القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٤٨

ضياء الشكرجي
2023 / 1 / 14

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٤٨
لا خَيرَ في كَثيرٍ مِّن نَّجواهُم إِلّا مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعروفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النّاسِ وَمَن يَّفعَل ذالِكَ ابتِغاءَ مَرضاةِ اللهِ فَسَوفَ نُؤتيهِ أَجرًا عَظيمًا (١١٤)
هذه الآية هي من تألقات القرآن، رغم كل ما يثار عليه من إشكال، وما هو في محل نقد، أو ما هو مفتقر إلى التنقيح والتصحيح، من حيث المضمون الفلسفي، وليس بالضرورة البلاغي، ولو إنه ليس معصوما بلاغيا، بل حتى نحويا، لكن هذه الآية حقا هي من تألقاته الجميلة. لا نريد أن نتوقف عند سؤال من كان مقصودا بهؤلاء الذين تتناولهم الآية بالنقد، فلعل محمدا كانت له مشكلة ما معهم، أو كانت لهم هم مشكلة معه، لكننا إذا تناولنا ذلك مجردا عن مصاديقه، وما يسمى بأسباب النزول، فحقا فإن الناس، أيا كانوا «لا خَيرَ في كَثيرٍ مِّن نَّجواهُم [وكلامهم ومجادلاتهم، ما كان جادا منه، أو عبارة عن مجرد لغو] إِلّا [إذا كان المتكلم هو] مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعروفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النّاسِ» ثم «مَن يَّفعَل ذالِكَ ابتِغاءَ مَرضاةِ اللهِ» فيستحق حقا أن يؤتى من الله «أَجرًا عَظيمًا». طبعا حسب اللاهوت الفلسفي خارج الفهم الديني لا يجب أن يكون العمل الصالح «ابتِغاءَ مَرضاةِ اللهِ»، إلا إذا كان هذا يعني عدم توقع مقابل من الناس، ولكن بكل تأكيد هذا ما لا يعنيه الفهم الديني له، لأن العمل الصالح مشروط قبوله والإثابة عليه بالإيمان وبنية القربة إلى الله، ومن هنا ذهب جل الفقهاء بأن من عمل صالحا، إذا ابتغى به وجه الله يثاب عليه في الآخرة، وإذا أراد به شيئا آخر، فيعطاه في الدنيا، كشكر المتوجه إليهم العمل الصالح، أو المديح، أو الشهرة، أو الربح المادي، وهذا في الواقع فهم ساذج، وهم من حيث لا يشعرون يتهمون به الله بعدم العدالة، لكنهم مضطرون إلى هذا الفهم، مهما حاولوا تنزيه الله، لأنهم محكومون بالنص المقدس الذي لا يملكون الخروج عنه، ومن خرج عنه منهم كان حالة شاذة واستثنائية، وهو قد خالف النص الديني المقدس، لينتصر للفهم الفلسفي للعدل الإلهي.
وَمَن يُّشاقِقِ الرَّسولَ مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى وَيَتَّبِع غَيرَ سَبيلِ المُؤمِنينَ نولِّهِ ما تَوَلّى وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَت مَصيرًا (١١٥)
كل من يشاقق محمدا، كل من يعاند محمدا، كل من يشاكس محمدا، يقطع لنفسه بطاقة دخول وضمانة خلود في النار.
إِنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أَن يُّشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذالِكَ لِمَن يَّشاءُ وَمَن يُّشرِك بِاللهِ فَقَد ضَلَّ ضَلالًا بَعيدًا (١١٦)
هنا يعكس الإنسان نرجسيته على الله، وينسب إليه عقدته تجاه من لا يعترف به، أو تجاه من يساويه بغيره، فلنتأمل في هذه الآية، التي يتخذها الكثير من المسلمين للاستدلال على مدى رحمة الله حسب تصور القرآن، بحيث يغفر ما دون الشرك، وهذا يجب أن يشمل الملحدين واللاأدريين، لأنهم ليسوا مشركين، وكذلك أتباع الديانات الفلسفية مثل البوذية. وفي آية أخرى نجد الله يغفر الذنوب كلها جميعا لمن يشاء. جميل هذا التصور لسعة مغفرة الله وشمولها كل أنواع الذنوب. هنا يمكن أن يعترض معترض كيف يمكن المغفرة لمجرم ارتكب أبشع الجرائم، ناهيك عن الذي ارتكب جريمة إبادة جماعية. هنا لنتناول الموضوع بتجرد وبعيدا عن المشاعر، لاسيما مشاعر التضامن والتعاطف مع ضحايا تلك الجرائم، فيمكن أن يجاب، وهذا ما يعتمده لاهوت التزيه على نحو الاحتمال، لا على نحو الجزم، وهو لو افترضنا إن المجرم لم يكن بيده ألا يكون كذلك، فهو إذن مجبر على ارتكاب الجريمة، وكما كررنا إنه خلاف العدل الإلهي أن يعاقب إنسان بسبب اعتناقه دينا باطلا أو فهما باطلا لدين يفترض أنه حق، أو عقيدة باطلة، لأننا قلنا إن العقيدة فيما يتعلق بالقضايا الميتافيزيقية إيجابا أو سلبا هي في أغلب الأحيان ليست اختيارية، وخلاف العدل أن يعاقب على أمر غير اختياري، يمكن أن نفترض انعدام الاختيار عند المجرم، وبذلك قد لا يستحق العقاب الإلهي في الحياة الأخرى، بل ما يستوجبه العدل هو تعويض ضحايا جرائمه. لكننا نسأل هنا، لماذا استثناء الشرك، فأيهما أسوأ طاغية ارتكب جرائم ضد مئات الآلاف من البشر وبأبشع الصور، أم شخص لم يؤذ طوال عمره أحدا، لكنه ورث عقيدة وثنية من أبويه وفتح عينيه على مجتمع يتبع كله تلك العقيدة، مما يعد شركا. ثم يا ترى لماذا كرر القرآن إدانة الشرك، ولم يبين موقفه من الإلحاد، أي عدم الإيمان أصلا بوجود الله؟ فهل يقع الإلحاد تحت عنوان ما دون الشرك المغفور له من الله؟ من الناحية الفلسفية نقول الإلحاد بحد ذاته لا يستحق العقاب وفق العدل الإلهي، ولكننا نحاكم الدين بما ألزم هو به نفسه، فهو توعد حتى المؤمنين بالله والموحدين له، غير المصدقين بنبوة محمد بنار جهنم خالدين فيها أبدا.
إِن يَّدعونَ مِن دونِهِ إِلّا إِناثًا وَّإِن يَّدعونَ إِلّا شَيطانًا مَّريدًا (١١٧) لَّعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِن عِبادِكَ نَصيبًا مَّفروضًا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُم وَلَأُمَنِّيَنَّهُم وَلَآمُرَنَّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الأَنعامِ وَلَآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلقَ اللهِ وَمَن يَّتَّخِذِ الشَّيطانَ وَلِيًّا مِّن دونِ اللهِ فَقَد خَسِرَ خُسرانًا مُّبينًا (١١٩) يَعِدُهُم وَيُمَنّيهِم وَما يَعِدُهُمُ الشَّيطانُ إِلّا غُرورًا (١٢٠) أُلائِكَ مَأواهُم جَهَنَّمُ وَلا يَجِدونَ عَنها مَحيصًا (١٢١)
هناك كلام عن عقائد، لا ندري ما إذا كانت موجودة وقتذاك، فهنا كلام عن عبدة إلاهات مؤنثات، وكلام عن عبدة الشيطان، وبقي الأمر لا يعلمه إلا مؤلف القرآن، بأي طريقة كانوا يعبدون الشيطان، وما إذا كان يعني عبادته بالمعنى المجازي باتباعهم الشيطان في وسوسته لهم بالأعمال السيئة، حيث اعتبرت الأديان نزعة الشر داخل الإنسان وسوسة من خارجه يزاولها الشيطان؟ خلاصة القول إن هؤلاء غير مشمولين بالمغفرة الموعود بها في الآية السابقة، إذ «أُلائِكَ مَأواهُم جَهَنَّمُ وَلا يَجِدونَ عَنها مَحيصًا».

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي