|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
هاني الروسان
2020 / 9 / 2
لا مجال للاختلاف حول تباين اهمية موقع اليمن بالنسبة للمملكة العربية السعودية مقارنة باهميته بالنسبة لدولة الامارات، اذ هو بالنسبة للرياض منطقة امن قومي، فيما هو بالنسبة لابو ظبي لا يتعدى كونه نطاقا استراتيجيا لنفوذ جديد تقتضيه قوة الدولة.
من هنا تبرز اهمية التساؤل عن اسباب قبول السعودية او سماحها لدولة الامارات ليس فقط باثارة الفوضى في منطقة امنها القومي بل والتورط معها بحرب طويلة دون امكانية لحسمها حيث تتقاطع في الموقع اليمني مصالح عدة قوى فاعلة في النظام الدولي.
ولصعوبة تبني تفسير ما لسبب قبول السعودية بهذا التورط سواء تعلق بايران والحد من نفوذها الاقليمي الذي قد وجد له فرصة بعد رحيل نظام علي عبدالله صالح ام تعلق بنوع من الصراع الخفي بينهما اقتضى ان يأخذ اطارا تحالفيا، فان الاهم من ذلك التفسير هو التساؤل عن الاسباب الاماراتية في الذهاب الى اليمن تحت نفس الذريعة الايرانية وهل هذا هو السبب الحقيقي؟
وهنا لا ينفصل النظر في الاسباب الاماراتية بالذهاب الى اليمن عن اسبابها في محاولات التوغل ومد النفوذ والسيطرة في عدد كبير من الدول الافريقية وخاصة منها ذات الشواطئ والموانئ الاستراتيجية والتي قد لا تُفهم بدقة خارج سياق تسلسلها الزمني خاصة عندما يرتبط هذا التسلسل باحداث نوعية.
فبعد فراغ القوة على مستوى قيادة النظام الاقليمي الذي احدثه الغزو الامريكي لبغداد ولاستكمال انتقال هذه القيادة الى منطقة الخليج عبر محاولة جر سوريا الى مواجهة غير مباشرة مع اسرائيل في لبنان عام 2006 والتي ترافقت مع تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية انذاك كونداليزا رايس حول ما اسمته بالشرق اوسط الجديد بدأت بواكير التحرك الاماراتي في تلك المناطق تظهر للعيان ابتداء من عام 2002 عبر اشكال متنوعة ابكرها كان السياسي واحيانا الانساني ثم الاقتصادي فالعسكري الذي تصاعد مؤخرا.
واللافت خلال نفس الفترة انه بدأت تتسرب الى وسائل الاعلام بعض المعطيات عن علاقات اسرائيلية اماراتية تعود في جذورها حسب جاكي خوجي محرر الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي الى تسعينيات القرن الماضي، كما اكد ذلك في مقال له بصحيفة "معاريف"، حيث اشار الى انه في عقد التسعينات، ولسنوات عديدة، تم افتتاح ممثلية تجارية إسرائيلية رفيعة المستوى في إمارة دبي.
وعلى هذا الصعيد يُشار الى ان علاقات التطبيع الاقتصادية الفعلية بين الجانبين بدأت مع تأسيس إمارة دبي بورصة للماس عام 2004، للدخول في نشاط تجاري يخضع لهيمنة التجار اليهود، ما يعني قبول الإمارات بشكل ما من العلاقات مع إسرائيل.
وفي فترات لاحقة تزايد الحديث عن اشكال متنوعة من العلاقات العسكرية والاستخباراتية وخاصة في مجال الامن السيبراني وسعت الامارات الى الاستفادة القصوى من خبرات ضباط الامن الاسرائيليين المتقاعدين وتم تطوير عدة برامج تجسس مشتركة، وتمكنت عديد الشركات الاماراتية من تطوير آليات عملها.
وكانت "يديعوت أحرونوت" قد كشفت نهاية العام الماضي أن شركة "دارك ماتر" كانت تبحث عن خريجين من وحدة الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي، لتجذبهم بمرتبات ضخمة تبلغ 100 ألف دولار، ومكافآت إضافية، ومنازل فاخرة في قبرص. للعمل كمصميمي برامج لمكاتبها في قبرص وكندا. ووفقا لنيويورك تايمز فان مبرمجين إسرائيليين يديرون أيضًا مكتب الشركة في سنغافورة. وتعاقدت الإمارات عام 2014 مع شركة "إن إس أو" الإسرائيلية، لاستخدام برنامجها "بيجاسوس" لاختراق أجهزة "الأيفون" لعد من الزعماء السياسيين.
هذا السياق الزمني لتطور وطبيعة العلاقات الاماراتية الاسرائيلية يشير بقدر كبير من الوضوح الى ان هذه العلاقات تتجاوز مفهوم وواقع العلاقات التطبيعية بينهما الى شكل من اشكال التحالف الاستراتيجي، وان الاعلان عن علاقات تطبيع رسمية يأتي في اطار استكمال بنية هذا التحالف.
كذلك فان السياسات الاماراتية الاقليمية السابقة لهذا الاعلان لا يمكن تفسيرها الا بنفس الاطار اي اطار التحالف الاستراتيجيي مع اسرائيل وتقاسم الدور الوظيفي فيه بينهما بطبيعة الحال ضمن الرؤية الامريكية لمحاولة الابقاء على الانفراد الامريكي بقيادة النظام الدولي.
من هنا فقد يكون مقبولا فهم اسباب الذهاب الاماراتي لليمن مثلا مصحوبا بالسعودية على انها سعي لتحقيق هدفين على الاقل متكاملين اولهما اضعاف المملكة العربية السعودية من خلال العبث ببنية امنها القومي التي تتصف بحساسية بالغة وبالتالي تفرد الامارات بموقع قيادة النظام العربي خاصة في ظل تحقيق الهدف الثاني المتمثل في زيادة نفوذ وتحكم ابو ظبي في سلسلة الموانئ الاستراتيجية والمنافذ البحرية بمد سيطرتها على أرخبيل سقطرى في الساحل الجنوبي للجزيرة العربية ونقطة التقاء المحيط الهندي ببحر العرب بهدف احكام السيطرة على الضفة الشرقية من مضيق باب المندب وبحر اليمن.
اذا صح هذا الميل وهو الاكثر واقعية حيث لا وجود لاية اسباب جيواستراتيجية تدعو الامارات لهذا التهافت على العلاقة مع اسرائيل باستثناء طموح ساذج لتسويق نفسها كوكيل اقليمي لقيادة النظام العربي بحماية اسرائيلية امريكية، فانه سيكون لهذا الاتفاق اثرا بالغ الخطورة على الامن القومي العربي عامة والامن القومي السعودي خاصة بقدر لا يقل عن الخطر الذي يتهدد الحقوق الوطنية الفلسطينية حيث ستكون اسرائيل هي السيد والقوة الفعلية بهذا التحالف.
ويبقى ان نسأل فيما اذا كان هذا الوعي السعودي المتأخر بمخاطر تسييد الامارات لاسرائيل هو السبب في تراجع بعض العرب عن القيام بخطوات مماثلة رغم التفاؤل والضغط الامريكيين، وهل سيكون ذلك بداية تفكك عرى تحالف بدأ منذ عام 2012 وانهيار لمشروع العصر الاسرائيلي؟ الاسابيع القليلة القادمة قد تكشف عن ذلك.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |