![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
منى حلمي
2022 / 6 / 2
-----------------------------------
دعانى صديق قديم إلى العشاء . لم أتساءل بأى ثوب أذهب إليه ، وهل أرتب خصلات شعرى ، أم أتركها فى فوضاها المعهودة ، ما فائدة السؤال ؟ . والأثواب كلها دون رؤياك ، باهتة الشكل والقوام . ما فائدة السؤال ؟ . وخصلات شعرى تقفد – وهى غائبة عنك – سحر العنفوان .
دعانى صديق قديم إلى العشاء . لم يحيرنى اختيار المكان أو الزمان . فكل الأمكنة والأزمنة ، التى لا تجمعنى بك سواء .
استقبلنى صديقى القديم بدفء مؤجل سنوات ، وابتسامات ود معطرة الأشواق . أرد الدفء والود فى لا مبالاة . كيف أبالى ، وأنت وحدك الذى يسكن خيالى ، ويهفو على بالى ؟ . يسألنى صديقى عن حياتى ، وأحوالى ، وأخبار صحتى ، ومزاجى .
يطلب مشروباً أحبه ، يقدم لى هدية ، يرسل نظرات الصداقة المتزجة بالإعجاب .
بينما أنا سابحة فى ملكوت أخر ، أسمه " أنت " .
أشعر بالذنب . فالصداقة القديمة ، تحتم أن أهتم ولو قليلاً ، بهذا الرجل الجالس أمامى . أتذكر أننى فى وقت من الأوقات ، كنت معجبة به .
الليلة ، أتأمل ملامحه ، وأستمع إلى كلامه ، فأجدنى محايدة تماماً تجاهه .
كيف تغيرت إلى هذه الدرجة ؟ . كيف وصلت إلى هذا الحياد العاطفى ؟.
لكننى لست مندهشة . منذ عرفتك ، وأحببتك ، وأنا محايدة تجاه كل الرجال ، أنت تملؤنى . بقسوتك ورقتك ، ترضينى ، وتفرحنى . " احتليت " كل خلية فى كيانى ، وامتزجت بدمى .
الرجال كلهم مقارنة بك ، مجرد أشخاص ، يروحون ويجيئون أمامى . هم راكدون و " أنت " نار متأججة .. هم خانعون ، و " أنت " ثورة عارمة .. هم عاديون فى كل شىء ، و" أنت " غير عادى فى كل شىء ، " أنت " جميل الوجه ، وجميل الخطوات ، وهم لا يلفتون النظر ، أو السمع .
نفوسهم منكسرة ، ونفسك أنت تسكن العلياء . لك جسد ذو كبرياء عفيف ، وأجسادهم هم متأكلة لا تعرف الحياء .
فكيف بعد أن عرفتك ، وأحببتك ، يستهوينى أى رجل كان ؟. كيف بعد أن عرفتك ، وأحببتك ، لا يكون الحياد العاطفى هو ، حالى مع كل الرجال ؟.
يسألنى صديقى : " فيم تشردين " ؟ .
قلت : " لا شىء " .
برقة يهمس : " وحشتينى " .
قلت : " أشكرك " .
يسألنى : " ماذا بك ؟ لم أتوقع أن أراكِ هكذا " .
قلت : " أعذرنى .. أنا الليلة منفصلة عن العالم والبشر والأشياء .. "
قال : " معرفتى بك تؤكد أنك مشغولة القلب .. أحكى لى عن الفارس الجديد الذى أخذك من العالم ، والبشر ، والأشياء ، وجعلك تشردين وأنتِ معى ".
فقط هذه اللحظة ، حين سألنى عنك ، بدأ اهتمامى بالجلسة . ظهر البريق فى عيوننى ، انتعش الدم فى عروقى .
فقط حين سألنى عنك ، بدا المكان جميلاً . وأصبح هناك مبرر وجيه للحديث ، والابتسام ، وتناول العشاء .
لست أدرى كم مضى من الوقت ، وأنا أتكلم عنك . قلت كل شىء ، ولم أقل شيئاً . حكيت عن كل شىء ، ولم أحك شيئاً . فأنت ، رجل لا يُقال ، ولا يُحكى عنه . أنت مثل الحياة ، سر كبير ، يظل كامناً بالقلب . أعيشه ، ولست أستطيع الإفصاح عنه .
لست أدرى كم مضى من الوقت ، وأنا وصديقى ، نشرب نخب اشتياقى إليك ، وولعى بك .
قال صديقى : " أول مرة أراكِ بهذا الحب " .
قلت : " و أخر مرة . إنه الرجل الذى لا تمن به الحياة إلا مرة واحدة . إنه عابر السبيل الذى ينزل ضيفاً ليلة على البيت . ويرحل بعد أن يقلب حال الأشياء .. إنه الألم اللذيذ الذى يمنحنى الحق فى الحياة . وهو الظمأ الذى ينتظرنى بعد كل رشفة إرتواء " .
يرمقنى صديقى بنظرات متداخلة المعانى .. يقول : " بداخلى مشاعر متناقضة . أحس بالغيرة . طالما تمنيت أن كون أنا منْ يفجر لديك هذه الأحساسيس . لكننى أيضاً أحس بالشفقة عليك ... حب كهذا يمكن أن يدمرك ".
قلت : " إنه قدرى ، لا أملك الهروب منه ، حب عمرى المؤجل طوال العمر . ليته يدمرنى حتى أهتدى إلى سر وجودى " .
يسألنى : " لماذا هو بالتحديد ، أهى الفرحة بعد أن فاض قلبك بالأحزان ؟ " .
أقول : " مجرد وجوده معى تحت سماء واحدة ، يغمرنى بفرحة غريبة المذاق . هو يفرح عقلى ، ويفرح قلبى ويفرح خيالى . الفرح مع غيره مستحيل . لكن هناك أكثر من الفرح معه . كل شىء عنه ، ومنه ، حكاية أعيشها مثل الأساطير . لست أدرى أين الخيال فيها ، وأين الحقيقة . كل لقاء معه مصير مجهول . إذا شاء يدخلنى إلى النعيم ، وإذا تعكرت مشيئته ، أرسلنى إلى الجحيم . معه أنا لست فى علاقة مع رجل واحد . إنه رجل جديد كل يوم " .
يقاطعنى صديقى : " ولأنك امرأة متجددة كل يوم . يلائمك جداً هذا الرجل " .
أبتسم ، ويأخذنى الشرود إليك .
يتركنى صديقى فى شرودى لحظات ثم يسألنى : " ما اسمه ؟ . ما اسم ذلك الرجل الذى لا تمن به الحياة إلا مرة واحدة ؟ " .
أفيق من شرودى ، وأنظر إلى صديقى .. لكن عيونى لا تلتحم إلا بملامحك أنت .
يكرر السؤال : " ما اسمه ؟ ".
قلت : " اسمه مكون من أجمل الحروف ، مشتق من أنبل الغايات ، لاسمه رنين الموسيقى ورقة الأشعار ، وفضية الماء .. بين كل حرف وآخر ، وهج ، وحكمة ، وشىء من الأسفار " .
يقول صديقى : " ألن تبوحى باسمه ؟ ".
قلت : " ماذا يفيد البوح مع رجل أشبه بالأساطير ؟ ... ماذا يجدى البوح مع رجل يتجدد كل يوم ؟ " .
يصمت صديقى لحظات ، يكاد ينطق بشىء ، لكه يتردد .. يصب لى كأسا أخرى ..
فى صمت أرتشف المشروب .. أقول : " تصور ، هذا المشروب تذوقته لأول مرة معه . جعلنى أحب هذا المشروب الذى أصبح ثالثنا فى أمسيات الوصال " .
يقول صديقى : " لم تتخيلى أن تشربيه مع رجل آخر .. أليس كذلك ؟ " .
قلت : " أحس أنه مشروب مختلف " .
يقول : " معكِ حق .. مذاق الصداقة غير مذاق العشق " .
قلت : " صحيح .. لكننى لست فقط فى حالة عشق .. تصور أن كل شىء أمارسه معه له طعم مختلف ، الهواء الذى أتنفسه معه ، ليس هو الهواء . والماء فى حضوره ليس كالماء . لا الأشكال هى الأشكال ، حين أكون معه ، ولا الألوان هى الألوان . حين تلمسنى يداه ، تهجر الأرض مدارها ، وعن الأنظار تُحجب السماء " .
يهمس صديقى : " أحسدك وأخاف عليكِ من هذا الطوفان " .
تسحبنى تنهيدة عميقة ، أقول هامسة : " هو الطوفان الذى ينقذنى ، وهو الفناء الذى يبعثنى من جديد " .
تركت صديقى القديم، وأسرعت إلى بيتى ، لأختلى وحدى بذكراك .
الليلة ، كم أنا فى حاجة إلى صحبتك . كم أحن إليك ، وأتمنى لو ينتهى الليل وأنا بين يديك .
أخرج للسهر والعشاء مع غيرك ، فإذا المساء كله كان معك . أريد أن أحكى لك عن هذا الموقف الغريب .
لابد أن تعرف ، أنك ألغيت كل الرجال فى نظرى . أنت مَنْ أحمله ، على إمتداد قامتى ، وأنت مَنْ أشتهيه .
يرن الهاتف ..
يفاجئنى صوتك الدافىء فى لهفة متسائلاً : " أين أنتِ ؟ حاولت الأتصال بكِ أكثر من مرة " .. تهزنى المفاجأة ، والفرحة .. أقول : " دعانى صديق قديم إلى العشاء " .
قال : " يا لها من مصادفة .. أنا الأخر سهرت الليلة مع صديقة قديمة عادت من السفر .. تصورى ، قضيت الوقت كله أكلمها عنكِ دون أن أقصد ..... كنت أشرب معك أنتِ ، وأتناول الطعام معك أنتِ .. تعجلت انتهاء السهرة لأكلمك .. " .
أقاطعه : " أريد أن أراك .. لابد أن نلتقى الليلة .. أنا قادمة إليك ".
بمزيج من الدهشة والترقب يسألنى : " أحقاً ستأتين ؟ . أنا فى انتظارك " .
لم أشعر بنفسى ، إلا وأنا أقود سيارتى ، فى الطريق إليه .. يا كل العمر المؤجل من الفرح ، الليلة أزف إلى عينيه .
ما أحلى أن بنتهى الأجل الليلة .
حوار مع المفكر اليساري عدنان الصباح حول دور واوضاع اليسار في المنطقة العربية عموما وفلسطين بشكل خاص | د. اشراقة مصطفى حامد الكاتبة والناشطة السودانية في حوار حول المراة في المهجر والاوضاع في السودان |
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |