الزمن الجميل في العراق اليوم وليس البارحة

محمد رضا عباس
2022 / 10 / 30

هناك من الكتابات تحاول تجميل وجه النظام العراقي السابق بسرد انجازات كانت ليست من صنعه , حتى تعطي للقارئ بان الماضي كان سعيدا جدا مقارنة بفوضى الحاضر , فيخرج احد الاشخاص يلطم الخدود ويشق الجيوب على الماضي الغير مجيد لأنه لم يجد مطعم صيني او ايطالي او فرنسي يتناول فيها وجبة عشاءه بعد ان كانت هذه المطاعم متوفرة على مفترقات الطرق , وانه اصبح ينام جائعا لأنه لم يستطع العثور على الخبز الايطالي او الفرنسي , بل حتى السويسري .
اذا كانت المطاعم الاوروبية الفاخرة متوفرة في العراق , فأنها كانت متوفرة ما قبل حكم صدام حسين وليس بعده . هذا مع العلم ان المطاعم الاوربية لم تكن متوفرة الا في مناطق محددة لا يصلها الا اصحاب المال والسلطة , ولا يعرفها ابن الموصل او الانبار او البصرة او ديالى , وبكل تأكيد لم تكن متوفرة في مدينة الثورة سابقا ومدينة الصدر حاليا والتي تمثل نفوسها ما يقارب نصف سكان بغداد . بعد ان استلم صدام حسين الحكم بدأت هذه المطاعم بالاختفاء تدريجيا حتى لم يبقى مطعم صومالي . التحضيرات لحرب ايران انهت جميع محاولات نهضة العراق و اصبح بيض المائدة الضحية الاولى وتبعها الحليب الجاف ,و اصبح الاباء يعانون مصاعب جمة من اجل العثور عليهما .
كان في العراق مصلحة نقل الركاب يرتدي سائقها وجابيها زيا موحدا وتسير بأوقات محددة , ولكنها هي الاخرى كانت ضحية حرب ايران , حيث اصبحت لا تصل الى محطاتها بانتظام واصبحت طاقتها الاستيعابية لا تكفي لحاجة المواطن واصبح تدافع الرجال والنساء من اجل الحصول على مقعد للجلوس مهمة تستحق القتال . اتذكر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي كان من يريد الانتقال من منطقة الاعظمية الى باب الشرقي يعاني من الازدحام واغلب الموظفين لا يستطيعون الوصول الى اماكن وظيفتهم بالوقت المحدد , يضاف الى ذلك لم يكن بقدرة المواطن بتأجير تكسي الى محل وظيفته لعدم استطاعته دفع اجورها . هذه الايام يتقاتل سواق سيارات من اجل الركاب .
المواطن العراقي في زمن الحرب مع ايران والحصار الدولي اصبح لا يبحث عن خبز فرنسي او سويسري او ايطالي وانما كان يبحث عن بيضة مائدة طعام ودواء لأطفاله بعد ان غابت من الاسواق . بكلام اخر كانت العائلة تفكر كيف تؤمن اكلها في اليوم التالي و اصبح الاطفال يعانون من سوء الاغذية وقلت الدواء . كان مئات الاطفال يموتون بسبب نقص دواء متوفر و يباع في الاسواق الدول العربية المجاورة للعراق. في هذا الوقت لم يعد المرضى الفقراء زيارة المستشفيات لأنه لم توفر الدواء لهم , و اصبح الاغنياء فقراء بعد ان صعدت قيمة الدولار الامريكي الى 5000 دينار واضطر الناس بيع بيوتهم من اجل توفير لقمة عيش الاطفال . البعض الاخر اضطر الى بيع شبابيك غرف دورهم وابوابها .
قبل حرب ايران كانت في بغداد مقاهي ليست على غرار مقاهي باريس وروما ولندن كما يحب ان يدعي نصار النظام المقبور , وانما كانت هناك مقاهي يجتمع فيها المثقفين في المساء , وكان عامة الناس في بغداد يقضون ساعات جميلة في شارع ابو نؤاس ولكن بمرور الزمن اغلقت المقاهي الفكرية ابوابها بعد ان هرب المثقفون خوفا على جلودهم , وجف شارع ابو ناس من حركة الناس بعد ان اصبح رواده يخافون التقرب منه .
نعم ,ظهرت حركة تنموية في البلاد ولكنها قتلت من اجل التحضير لحرب ايران , فلا طريق عام يربط المدن قد تأسس , ولا مستشفى او بناية مدرسة قد بنيت , فيما تصاعدت اسعار السلع والخدمات , حتى وصلت الاعلى في تاريخ الشرق الاوسط . ومن اصبح هذا اليوم يتباكى على مصير الطفولة في العراق , بعد ان كان العراق يزخر بالمؤسسات التي ترعى و تنمي الطفولة , كان عليه ان يكتب عن حال الطفولة في زمن قبل التغيير. المتباكون على طفولة العراق ينسون ان حرب العراق مع ايران خلف ما لا يقل عن نصف مليون ارملة وحوالي مليونين يتيم. نسوا ان في العراق الان 30% او اكثر من جيل الحرب لا يستطيعون القراءة والكتابة . انهم نسوا ان الذين تسرحوا من الجيش العراقي , بقرابة النصف مليون مجند , تسرحوا بدون مكافئة مالية او عمل او حتى قطعة ارض بعد ان قضى بعضهم اكثر من 11 سنة من الخدمة العسكرية المتواصلة .
ان من يتحدث عن الزمن الجميل في العراق قبل التغيير ما هو الا شخص معادي للعملية السياسية في البلاد وتبييض وجه النظام السابق و مزور للحقائق التاريخية . انه يريد ان يسمم عقول شبابنا الذين لم يعيشوا ذلك الزمن المرعب . انه نظام خلف اكثر من 300 مقبرة جماعية , كان لا جرم لضحاياها الا انهم قد رفضوا الظلم والجور واهانة كرامة المواطن سواء كان هذا المواطن سنيا او شيعيا او كرديا. لا يمكن احصاء جرائم النظام البائد بحق العراق لأنها كثيرة وتحتاج الى جهد دولي لجمعها وتدريسها في المدراس والجامعات حتى تكون درسا مهما لرفض الظلم و الديكتاتورية .
ارجوا ان لا يفهم القارئ باني ادافع عن النظام الحالي في العراق , لأنه هو الاخر قد اخفق في تحقيق رغبات المواطن العراقي , ومع ذلك فان النظام الجديد من الممكن اصلاحه مع مرور الزمن , خاصة وان التغيير من نظام عمره 14 قرن الى نظام جديد يختلف معه بكل شيء يحتاج الى وقت طويل . بناء عمارة من 25 طابق قد تحتاج عامين ولكن تغيير راي مواطن قد يحتاج الى عقود .
بالحقيقة , ان الزمن الجميل في العراق هو هذا الزمن ,على الرغم من اخفاقات الحكومات العراقية بعد التغيير . لا ادعي ان بغداد اصبحت باريس او لندن او أبوظبي , ولكن وانت تسير في شوارع بغداد تشاهد سلع وخدمات قد لا تشاهدها في دول اكثر استقرار من العراق , وانت تسير في شارع المتنبي تلاحظ ان الكتاب مازال بخير , واما عن توفر الخبز ومطاعم الاوربية فحدث بلا حرج . فبإمكانك شراء الخبز الاوربي حتى من دربونة الكنجلي في الكاظمية , وتستطيع تناول عشاءك الاوربي او صيني او الياباني او الامريكي في بغداد , بل حتى في مدينة الثورة . حرام عليك البكاء على نظام قتل شعبه باخس الطرق , وتأكد ان الزمن الجميل هو الزمن الذي يحمي ويحترم كرامة المواطن .

حوار مع الكاتبة الفلسطينية د. عدوية السوالمة حول دور الاعلام والسوشيال ميديا وتأثيره على وضع المرأة، اجرت
بانوراما فنية بمناسبة الثامن من اذار - مارس يوم المرأة العالمي من اعمال وتصميم الفنانة نسرين شابا