|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
هاني الروسان
2022 / 3 / 24
رغم كل هذا الضجيج الاعلامي حول فشل روسيا والقول باستحالة تحقيق اهدافها وتضييق الخناق عليها وعزلها وانهاكها لدفعها نحو الاعتراف بهذا الفشل بل وبخلق امكانية للانقلاب على بوتين واستبدال القيادة الروسية الحالية بقيادة اخرى اكثر اتساقا واستراتيجية الولايات المتحدة لتأبيد انفرادها بقيادة النظام الدولي للمائة عام القادمة فان ذلك لا يخفي ما يمكن ملاحظته حول ان هذا الصمود الاوكراني الكبير ليس على المستوى العسكري فقط بل والاهم على مستوى بنية الدفاع المدني والدبلوماسي يؤكد على الاستعداد الاوكراني المسبق لمثل هذه الحرب ولحرب اكبر واوسع نطاقا.
والالحاح الروسي على ان الولايات المتحدة كانت تعد اوكرانيا لادوار اشد خطورة على الامن الاستراتيجي الروسي لا يجانب الصواب ان لم يكن حقيقة قاطعة يعكسها ذهاب زيلينسكي نحو الاقصى في المواجهة على امل تحرك امريكي ما يعيد رسم المشهد بما يحقق له مكانة محددة.
كذلك وعلى الجانب الاخر فان اصرار موسكو على ان ما قامت به هو نوع من العمل الاستباقي الذي فجر القنبلة الامريكية الموقوتة في اوكرانيا قبل استكمال انتاجها، يُقبل الاخذ به لفتح حوار احتمالي النتائج لما قد تذهب صوبه الخلاصات النهائية لهذه المواجهة والتي لن تكون بكل الاحوال كما ارادتها ادارة بايدن التي على ما يبدو انها بدأت تتلمس مقدماتها.
وهذا بالذات هو ما يفسر هذا النزق الامريكي المتصاعد والعشوائية الدبلوماسية الى جانب العربدة العقابية والاصرار على هزيمة روسيا باي ثمن او على الاقل تدفيعها الثمن الاعلى جراء ما قامت به من افشال لاستراتيجية هيمنة امريكية شاملة.
صحيح ان الولايات المتحدة تبدو وكأنها في الموقف الاقوى وانها قد نجحت في: اما تحشيد العالم خلفها او تحييد بعضه وان روسيا اليوم شبه معزولة، ولكن استمرار الصمود الروسي واتقان ممارسة استراتيحية الصبر في مواجهة هذا القصف العشوائي بسلسلة العقوبات الاقتصادية وعدم الانزلاق والسقوط بردود الفعل من شأنه فتح ثغرات هامة في جدار التحالف الدولي الذي تفرضه الولايات المتحدة على العالم بمختلف الوسائل.
فمما لا شك فيه ان اوروبا تعي بما لا يدع مجالا للظن مدى تهافت الحتمية الامريكية بالمواجهة بين روسيا والقارة الاوروبية وان مقاربة انجيلا ميركل باحتواء النفوذ الروسي من خلال بناء شراكات اقتصادية يمكن ان تكون بديلا عن مثل هذه الحتمية.
ولان الولايات المتحدة تدرك الخطر الاستراتيجي لمقاربة ميركل هذه التي ستقلص على المدى البعيد وتدريجيا النفوذ الامريكي الحالي وتدفع به الى ما وراء المحيطات، كما تدرك جيدا فداحة هذا الخطر عندما يقترن بالثقل الصيني فانها عملت وستعمل بكل الوسائل على اسقاط هذه المقاربة، ويغريها ذلك اكثر عندما تكون اوروبا هي وقود هذه الحرب على الرغم من معرفة هذه الاخيرة بذلك.
والارجح ان قمة قصر فرساي في باريس وان بدت انها تأتي في السياق الاوكراني وتطوراته الا انها في الحقيقة تعكس هذا الوعي بالاهداف الامريكية من ناحية وتأتي من ناحية اخرى احياء للفكر الاستقلالي الاوروبي الذي بدأ في المانيا وفرنسيا خجولا واستمر كذلك رغم توجه الولايات المتحدة نحو تشكيل تحالف أمني استراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادي اوكوس
يضم كلا من الولايات المتّحدة وبريطانيا وأستراليا.
صحيح ان ما صدر عن هذه القمة جاء في الاطار المتوقع من حيث غلبة اللون الاوكراني عليه غير انه في الجوهر اخذ سياقا استقلاليا لتجنيب اوروبا مستقبلا ان تكون عصى امريكية في مواجهة اي من روسيا او الصين، وهذا ما يعزز الاعتقاد بان الصمود والاصرار الروسيين في المضي قدما في هذه المعركة واطالة امدها سيعجل بفتح هذه الثغرة في جدار التحالف الدولي خاصة وان واشنطن التي تذهب اليوم الى كاراكاس تستجدي نيكولاس مادورو عدوها اللدود للانظمام اليها يعكس مدى خوفها من الارتدادات السلبية لهذه الحرب الاقتصادية عليها وعلى حلفائها ان طالت اكثر لان ذلك قد يمهد لوضع اسس لنظام دولي تعددي يفقدها الهيمنة عليه التي استمرت لنحو ربع قرن.
فالولايات المتحدة، تخوض اليوم معركة مصيرية أمام بداية أفول نجمها كأقوى إمبراطورية في القرن الماضي والربع الأول من القرن الواحد والعشرين الذي بدأ مع سلسلة الانسحابات التي انطلقت مع ولاية دونالد ترامب، في مواجهة صعود سريع للصين، الذي تجاوز ناتجها الداخلي الإجمالي المعادل للقدرة الشرائية نظيره الأمريكي. بالاضافة الى مواجهة نجاحات استراتيجية انتشال الدولة الروسية واعادة وضعها في مدارها الدولي التي بدأها بوتين منذ اكثر من 20 عاما.
تدرك موسكو جيدا ان الاستراتيحية الامريكية لوقف تدهور المكانة من ناحية ولابقاء انفرادها بقيادة النظام الدولي من ناحية اخرى يتطلب منها الاستغلال الاقصى لقوتها الضاربة وخاصة الاقتصادية وحتى العسكرية في تفتيت انوية القوة المستقبلية في روسيا والصين واوروبا للتوقيع على شهادة ميلاد لنظام دولي لا تنافسي.
كذلك هذا ما تدركه اوروبا وخاصة في فرنسا والمانيا اللتان تتصدرا اعلاء الصوت الاستقلالي الذي عكسته نتائج فرساي وتتحفظان في نفس الوقت على المضي في تصعيد الاجراءات العقابية ضد موسكو والذي من شأنه ان يصبح اكثر وضوحا فيما لو طالت الحرب اكثروصمدت روسيا وحققت مزيدا من المكاسب على الارض.
ولذا فان كان ما يعاب على بوتين انه توقع ان تكون الحرب خاطفة لتحقيق كل اهدافه فان نفس العيب يجلل اليوم بايدن الذي اعتقد ان حربه الاقتصادية ستكون ايضا خاطفة لدفع روسيا للتسليم بالامر الواقع واعلان امريكا قوة بلا منافسين ولكن على ما يبدو فان الفخ الاوكراني لم يخرج عن نطاق اخطاء حسابات الحقل والبيدر.
هاني الروسان/ استاذ الاعلازم والاتصال
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |