|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
قحطان الفرج الله
2021 / 1 / 29
سيجد القارئ الجاد في هذا كتاب البراغماتية للدكتور علي المرهج تقصيًا علميًا دقيقًا لآليات نشوء الأفكار وظروف انتاجها الثقافية والاجتماعية. إن البراجماتية حركة فلسفية مارست تأثيرًا عميقًا على الفكر الأمريكي في بدايات القرن العشرين، غاب مفكرها الأول (تشارلز بيرس) عن الصدارة لفترة من الزمن لعدة ظروف وتصدر (ووليم جيمس، وجون دوي) لانتشار كتبهم وترجمتها، يقدمه هذا الكتاب بمنهج علمي دقيق وممتع بعيدا عن لغة الغموض والالتواءات.
الفيلسوف(بيرس) يرى أن البرجماتية لا تتحق إلا بتأكيد النتائج الملموسة لأفكارنا وتصوراتنا ويَعد هذه النتائج وسيلة لتحديد قيّمة تلك الأفكار والتصورات، وهذا ما دفع (بيرس)للنظر لمفهوم (الحقيقة) فهو يرى أن أفضل الطرق لاثبات صحة معتقد إنما تكون وفقًا لما يمليه منهج البحث العلمي من أحكام، ولا تغفل هذه الدراسة الجادة دور (ويليم جيمس) الذي سعى لوضع أساس منطقي للمعنى في مجال الفعل الإنساني العملي والملموس فقد ركز (جيمس) على تفسير الدور الذي تقوم به التطورات والأفكار في خبرة الإنسانية، فهو يذهب إلى "أن معتقداتنا تؤثر على افعالنا في هذه الحياة لذلك تركز براجماتيته. على الأساليب والطرق التي وفقًا لها ترتبط الافكار والمعتقدات بما لنا من خبرات".
بينما يرتكز نظر (ديوي) على شكل مختلف فهو قد ركز على تطوير الاتجاه السيكولوجي فهو يأخذ بتفسير الفعل الإنساني من خلال النظر إلى الميول السلوكية.
تعرض هذه الدراسة وبدقة حدود وأصول ومبادئ البراجماتية، وما أحبّ الإشارة إليه ما طرحة (الأستاذ الدكتور علي المرهج) في الفصل الأول وهو: (الأسس الثقافية للبراجماتية في أمريكا) فهو يقول "عندما نتناول الجذور الفلسفية للبراجماتية لا نستطيع تجاوز الأسس الثقافية الأمريكية التي أنطلق منها الفكر البراجماتي، ولا يمكن أن تعد البراجماتية كاتجاه فلسفي أمريكي ما لم نتعرض للحديث عن أهمية الاتجاهات الفكرية الأمريكية التي سبقت البراجماتية في الظهور والتي كان لها الدور الأساسي في بناء الإنسان" فقد تعرضت الدراسة لاغلب المباني الفكرية التي راهقت إنتاج فلسفة (بيرس) كالاتجاهات الدينية، وعصر الاستنارة (عصر العقل)، والعصر الرومانسي، وحركات التطور ودورها في صياغة الفكر البرجماتي، كما أن هذه الدراسة العميقة لم تغفل النقد الذي وجه (للميتافيزيقيا)، كما أن التعرض لنظرية السيموطيقا (نظرية العلامات) وهي أحد أهم مجالات البحث الفلسفي عند (بيرس) وهي من أهم الاشكال الرئيسية في بناء فلسفته حيث عرض الكتاب مفهوم (بيرس) للعلامات على أنها نظرية عامة في المعنى طالما أن كل معنى هو علامة أو كل علامة لها معنى حيث يقول بيرس "أن كل تفكير ينبغي أن يكون بالضرورة بواسطة العلامات" وعرضت الكيفية التي يتم فيها تحصيل المعرفة بين الإدراك الحسي والإدراك العقلي وكذلك سلطت الأضواء على على أقسام الفعل الذهني وأشكال الوعي، هذا الكتاب يقدم البراجماتية بطريقة مختلفة، يمكن لمسها من خلال كل فعل منتج بعيدًا عن منطق والازدراء واخذ العناوين ومحاكمتها بعيدًا عن ظروف إنتاجها أو محاولة تطبيقها دون مراعاة ممهدات وجودها بشكل ينسجم مع الطبيعة الثقافية.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |