب فى كنفها ، ويستميتون فى استمرارها ، ويقتلون من أجلها القريب والبعيد ، والتى أصبحت فعلا ملمحا أساسيا من ملامحهم ، وأحد التعريفات الدالة على هويتهم ، هى تناقضات فى اختلال التفكير ، واعتلال التقاليد ، واعوجاج الأولويات . تناقضات من بؤس مرضها ، تدعو الى الضحك .
والأكثر بؤسا أن العرب يغلقون كل ثغرة ، يمكن أن تشفيهم . وهم يتكتلون ويتضامنون ، هم المعروفون بعجزهم عن التكتل والتضامن ،
فى جبهة واحدة من المحيط الى الخليج ، بكل أسلحتهم لكى يخرسوا
الأصوات التى تنقدهم ، وتوضح كيف أنهم أسرى قيم موروثة تمرضهم كل يوم .
أكبر وأخطر هذه التناقضات ، هى علاقة العرب بأجسادهم التى اختصروها فى الجنس ، والعلاقة الحميمة مع جسد المرأة .
لا يوجد على وجه الأرض ، شعوب " تحتقر " الجنس والجسد ، مثل الشعوب العربية . لا يوجد على وجه الأرض ، شعوب " مهووسة " بالجنس والجسد ، مثل الشعوب العربية .
وما بين " الاحتقار " ، و" الهوس " ، تحدث الجرائم ، والخيانات ، والتدنى الأخلاقى ، وفشل العلاقات ، والتعاسة ، وعقد الذنب ، وتأنيب الضمير ، والكذب .
والنتيجة أن العرب يحتلون المراكز الأولى فيما تسمى جرائم الشرف والتحرش ، والختان للاناث والذكور ، والتحرش الجنسى ، والشتائم الجنسية ، والعنف ضد النساء ، واغتصاب المرأة ، والكبت الجنسى ، ومشاهدة الأفلام الجنسية ، وتعدد الزوجات ، وتغطية المرأة ، وترقيع غشاء البكارة الذى أصبح جائزا فى بلادنا بفتوى شرعية ، وتحريم الحب وتجريمه بالشرع والعُرف ، واقتصار الشرف فى الأفعال الجنسية ، واختصار معنى الرجولة فى الفحولة الجنسية ، واختصار الأنوثة فى المفاتن الجنسية التى تجذب الرجال جنسيا ، وأفظع الفضائح والعار ، هو كشف العلاقات الجنسية فى الأسرة ، وممارسة الجنس تحت بير السلالم ، فى الظلام ، والشقق المفروشة المخصصة لهذا الغرض ، والنهى عن تدريس الثقافة الجنسية للجنسين عبر مراحل التعليم المختلفة .
كل هذه الأشياء المتنوعة وغيرها ، يدل على " احتقار " الجنس والجسد ، واعتبارهما أكبر الخطايا وأصل الدنس ومنبع كل الشرور .
وفى الوقت نفسه ، لا شئ يشغل بال العرب ، الا الجنس ، وكيف يثبت الرجل قوته الجنسية التى هى أهم ما فيه ، وكيف تثبت المرأة قدرتها الجنسية فى جذب الرجل ، التى هى أهم ما فيها . العرب لديهم
" هوس " جنسى طوال الوقت ، وهم يفسرون أغلب الأشياء والعلاقات من منظور الجنس .
ولذلك هم ينفقون أكثر من 15 مليار دولارا سنويا ، على المنشطات الصناعية ، مع أن غالبية الدول العربية ، فقيرة ، تأكل وتشرب وتسكن وتُعالج وتتعلم فى ظروف اقتصادية لا تُحسد عليها . واذا كان الرجل العربى ، لا يستطيع شراء المنشطات الجنسية ، فانه يلجأ الى طريقة أرخص ، وهى الاستعانة بالمشايخ ، ليعطوهم زيوتا أو أنواعا من الأعشاب ، أو يعملون له حجابا ، يضعه تحت المخدة ، وهو على وشك اثبات أهم ما فيه .
اذا كان 15 مليارا دولارا ، تنفقها البلاد العربية ، سنويا على المنشطات الجنسية ، فهذا يشير الى خلل ، واختلال ، فى علاقة الرجل العربى ، بالجنس . وتدل على أن العلاقة بين الرجال العرب ، والنساء العرب ، تعانى من أزمة حقيقية ، لا تقل عن الأزمات السياسية والاقتصادية ، والثقافية والدينية والنفسية والأخلاقية والبيئية .
مع كل قرص يبتلعه الرجل ، قبل المعاشرة الجنسية ، يكون قد ابتلع الوهم ، أن تركيبا كيميائيا ، هو الحل السحرى ، السريع ، لمشكلته الجنسية ، مع المرأة .
يبتلع الرجل وهم تنشيط الرجولة ، كما يبتلع الضوضاء ،
و الحروب ، والابادة الاجرامية للشعوب باسم الديمقراطية والسلام ، والانحدار الأخلاقى ، وغياب العدالة ، ونقص الحريات ، ودم الشهداء ، وارتفاع الأسعار ، والفن الردئ ، وكذب الاعلام .
أن يمتد الزيف إلى إحساس الجسد ، وانتشاء الروح ، فهذا جزء ضرورى من الحصار ، الذى يستهدف ، خلق انسان بانسانية مشوهة ، مجزأة ، تخدم تشوه ، وتجزؤ الانسانية عالميا ، ومحليا .
رجل ينفق بسخاء لاحداث " الانتصاب " العضوى ، فى علاقة أصلا ، مصابة " بالارتخاء " المزمن ، انسانيا ، وعاطفية . وامرأة استغنت عن الانسجام الفكرى المتجدد ، " بكفاءة ميكانيكية " ، فورية الصنع ، فورية النتيجة . تماما ، مثل اشباع الوجبات السريع ، التى تضر ، أكثر من أن تفيد . الفارق هائل بين " وجبة على السريع "، والطعام " البيتى " ، الدسم ، الممتلئ بكل مقومات الغذاء الصحى . رجل ، تتهاوى كل الأشياء من حوله ، ولا يهمه الا لحظة مؤقتة ، لاثبات مقياس الرجولة الساذجة ، المنحصر على الأداء العضلى . وامرأة ، تنسى أنها " متاع ذكورى " ، و " ملكية ذكورية " ، و " أرض ذكورية " ، محتلة ، وجاهزة تحت الطلب ، حينما تئن الشهوة الذكورية . لكنها لا تكتفى بذلك ، بل تستسلم أيضا ، لعلاقة " آلية " ، واجبة الاشباع بأى ثمن .
إن الرجل السوى ، المحب ، تحرر من الحاح الغرائز الحيوانية الدونية . يرى الجنس ، أكمل تعبير عن التناغم بينه ، وبين امرأة ، يشتهيها بالعقل ، والعاطفة ، والجسد . امرأة لا تقل عنه حرية ، وإنسانية ، و كرامة .
مع هذا التناغم ، يحدث تناغم آخر ، بين الطرفين من ناحية ، وبين الكون المحيط . هنا يصبح الجنس ، نبوءة ، وكشف للأسرار ، وعلاج للروح التى تشعر بالغربة ، واضاءة جديدة للدروب المظلمة . والنتيجة ، هى " السعادة " الجنسية . وليس " الاشباع " الجنسى ، الذى يتولد من علاقات مريضة ، غير متكافئة ، لقتل الوقت والتسلية ، ولانجاب النسل . " الاشباع " الجنسى شئ . لكن " السعادة " الجنسية ، شئ آخر ، مختلف شكلا ، وجوهرا ، ودلالة ، وفلسفة .
نحن نعيش فى مجتمعات ، وفى عالم ، غير انسانى ، مقلوب المقاييس . عالم ، تسيره علاقات كلها ، بين طرف أعلى ، وطرف أدنى . عالم الإنسان المتصارع مع أجزائه . عالم فى تناقض جوهرى ، وعداء أصيل ، مع العدالة ، والحرية . بدون عدالة ، بدون حرية ، يستحيل الحب الحقيقى ، تستحيل السعادة الجنسية . بدون حرية ،
لا نتذوق أبدا " الفرح الجنسى " ، الذى لا يشترط التورط الجسدى المتلاصق ، أو حتى التقاء جسدين ، للوصول الى ما يسمونه " المحطة الأخيرة " . يمكننا الاحساس بالفرح الجنسى ، بأشياء لا تمت للجنس التقليدى ، الموروث ، بأى صلة . الفرح الجنسى ، لا محطة أخيرة له .
هناك " صفقات " عاطفية ، " مشروطة . هناك " تبادل " منفعى لأدوار ، واحتياجات محددة ، ومبرمجة سلفاً . وهناك " نجاح " جنسى بين أجساد مغتربة ، لا تجد الرضا ، الا فى اشباعات عابرة ، هى الأخرى بالضرورة ، " مغتربة " .
العلاقة الحميمة بين الرجل ، والمرأة ، ليست علاقة جسدية . ربما الجسد ، هو " الوسيط " . لكنها علاقة " فكرية " ، " وجدانية " ، " حضارية " ، " فلسفية " ، فى المقام الأول . ولذلك هى تنتج
السعادة ، البهجة ، والامتلاء ، والثراء ، فى كل معانيه ، وأبعاده . الأدوية ، والأعشاب ، وبعض أنواع الطعام ، والشراب ، ومشاهدة الأفلام المثيرة جنسيا ، كلها أدوات " مفتعلة " ، و" محفزات " ،
صناعية ، خارجية ، لتعويض الشئ الأصلى الناقص .
هذه المحفزات المفتعلة ، هى التى تجعل بلادنا ، فى الصفوف الأخيرة لجودة الحياة ، والسعادة ، والصدق مع الذات ومع الآخرين .
ماذا تفيدنا الفحولة الصناعية أو الطبيعية ، فى بناء نهضة مصر ، وتجديد أفكارها ، والشفاء من الأمراض المزمنة ؟؟.
ومنْ قال أن الفحولة الجنسية ، شئ بهذه الأهمية ، التى نكاد نقدسها ؟؟. وهى مقدسة بالفعل .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي