|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
قحطان الفرج الله
2021 / 12 / 27
صدر حديثًا عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد كتاب الدكتورة لاهاي عبد الحسين (من الأدب إلى العلم ...دراسة في علم اجتماع القصة والرواية العراقية للفترة من 1920- 2020) يتضمن الكتاب مدخلاً نظريــًا يحتوي على (تساؤلات، واهتمامات) وكذلك عرضًا موجزًا لــ(علماء مهدوا لعلم اجتماع) ويعد جهد الدكتورة لاهاي جهدًا كبيرًا يقع في حدود 500 صفحة، تناولت فيه أعمال سبعة من الكتاب والروائيين الرواد ابتداءً بــ (محمود أحمد السيد) وانتهاءً بالروائي (جاسم المطيري)، عدت الدكتورة لاهاي هذه الدراسة "مشروعـًا تأسيسيـًا لاستحداث مادة علمية لتدريس علم اجتماع الأدب بطريقة منظمة" ص30، تعرض الكتاب لعدة كُتاب غربيين واغفل كتابًا كبارًا آخرين كان لهم الدور المميز في إرساء مفاهيم علم اجتماع الأدب كـــ(بييرزيما) صاحب كتاب (النقد الاجتماعي / نحو علم اجتماع للنص الأدبي)، و (لوسيان غولدمان) صاحب (علم اجتماع الأدب، الوضع ومشكلات المنهج)، وكتاب (مدخل إلى قضايا علم اجتماع للرواية) وذكرت الدكتورة من العرب الدكتور علي الوردي فقط!!!، ولكننا إذا كنا في اطار مشروع تأسيسي فعلينا إبراز بعض الإسهامات العربية وهي كثيرة في هذا المجال ومنها على سبيل المثال لا الحصر، محاول المفكر المصري السيد ياسين في كتابة (التحليل الاجتماعي للأدب) وكتابات الراحل الدكتور سيد البحراوي (علم اجتماع الأدب، والمدخل الاجتماعي للأدب من علم اجتماع الأدب إلى النقد الاجتماعي الشامل، و كتاب محتوى الشكل في الرواية العربية، وكتاب في نظرية الأدب محتوى الشكل، مساهمة عربية) وكتاب الدكتور جابر عصفور (قراءة في لوسيان غولدمان) وكتاب الدكتور غالي شكري (مقدمة في سوسيولوجيا الأدب، الوضع ومشكلات المنهج) وغير ذلك الكثير الكثير...
إن اختيار العينة المدروسة يقع ضمن نطاق مئوية الدولة العراقية، ومع ذلك وضعت الدكتورة لاهاي بعض المحددات ومنها "أن كلّ هؤلاء الكتاب والروائيين السبعة لم يتوسموا منصبًا حكوميًا أو سياسيًا متقدمًا خلال حياتهم المهنية.. مما وفر لهم _ كما يبدو_ فرصة التحرر النسبي من الولاءات المفروضة" ص22 وتستثني من ذلك عبد الخالق فاضل الذي عمل دبلوماسيا ... ولكنها اعتبرت مهنة التكرلي الذي كان يعمل قاضيًا حتى عام 1983م من القرن المنصرم مهنة خالية القيود!!! ومع ذلك فهذا التحرر الوظيفي لا يعني الإفلات التام من قيود تابوهات اجتماعية عنيفة.
طرحت الدراسة عدة تساؤلات ومنها "هل يمكن افتراض أن الروائي يملك القدرة على إعادة ابتكار المجتمع وتقديم رؤية جديدة فيه؟ هل يملك الروائي القدرة على تقديم أدلة ترتقي إلى أن تكون مقبولة علميًا؟ هل يرسم الروائي مسار المجتمع والتاريخ بطريقة ذات مصداقية؟ هل يصح القول انه إعادة اكتشاف الحقيقة الاجتماعية؟" ص10 كلّ هذه أسئلة مشروعة وإن كانت الدكتورة ضعفت ذلك "هذه أسئلة خاض فيها علم اجتماع الأدب ويبدو إن هناك إجماعًا انه ليس كذلك" ص10 قد اتفق مع الدكتورة في ذلك فمساحة التخيل مساحة مفتوحة الآفاق أمام الكاتب ولكنها غالبـًا ما تنتظم في أنساق وهذه الأنساق تقع في حواضن سياقية (تاريخية، وسياسية، واقتصادية، ودينية) وتعد بعض هذا السياقات والمساقط المرجعية تابوهات يحظر الاقتراب منها .... إن أساس العلاقة بين الأدب والمجتمع هي علاقة تأثير وتأثر في أغلب المستويات فلا يمكن رصد طرف واحد دون الآخر... ومن هنا يمكننا أن نضيف عدة أسئلة وعوامل وسياقات اجتماعية جعلت من الروائي أو القاص يصب جهدًا كبيرًا من قصصه على تشكل صورة مجتمعية متباينة مما يفتح افق البحث عن مجالات في علم اجتماع الأدب التي تحددت بحسب (سكارابية) في أطر ثلاثة (المؤلف، والعمل، والجمهور)، ويقترح أن يدرس فيما يتعلق بالمؤلف وضعه الاقتصادي والمهني وطبيعته الاجتماعية وفكرة الأجيال الأدبية، أما بالنسبة للعمل فيرى ضرورة الدراسة السوسيولوجية لامور أربعة: الأجناس والأشكال الأدبية والموضوعات، والطباع والشخصيات، والأساليب، وأخيرًا يقترح دراسة فكرة الجمهور والجماهيرية، عملية الاتصال ونجاح العمل الأدبي، وهو في ذلك يقع بين أحضان الامبريقية التي تتعامل مع المنتج الأدبي كسلعة قابلة للاستهلاك والتوزيع، ومن هنا يكون للتلقي الدور الأمثل في صناعة الأدب، لان التلقي من وجهة نظرهم هو من يصنع الأدب وليس الأديب أو النص الأدبي.
وبالعودة إلى المقدمات والمدخل التنظيري، نجد ابتسارًا كبيرًا للعدة المفاهيمية والاصطلاحية التي تعين الباحثين في تقصي ظواهر علم اجتماع الأدب داخل النصوص السردية ورصد العلاقات المتبادلة (بالتأثير، والتأثر) من اجل استكشاف تلك الظواهر وتبيان الأكثر تبلورًا وتطورًا..
أما في مجال التحليل فقد ركزت الدكتورة في تحليلها نصوص الدراسة على أداة إجرائية تكاد تكون واحدة وهي (الفهم، والتفسير) وهذه أداة فعالة في مجال العلوم ذات الطبيعة الأخلاقية والثقافة مثل علم الاجتماع، ولكنها في ميدان الأدب الأمر أكثر تعقيدا لا ينطبق ذلك المفهوم القيمي تمامًا "غير إن ثمة خلافًا عميقًا بين المناهج المختلفة والباحثين المختلفين في عدة قضايا ومنها مفهوم الأدب أي الزاوية التي يمكن التركيز عليها في دراسة الأدب، ومفهوم الاجتماعية وما معنى الاجتماعي، وأخيرًا وليس آخرًا في طبيعة العلاقة بين المجتمع والأدب التي تركزت في نظريتين هما (الانعكاس، والكمون) بالإضافة إلى نظرة الامبريقية التي ترى الاهتمام بالأدب كسلعة في السوق يدخل في نطاق الإنتاج والتوزيع والاستهلاك هذا في اطار ما ينشر أما في اطار ما يغيب فالأمر مختلف ...وعليه يبرز أمامنا أشكال موضوعي في طبيعة العلاقات القائمة بين الأشكال الاجتماعية والأشكال الأدبية؟ إن تتبع وتقصي التطور الأدبي للانحراف الاجتماعي سيظهر بشكل كبير نتائج مهمة في طبيعة علاقة التأثير الاجتماعي على مخيلة الروائي الهاربة من ذلك، كما حصل في رواية المسرات والأوجاع لفؤاد التكرلي التي اتخذت من المرأة أيقونة لكلّ شيء بدءاً بالمرأة المدينة وانتهاءً بالمرأة المنكوبة ...وإذا تتبعنا هذا النسق (صورة المرأة) عند كلّ روائي من الروائيين السبع نلمس (النسق الصاعد، و النسق الهابط) في سياق مختلف فالمرأة عن محمود أحمد السيد غيرها عن فؤاد التكرلي .... وهذا يشير إلى أثر الطبيعة الاجتماعية بمحدداتها المختلفة في البنية الذهنية للأديب بين المخيلة والواقع، وكذلك نلمس عمق الإشكال النظري بين (علم اجتماع) والدراسات الأدبية بفروعها المختلفة: النقد بشقيه النظري والتطبيقي، وتاريخ الأدب، والأدب المقارن، والدراسات الأسلوبية الخ ...بحسب سيد البحراوي.
جهد الدكتورة لاهاي جهد كبير تناول بالدرس مجموعة مهمة من النصوص العراقية الرائدة وهو فعلا يفتح الباب لهذا الدرس المهم ليعود للواجهة لاننا في امس الحاجة إليه في الوقت الراهن .