|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
هاني الروسان
2020 / 7 / 1
اية أهمية يكتسيها تولي بنيامين نتنياهو شخصيا الإعلان يوم الخميس الماضي عن "تعاون" مع دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال مكافحة وباء كوفيد-19، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين؟
قد لا تتبدى لنا اهمية ذلك خاصة وأنها تأتي في سياق نسق متصاعد من الجهد المشترك بين الجانبين للارتقاء بعلاقاتهما إلى مستويات رسمية بعد أن عبرت دهاليز أشكال من التعاون الرياضي والثقافي والفني والاستخباراتي والأمني إلا اذا توقفنا قليلا أمام مأزق الاستمرار الإسرائيلي في التلاعب بالوقت قبل انقشاع حقيقة الدور الإثم للتعاليم التلمودية في بناء الشخصية الاسرائيلية.
وما ُيؤسف له على هذا الصعيد هو التمكن العميق لهذه التعاليم من صياغة البنى الذهنية لرجال الدين اليهودي التي اتخذت أشكالا من التعصب والتعالي والغطرسة والانعزال ورفض الغير والتشجيع على قتله والتخلص منه مما خلف ضعفا في القدرة التفاعلية لليهودي مع الآخرين.
صحيح أن مدنية القرون اللاحقة التي تحول الكثير منها إلى نصوص قانونية نجحت عبر مقاربات التطوير بالقانون الى تعميق انسنة العلاقات بين البشر بصورة عامة إلا أنها فشلت لدى البعض الآخر خاصة لدى الفئات الأكثر انغلاقا وتعصبا بل خلقت لديها نزوعا نحو العنف والارهاب على مستوى ممارسات الافراد والجماعات الصغرى ونوعا من النظم التمييزية والعنصرية لدى بعض الشعوب والدول.
ان من شأن النظر في السجل السيىء لاسرائيل في ميدان حقوق الإنسان والمضي قدما في مشاهدة ممارساتها وهي تزداد جسارة وعدوانية يوما بعد يوم تحت وابل من القوانين والتشريعات التمييزية التي تحرم الشعب الفلسطيني من ابسط حقوقه يؤكد على الفشل الذريع للفكر الانساني في انتشال الصهاينة واتباع التعاليم التلمودية من مستنقع الانغلاق والكراهية للاخر والتعالي عليه.
بيد أن تناقضات الشيء الواحد كالوجود الاسرائيلي الذي قام على تشجيع هجرة مبنية على جاذبيتي الأمن والرفاه جعل من البقاء الفلسطيني داخل حدود الدولة أحد ضرورات الاستمرار الإسرائيلي في التعالي الوهمي.
وقد كشفت جائحة كورونا جزء هاما من هذا الوهم الكاذب اذ لو لا اكراهات ذلك التعالي ومجموعة القوانين العنصرية لما وجد كثير من الفلسطينيين أنفسهم يحتلون مساحة واسعة من القطاع الصحي لاسرائيل دفعت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، لوصف الأطباء الفلسطينيين في أراضي الـ 48 بـ "أبطال المعاطف البيضاء" .
وقالت الصحيفة: إن العرب الفلسطينيين، يمثلون نسبة أساسية من الموظفين الطبيين في المستشفيات في إسرائيل وانه بحسب أرقام وزارة الداخلية الإسرائيلية، فإن 17% من الأطباء وربع الممرضات، هم من العرب، فضلاً عن نصف الصيادلة، بدون احتساب موظفي الصيانة، والوظائف بأجور منخفضة، التي يشغلون الأغلبية الساحقة منها.
وكانت صحيفة (لوموند) الفرنسية، قالت في وقت سابق على اعترافات هآرتس إنه وبدون هؤلاء كان سينهار النظام الصحي في إسرائيل.
هذه الجائحة ومساحة التأثير الفلسطيني فيها ايقضت في الوعي الإسرائيلي الام الانتفاضة الاولى ومخاوف الانهيار من الداخل بعد أن منيت كل محاولاتها لاستجلاب عمالة اجنبية تعوض اليد العاملة الفلسطينية بخيبات أمل كبيرة وبقي الوجود الفلسطيني أحد ضرورات بقاء الدولة بشروطها الواهية لتشجيع الهجرة اليهودية لفلسطين.
واليوم اذ تجد اسرائيل نفسها إزاء توسع نوعي في ضرورات قبول البقاء الفلسطيني يتجاوز قطاعات العمل منخفضة الكفاءة ويُنبئ بالانتشار نحو قطاعات أكثر حيوية ومن أجل مواصلة سياسة الخداع حول ديمقراطية الدولة وسعيها نحو السلام والوفاء للتعاليم التلمودية بالانعزال والتعالي فإنه صار محتما ان تذهب للبحث عن بديل يجنبها المماطلة في الانصياع للارادة الدولية بايجاد حل للصراع والرضوخ لاكراهات واقع الوجود الفلسطيني عبر تضيق سبل العيش على الفلسطينيين لإجبارهم على افراغ الأرض والهجرة منها.
وقد انتبه مارتين انديك المبعوث الامريكي السابق للسلام في الشرق الاوسط في مقابلة مع i24news الى مخاطر هذه الاكراهات حيث اعتبر ان خطة الضم احادية الجانب ستؤدي حتما الى واقع دولة واحدة تتطلب بمرور الوقت استيعاب فلسطينيين في اسرائيل، وهو ما سيضعها امام مشكلة جوهرية للاختيار فيما اذا كانت تريد دولة يهودية او دولة ديموقراطية، فيما المشروع الصهيوني وجد من اجل دولة يهودية وديموقراطية ، ولهذا السبب يقول انديك ان الضم يدفع المشروع الصهيوني نحو الهاوية.
ولتجنب احتمال مغامرة استيعاب الوجود الفلسطيني داخل الدولة الواحدة الذي سيطيح في نهاية المطاف بفكرة ديمقراطية الدولة فانه سيصار الى اعادة تفعيل سياسة الدفع بالفلسطينيين للهجرة من ناحية ومن اجل الاحتفاظ بخاصية استمرار مستويات الرفاه الجاذب للهجرة اليهودية الى اسرائيل من ناحية ثانية فانه سيتم البحث عن البديل الذي قد تجده في التطبيع العربي على غرار النموذج الاماراتي بقبول التعاون معها في واحد من القطاعات الحيوية التي يشغلها الفلسطينيون.
ولاضفاء قدر كبير من الاهمية على هذه الخطوة النوعية فانها حظيت باهتمام رسمي غير مسبوق من الجانبين حيث قالت وكالة الانباء الاماراتية الرسمية ان كورونا تفرض على كافة دول العالم السعي الى تضافر الجهود في مجال البحث التي تتجاوز التحديات السياسية التاريخية في المنطقة ضمن أولوية إنسانية وتعاون بناء يهدف إلى التصدي للجائحة. وفي وقت سابق على هذا تولى، نتنياهو الاعلان رسميا عن عزم وزيرا الصحة الإسرائيلي والإماراتي إطلاق تعاون بين البلدين في هذا المجال.
وفي اطار محاولات فهم دوافع دولة الامارات لهذا التهافت على العلاقة مع اسرائيل في هذا الوقت بالذات ذهبت عديد الاوساط الفلسطينية والعربية للقول بانها قد تكون محاولة لاستغلال ظروف الجائحة العالمية للاقتراب من اسرائيل اكثر من ذي قبل بما يمكن حكومة نتنياهو من الاستثمار فيها لتسويق مشروعها بضم أجزاء من الضفة الغربية والايهام بأن العالم العربي لا يعارض ذلك كاجراء لاضعاف الرفض الدولي وتوفير بيئة ملائمة للإقدام عليه.
وفي الوقت نفسه رأت اوساط اخرى ان هذه التفسيرات لا تصمد امام حقيقة ان العلاقة بين الجانبين ليست جديدة بل ظهرت للعلن منذ اكثر من عامين وانها تشمل عديد القطاعات الثقافية والرياضية والامنية والعسكرية وان اعادة تسويقها لتشكل غطاء لقرار الضم لا يحتاج الى مثل هذا القدر من الرعونة السياسية، الامر الذي يبقي السؤال مفتوحا لمعرفة السبب الحقيقي للخطوة الاماراتية.
والاغلب ان السبب وراء هذه السرعة هو ما مهد له خبر وام من ان طبيعة الجائحة الانسانية تتجاوز كل الاعتبارات الاخرى ما يعني انه تحت غطاء هذا الزعم يمكن الحديث مستقبلا عن تعاون نوعي بين الجانبين يصل الى حدود الشراكة الميدانية التي تمكن من تبادل الطواقم الطبية كتمهيد لاحلال القدرات الاماراتية وحتى العربية بديلا عن القدرات الفلسطينية لدفعها للهجرة التي تمثل الهدف الاكبر لاسرائيل الذي يجنب ديمقراطيتها امتحانا تاريخيا قاسيا سيتسبب في اسقاطها.
ولذا فانه يجب الانتباه الى ان قرار الضم سيبقى بلال معنى ما لم تتمكن اسرائيل من الذهاب الى الدولة الواحدة باقل وجود فلسطيني فاعل لا يحرج ديمقراطيتها ويحقق لها قدرا عاليا من يهودية الدولة لاسيما وان الوقت لن يستمر في المضي قدما لصالحها، كما يجب الانتباه الى ان الطريق الى ذلك لن يكون الا عبر بوابات التطبيع العربي النوعي كالذي تمهد له الامارات الان ليشكل راس جسر لتطبيع اوسع نطاقا يهدد الوجود الفلسطيني بمخاطر قد تطيح بالحق الوطني الفلسطيني برمته.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام والاتصال في الجامعة التونسية
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |