|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
نعمت شريف
2022 / 3 / 6
بقلم: نعمت شريف
تعتبر اللغة الجزء الاهم من هوية الافراد والمجتمعات والمعرف الاهم لذلك. وبزوال اللغة يفقد المجتمع هويته بما في ذلك من التاريخ والتراث والفولكلور ولذلك يجب على اي شعب يريد البقاء حيا بتاريخه وتراثه وحضارته فلا بد ان يولي جل اهتمامه بلغته وتطويرها لمواكبة الشعوب الحية في كل عصر وزمان. ويجب ان نبدأ بالاطفال في سن مبكرة وتعليمهم في المدارس اذا كنا نريد البقاء للغتنا وشخصيتنا الوطنية والقومية.
يعمل اصحاب المصالح الاجنبية والمحلية للاغلبية على الاقليات في المجتعمعات المتعددة القوميات، يعمل دائما على بسط هيمنتها الثقافية والفكرية ليتسنى لهم جني الفوائد الاقتصادية والسياسية من الشعوب التي تحت هيمنتهم وهناك العديد من الادلة على ذلك من تواريخ هيمنة الدول وابتلاء الاقليات والشعوب المستعمرة ولا يسعنا سرد الامثلة لضيق المجال هنا.
يعتبرالشبك ومنذ قديم الزمان من المجموعات البشرية التي سكنت سهل نينوى ولغتهم من اللهجات الكردية العريقة وتنتمي الى اللغات الايرانية (الفرع الشمالي الغربي) من عائلة اللغات الهندواوروبية. ولا شك ان لهجات الشبك والباجلان واللك والزازا (الدملي) كلها لهجات جلبتها العشائر الكردية الناطقة بها في هجرتها من شمال وشمال شرق بحر قزوين واستوطنت المناطق الممتدة عبر الحدود الدولية بين تركيا والعراق وايران والعراق المعروفة بكردستان الكبرى. وكما اسلفنا في مقال آخر ان اسم الشبك واصلهم ليس كما ذكرها الكتاب العرب والاجانب، وذلك ناتج من عدم معرفتهم بالشبك وعدم تحملهم عناء البحث والتنقيب. ولكن الاسماء لم تأت من فراغ. وكباقي القبائل الكردية المهاجرة الاخرى لا يزال اسم الشبك يظهر في مناطق سكانية في افغانستان، وايران وتركيا والذين نحن بصددهم الان هم الشبك في العراق.فعلى سبيل المثال، يظهر اسم الشبك في المناطق التي يسكنها الزازا (الظاظا) كردستان الشمالية (تركيا) على الاقل مرتين.
يقول الاستاذ الدكتورعزتي في كتابه ((الكرد: المرجع الموجز"(1)، ان لهجة الشبك (احد فروع لهجة الزازا) كانت منتشرة وكانت لغة الاغلبية في مناطق الزازا في الشمال والتي تمتد جنوبا الى اطراف الموصل والى الحدود الايرانية وما بعدها شرقا. ولكن التمدد السكاني للناطقين بالكرمانجية الذين كانوا يقطنون في اعالي الجبال والذين بدأوا بتوسيع رقعتهم الجغرافية بمرور الزمن حتى انفصل الشبك والهورامان والزازا عن بعضهم . في هذه الفترات الزمنية بالذات بدأ الانحسارالتدريجي وبدأت الفوارق اللغوية تدب تدريجيا في اللهجات الفرعية. ويذكرالاستاذ في جامعة دهوك المؤرخ الكردي عبدالفتاح على بوتاني(2) ان اول مدرسة كردية في المنطقة كان قد اسسها الاحتلال البريطاني عام 1919 في قرية كوكجلي، وهل من العقل والمنطق ان تكون كردية بغير لهجة الشبك في كوكجلي! اما الدكتور شاكر خصباك فقد ذكر ان الشبكية كانت لغة ادبية رفيعة في البلاط الباباني.(3) واما المؤرخ العلامة الكردي محمد امين زكي فيصف الشبك بقوله "توجد في لواء الموصل طائفة اخرى تذكر باسماء (سارلي) و(باجوران) و(شاباك). فهذه الطائفة ايضا باقسامها الثلاثة كردية بحتة. ويؤيد هذا ايضا تقرير لجنة عصبة الامم حيث ينص في ص 60 "ان لغة هذه الطائفة ايضا كردية"))(4).
منذ تقسيم كوردستان والحاق اجزائها باربع دول في المنطقة يتعرض الشعب الكوردي ولغته وتراثه الانساني وتاريخه لحملات منتظمة لمسخ هويته الوطنية والقومية ولا يقل الشبك تعرضا لهذه الحملات من بقية ابناء الشعب الكردي. لقد استطاع الشبك الاحتفاظ بلغتهم وعاداتهم وتقاليدهم رغم طغيان اللغة والثقافة العربيتين فهم يمثلون في مناطق سكناهم الحد الفاصل بين العرب جنوبا وغربا والكرد في شمالهم. اعتقد انه لولا تماسك المجتمع الشبكي وتمسكهم بلغتهم لكانوا لايذكر لهم اسم بعد اكثر من مائة عام من ممارسة الضغوط بانواعها لصهرهم في المجتمعات المجاورة وآخرها كانت حملات التعريب والتهجير القسري في ثمانينات القرن الماضي. كما اتذكر جيدا القلق الذي خيم على القرى الشبكية في فترة حكم البعث الاولى عام 1963 عندما علموا بخطة البعث لترحيل الشبك جميعا بحجة التبعية الايرانية، ولم يتنفسوا الصعداء الا بعد الانقلاب الذى انهى حكم البعث. (4)
وفي العقدين الاخيرين وخاصة بعد ازاحة النظام البعثي المقبور عن دفة السلطة بدأت ثورة ثقافية واعلامية لم يسبق لها مثيل في كردستان الجنوبية (العراق) لسببين رئيسيين اولهما انفتاح الاجواء السياسية وثانيهما العولمة عن طريق انتشار التكنلوجيا والانترنت وتساهم هذه الثورة الثقافية في نشر الوعي القومي والوطني كجزء من العملية الديموقراطية في المجتمع، كما وتلقي بانوارها على اجزاء كردستان المجاورة ومجتمعات الاقليات اللهجوية في مناطق مختلفة من كردستان برمتها ومن ضمنهم الشبك. ورغم تلك الثورة الثقافية والاعلامية، نجد الشبك اليوم في العربة الاخيرة من القطار المسرع لمواكبة العصر. نحن مشبعون لحد التخمة باللغة والثقافة العربيتين بالدرجة الاولى، ولاضيرفي ذلك، ولكن لا بد من ان نعطي لغة وثقافة وتاريخ الشبك الاهتمام الكافي للنهوض بهم وهم مشبعون بالعلم، وافكار السلم والتسامح والتعايش السلمي مع جيراننا بدون استثناء. ان مهمة النهوض بالمنطقة وتقديم الخدمات مسؤولية الجميع للحاق بالشعوب التي سبقتنا في هذا المجال.
هزت حملات التهجيرالقسري للشبك في ثمانينات القرن الماضي، وظهور داعش فى 2014 على مسرح الاحداث وهجرتهم الجماعية الضمير الشبكي، ودفعتهم للتحرك السياسي والعسكري لحماية مناطقهم والنهوض بها. ولكن لتثبيت دعائم هذه المكتسبات التي جاءت استجابة لمتطلبات المرحلة، لتثبيتها في المجتمع الشبكي وتجذيرها في قلوب الشبك على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم واتجاهاتهم السياسية والاثنية لابد من التوعية الدائمة والمستمرة عن هويتهم الشبكية، وفي راينا لا يأتي ذلك الا بتعليم لغتهم والعمل على احياء تراثهم وثقافتهم والاعتزاز بها ومواجهة عمليات المسخ المنظمة للهوية الشبكية عن طريق:
1. اضافة درس لتعليم الشبكية سواءا بشكل رسمي اوغير رسمي بدءا بالمرحلة الابتدائية والى نهاية المرحلة الثانوية. وفتح دورات تعليم اللغة للصغار والكبار في المدراس، والجوامع والحسينيات ايام العطل على مدار السنة.
2. احياء المناسبات الاجتماعية والتراثية والدينية باللغة الام كي يفهمها الجميع ويستوعبها كاملا، وخاصة في مجال الموسيقى والغناء والمسرح والتصوير الوثائقي للاحداث وغيرها من النشاطات الاجتماعية.
3. الاهتمام بتعليم الاناث وتثقيفهن وفتح المجال امام الراغبين في التعليم والتعلم وفي جميع فروع المعرفة والتخصصات، وبضمنها السياسية، لسد النقص الواضح في الكوادر النسائية في جميع المجالات وخاصة السياسية والادارية منها. اذا قدر لنا ان نلحق بركب العصر فلا بد ان نكسر الطوق الذكوري المتزمت من على نصف المجتمع. لا علاقة لهذا بالدين والاخلاق فالتربية الدينية والاخلاقية تبدأ من البيت. وخير ما قيل في هذا الصدد ما قاله الشاعر حافظ ابراهيم:
من لي بتربيـة البنـات فإنهـا ** في الشرق علة ذلـك الإخفـاق
الأم مـدرسـة إذا أعـددتـهـا ** أعددت شعبـا طيـب الأعـراق
4. وفي مجال الاعلام لا بد ان نذكر بان الشبك كاقلية لغوية حتى في محيطهم الكردي، وتعايشهم مع اقليات اخرى كالمسيحيين والتركمان وآخرون، نرى لزاما ان يكون للشبك وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ولكل منها دورها الخاص، ولا ضير في ان يكون البث في البداية مجرد برامج تثقيفية وترفيهية بالاشتراك مع الاخرين. ومن المحتمل ان يواجه مشروعا كهذا مصاعب من حيث توفير الكوادر المحترفة والتمويل. ولكن كما يقول المثل "اذا توفرت الارادة فلا بد ان يكون هناك حل".
5. الانترنيت واستخدام تقنيات العولمة ضرورية وسهلة التمويل وبعضها مجانية كالاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لتسجيل وتوزيع المحاضرات والدروس التعليمية، وبشكل خاص في مجال الموسيقى والغناء واحياء التراث الشبكي. ولكن الاهم في هذا المجال هو توفير اجهزة الكمبيوتر والاشتراكات لتوصيل الانترنت الى كل بيت. ربما يظن البعض ان هذا مشروع طموح، ولكنه قابل للتنفيذ.
اذا اردنا النهوض بالمجتمع فلا بد من التكاتف والتعاون وتوظيف رؤوس الاموال الشبكية في المنطقة وربما تسهيل استثمارات صغيرة. ولكن كما ذكرنا رفع الوعي المجتمعي والاهتمام باللغة يأتيان على رأس القائمة.
الملاحظات والمصادر:
(1) Mehrdad Izadi, The Kurds: A Concise Handbook,
(2) عبد الفتاح بوتاني، فصل الشبك عن الكرد لاغراض سياسية يخالف الواقع والتاريخ، 23 نوفمبر (؟)
http://www.hekar.net/modules.php?name=News&file=--print--&sid=1548
(3) د.شاكر خصباك، الاكراد ـ دراسة جغرافية اثنوغرافية ـ بغداد 1973
(4) محمد امين زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، ترجمة محمد علي عوني، (1931 م) ص28
(5) ومما يؤسف له، ان البعث بعد مجيئه للحكم للمرة الثانية وبنفس العذر القبيح صب جام غضبه على الفيليين الابرياء لكثرة عددهم من جهة وتواجد الكثيرين منهم في مواقع مهمة من السلطة ودورهم الاكبر في اقتصاد المجتمع.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |