![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
منى حلمي
2022 / 2 / 13
ل الطاعة تستحق الضرب
-------------------------------------------------------
اندهشت كثيرا وأنا أتابع الحديث الدائر حاليا ، بين عدة أطراف ، حول اباحة الاسلام ، لضرب المرأة الزوجة ، والذى يهدأ فترة ، ثم يعود ويشتعل مرة أخرى .
وهذه الدهشة بالمناسبة ، تصاحبنى دائما ، عند متابعة الآراء المتعلقة بجميع قضايا المرأة التى تخصها قلبا وقالبا ، منذ أن تولد وحتى تزف الى القبر ، منذ أن تستيقظ فى الصباح ، وحتى تنام فى المساء ، هذا اذا عرفت تنام أصلا من المناخ الذى يحاصرها .
سبب الدهشة ، هو أن أغلب الآراء فى قضايا المرأة ، سواء تأتى من أطراف دينية ،
أو أطراف مدنية ، من رجالأ ومن نساء ، من مؤسسات رسمية حكومية ، أو من مؤسسات
مستقلة ، محلية أو عالمية ، مراكز بحثية ، وجمعيات نسائية وحقوق الانسان ، نواب ونائبات فى البرلمان ، اعلاميين واعلاميات فى الأرض والفضائيات ، من أشخاص فى مناصب
مرموقة ، أو أشخاص على المقاهى ، كُتاب وكاتبات ، كلها تتسم بقواسم مشتركة هى :
" التناقض " ، " التجزأ " ، " الترقيع " ، " ركوب الموجة " ، " تحقيق منافع " ،
الى آخر الأغراض الفاسدة ، التى لا تحل شيئا من جذوره ، ولا تصل الى الآسباب الحقيقية
وراء القضايا المثارة ، ولا تلمس من قريب أو من بعيد أصل الداء .
منْ تقبل بالطاعة تستحق
وهذا هو السبب أننا بالنسبة الى قضايا المرأة ، نتحرك خطوة مرتعشة جزئية غير كاملة ، ثم لا نلبث سريعا أن نتراجع عشرات الخطوات الى الخلف . وبين كل فترة وأخرى ، يدور الحديث نفسه ، عن الأمر ذاته ، يأخذ نصيبه المعتاد من الصخب ، والفوضى ، وتبادل الاتهامات ، ثم ينطفئ كل شئ ، ونحن فى نفطة الصفر .
ويبدو أن هذه الطريقة فى التفكير ، مغروزة فى ثقافتنا الموروثة ، ونحن نتعامل مع المشكلات والأزمات فى أى مجال . لكن الملاحظ ، أنها فى قضايا المرأة ، تصبح أكثر
وضوحا ، واصرارا على عدم التغير .
والسؤال ، لماذا .. لماذا مع ما يخص المرأة ، نجد هذا الموقف المتكرر ، سواء فى قضية اباحة ضرب الزوجات ، أو غيرها ؟؟.
السبب هو أن " المرأة " فى ثقافتنا العربية الاسلامية ، وفى الموروثات التى ندرسها ، ونقرأها ، وفى مقررات التعليم ، وفى اسلوب تربية الأسرة الأبوية ، وفى مفاهيم الشرف ،
وبنود قوانين الأحوال الشخصية ، والمواد الاعلامية ، واللغة الذكورية التى نتحدث ونكتب بها ، هى " كائن " غير مستقل بذاته ، ليس حرا بالفطرة ، ليس كاملا فى العقل والتمييز والأهلية ، دوافعه شيطانية ، انتقامه بشع وكيده مرعب .. " كائن " نجس مصافحته تنقض الوضوء ، اسم المرأة عار ، جسم المرأة من أول شَعرها حتى أظافر قدميها عورة ، حركتها
فضيحة ، مشكوك فى نواياها وتصرفاتها ... المرأة ليست مخلوقا فى ذاتها ولذاتها ، لكنها مخلوقة من ضلع ذكورى أعوج ، لامتاع الرجل بالنكاح الحاضر دائما ، وبالخدمة ، وطاعته دون نقاش .
والنتيجة هى المعلوم من الدين ومن الثقافة بالضرورة ، أن " الوصاية " على النساء ،
واجبة ، قبل أن يتحركن لابد من أخذ رخصة من الذكور ، الذين يحرسون موروثات الدين والثقافة والفضيلة .
أما الهدف ، فهو كما يرسخه ويقننه ويشرعنه ، المجتمع الصحراوى البدوى منذ 1400 عاما ، هو احكام الحصار والهيمنة الذكورية على المرأة . فهى " الفريسة " التى لابد من ابقائها داخل المصيدة ، و" الشيطانة " التى يجب تغطيتها ، وتأديبها ، واصلاح اعوجاجها ،
والقوامة عليها ، لنحمى الذكور من الغرائز المثارة بفعل المرأة ، ونحمى الأسرة من الفساد المغروز فى عقل وقلب المرأة ، ونحمى أيضا المرأة من شرور نفسها ، ونقص دينها ، وأخلاقها .
والتناقضات التى تسد عين الشمس ، فى هذه الموروثات البدوية الصحراوية ، هو كيف توصف المرأة ، بأنها "الكائن الأضعف " ، ورغم ذلك فهى " القادرة " بمجرد اظهار خصلات من شِعرها ، وان كانت طفلة ، أن " تعفرت " غرائز وشهوات الرجال ( الكائن الأقوى ) ، تنسيهم تعاليم دينهم ، وتدفعهم بسهولة متجاهلين معصية الله وغضبه .
كيف تكون المرأة هى " الكائن الأضعف " ، الشيطانى ، المدنس ، المشبوه ، ثم نعهد لها بالمسئولية عن " شرف الذكور " ، و " عرض الذكور " ، سواء قبل الزواج ، من الأب والأخ والعم والخال ، أو بعد الزواج من الزوج ، والذين يتباهون بالقتل والذبح ، لاستعادة
لشرفهم وعرضهم ، اذا ظهر فى المشهد " ذكر" آخر ؟؟. حتى القانون يعطى حكما مخففا ، للزوج الذى قتل زوجته الزانية على فراش الزوجة ، هى وعشيقها ، لأن " شرفه " الموجود " حصريا " فى جسد زوجته ، تمرمط فى الطين ، و" عرضه " مدفوع الأجر المهر والشبكة والعفش وباقى المصاريف ، قد استهزئ به ، على سريره الشرعى .
وكيف تكون المرأة هذا الكائن المشكوك فى شهادته أمام المحاكم ، وحسن تمييزه للأمور ،
تعطى أذنيها دون مقاومة ، لتحريض ابليس على الرذيلة ( المحصورة فقط فى النصف السفل من جسدها ) ، هى " المسئولة " عن تربية الأطفال ، وتحديد نوعية رجال ونساء الدولة فى المستقبل ؟؟. المهمة التى لا نتوقف عن تمجيدها ، وتبجيلها ، وتقديسها ، ومن أجلها تترك المرأة تعليمها وعملها ، اذا تعلمت وعملت ؟؟.
ثم كيف يكون الرجل هو الأقوى ، عقليا ، ونفسيا ، مكتمل الأهلية ، يحسن التمييز ، قادرر على ضبط انفعالاته ، وهو " يرمى يمين الطلاق " فى لحظة غضب أهوج، بشكل شفوى ، على زوجته وأم عياله ، لأنها تأخرت فى تحضير الغذاء ، أو جريت لرؤية أمها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ، أو ليس لها مزاج للنكاح ، أو بادلته الحجة بالحجة ، أو اكتشفت تحرشاته ، وخيانته ، وتعاطيه للممنوعات ، ونكاحاته فى بيت دعارة ، وكسب المال من أعمال ضد القانون ؟؟.
بكل بساطة ، المرأة تخوض حروبا على جميع المستويات ، منذ الميلاد وحتى الموت.
حرب ضروس ، لا تسمح لها بأن تكون " مواطنة " تملك نفسها ، وليست فى " فى عهدة "
ذكر ، أو " على ذمة زوج " ، أو " فى كنف ِمحرم " . وأغلب الفقهاء الذين يقدسهم المسلمون والمسلمات ، أسسوا لهذه الحرب ، وخططوا لها قوانينها ومناهجها ومعاركها ، وأسلحتها .
حرب كل شئ فيها ، مثل أى حرب ، مباح . حرب تأبى الا أن ينتصر " الذكور " ، لأنهم " خلفاء الله فى الأرض " .
الملفت للنظر والدهشة ، أن هذه الحرب التى تشحذ كل الأسلحة المعنوية ، والجسدية ، الممكنة وغير الممكنة ، المتجددة على مدى الأزمنة ، لابقاء المرأة داخل القفص الذكورى ، متاعا مطيعا للوطئ ، غير متكافئة على الاطلاق .
وهذا تناقض آخر ، لا يناقش ، كيف المرأة هى " الأضعف " ، ولكنها فعليا ، فى العرف والثقافة والموروثات الدينية ، هى " المحاصرة " بجميع الأسلحة ؟؟.
الانسان الضعيف ، لا يحتاج الى كل هذا الكم من الأغلال والقيود ، والفرض والاجبار ، واتجمع الحشود الغاضبة ، ليبقى تحت السيطرة . هكذا يقول المنطق السوى .
بداخلى قناعة ، أن هناك خوفا هائلا من الذكور ، اذا تركوا المرأة حرة ، تملك نفسها ، وقراراتها ، واختياراتها ، وعقيدتها ، وأخلاقها ، وتحدد مصيرها من الألف حتى الياء، كما يفعل الرجال . ويكون لها الحقوق نفسها كاملة على جميع المستويات ، مثل
الرجل .
لست أندهش من المرأة التى تدافع عن دونيتها ، وتحقيرها ، ولا تجد غضاضة فى أن يضربها الزوج ، وينفق عليها ، ويجبرها على الطاعة العمياء ، وتتلذذ فى ترسيخ عبوديتها فى القرن الواحد والعشرين . هذه هى سيكولوجية المقهور ، الذى لا حول له ولا قوة ، ولا حياة له ، ولا أمان ، الا باستدماج ثقافة وتصرفات القاهر .
أن تنفق المرأة على نفسها ، ولا تحتاج الرجل لكى تعيش حياة آمنة اقتصاديا ، وأن تلفظ كلمة " معولة من الزوج " ، هى أول خطوة فى أن تنتصر المرأة ، فى الحرب الشنعاء المعلنة ضدها سلفا قبل أن تولد .
وهذا لن يتم الا بثورة ثقافية عامة ، تشهدها البلاد ، كمشروع قومى يوحد الناس ، وتتبناه
جميع أجهزة الدولة المدنية المستنيرة ، التى تم تطهيرها وبنائها الثورة السياسية فى 30 يونيو 2013 . أغلبنا يدرك أن الكثير من أجهزة ومؤسسات الدولة ، مازالت اخوانية وهابية سلفية ، وترسخ ذلك ، بغسل العقول عن طريق الاعلام الدينى ، و" بيزنس " الشيوخ ،
والدعاة الاسلاميين ، ومطلقى الاشاعات البغيضة ضد مصر ، جنود الدولة الدينية الذكورية .
الثورة الثقافية هى الحل . هى التى ستخلق امرأة ، ترفض أن يمد ذكر يده عليها ، حتى لو كان هو الذى يوفر اللقمة والهدمة وينفق على الأسرة . وأنا أعرف نساء كثيرات " على باب الله " كما يقولون ، ولا تملك شهادات ولا مهنة ، لكنها تدرك بالحس الفطرى للكرامة الانسانية ، أنها لا يجب " أن تُضرب ". والعكس صحيح . هناك نساء مرموقات العلم والثقافة والمناصب ، لكنهن " يُضربن " من أزواجهن الذين هم أقل منهن علما وثقافة ومنصبا .
الثورة الثقافية هى التى ستخلق رجلا ، لا يقبل أن يمد يده على امرأة ، زوجته كانت أو أخته أو ابنته أو امه ، ولا يقبل أن يكون للرجال ، حقوق مواطنة كاملة ، بينما النساء مغروزات فى القهر والتفرقة والازدواجيات الأخلاقية .
لى مطلب بشأن مناقشة قضايا المرأة . عندما يثار موضوع يخص النساء ، مثل ضرب الزوجات ، نجد الجميع ، يدلى بدلوه ، الا النساء أنفسهن . كيف ذلك ، وهن اللائى يُضرين ، وتتم اهانتهن ، والحرب تخاض ضد انسانيتهن الكاملة ، وضد شعورهن بالمواطنة الشاملة العادلة ؟؟.
نحن فى القرن الواحد والعشرين ، ومازلنا نعتبر جنس النساء ، " تحت خط الانسانية " . كل ما يخص " أنسنة المرأة " ، ومعاملتها على أنها " مواطنة " درجة أولى،
نحيله الى النقاش فى الاعلام والقضاء والبرلمان والأزهر . هذه اهانة علنية لا تستحى . ما معنى أن نخضع " ضرب الزوجة " للنقاش والجدل واصدار فتاوى ؟؟. لا أعتقد أننا سنطلب
فتاوى ونقاشا وجدلا ، لو كنا نطرح قضية " ضرب الحيوان " . ان أنثى الحيوان ، تتجول فى الغابة ، كما يحلو لها ، ولا تأخذ اذنا من " الذكر " . لكن أنثى الانسان ، " المراة " ، أول واجباتها المقدسة هو طاعى الذكر وعدم التحرك الا باذنه وموافقته . وهى تعتبر " ناشزا " ، اذا لم تطع ، وتحصل على الاذن والتصريح المختوم بمباركة الزوج ، وهو اذن مشروط بوقت محدد ، ويوم محدد ، يقرره الزوج . واذا أصبحت " ناشزا " ، وجب تطبيق كل عقوبات النشوز ، بأريحية كاملة ، واطمئنان أن شرع الله بخير ، لم يفرط فيه .
أما الرجل الناشز ، لا تضربه المرأة ، ولا تعاقبه . ما هذا التمييز الكريه الذى تحمله الأجيال عبر الأزمنة ؟؟.
وأخيرا وليس لآآخرا ، أقول بديهية من البديهيات الغائبة ، المنسية عن جهل أو عن عمد ، الحر من الرجال ، لا يُضرب . الحرة من النساء ، لا تُضرب . وفى الأسر العادلة السوية ، التى تخلصت من الارث الذكورى الموروث ، الأطفال لا يُضربون ، اناث وذكور.
يقولون أن الاسلام لا يقبل بضرب انسان انسانا . وهذا صحيح ، لأن المرأة فى الموروث الدينى ، ليست " انسانة " . هى " تابعة " ، " مطيعة " ، للزوج الذكر ، المعقد من المناقشة المنطقية ، ويحمل رجولته وفحولته على رأسه ، مثل بطحة لا تحتمل المساس بها .
الجوارى والعبيد يضربون من " المالك " الذى اشتراهم بالمال . هم ليسوا بشرا ، فالبشر غير قابلين للبيع والشراء . والزوجة تضرب من " الزوج " الذى امتلكها أيضا بالمال ، واشتراها بالمهر فى سوق الزواج ، متسلحين ومتنمرين ، بشروط الذكور وسلطاتهم المطلقة فى الزواج والظلاق والخيانة ، والمعروف الذى يفعله ، " ليستر الأمر فى بيت العدل ".
" مراتى وأنا حر فيها " .. " الست بتاعتى " ، هذه مقولات شائعة وسائدة ، والناس يؤمنون بها ، بل ويقدسونها .
الجذر الأصلى ألا وهو فرض " الطاعة " ، على النساء وعلى الزوجات ، واعتبارهن ناقصات ، وجبت عليهن الوصاية والرقابة والاقصاء واللاصلاح والتأديب والتهذيب . والا ضاعت الأسرة ، وتأربف الزوج ، وتشرد الأطفال ، وفسد المجتمع ، واندثرت الفضيلة.
-----------------------------------------------------------------------------------------
حوار مع المفكر اليساري عدنان الصباح حول دور واوضاع اليسار في المنطقة العربية عموما وفلسطين بشكل خاص | د. اشراقة مصطفى حامد الكاتبة والناشطة السودانية في حوار حول المراة في المهجر والاوضاع في السودان |