أيُعدّ ظهور العتيبة على صفحات يديعوت احرونوت دحلان لدور قادم؟

هاني الروسان
2020 / 6 / 16

من اي زاوية يمكن للمتابع ان يقرأ شجاعة السفير الإماراتي بالولايات المتحدة يوسف العتيبة على كتابة مقال في صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية يوم الجمعة الماضي كرس ما جاء به للايحاء بمحاولة ثني اسرائيل عن الاقدام على تنفيذ قرارها بضم جزء هام من الأراضي الفلسطينية بذريعة أن ذلك سيعيق التطبيع مع الدول العربية الذي لم يخف سعادة السفير الدور الهام لبلاده كعراب لتسويقه؟؟
وحتى لا نغرق في لعبة ترجيح اي الاحتمالات أكثر وجاهة من بين تلك التي تقف من وراء هذه الخطوة التي لن تضيف جديدا للرصيد الاماراتي في الهرولة نحو علاقات مفتوحة مع إسرائيل لأسباب يطول شرحها ولو ان جوهرها بات محط فهم لدى العامة كما هو عند الخاصة حيث لم يعد لعدد كبير من انظمة دول الخليج من ملاذ امني غير الملاذ الإسرائيلي، قلنا حتى لا نغرق في لعبة الاحتمالات فإننا نذهب إلى اكثرها ترجيحا.
وتقتضي الضرورة قبل إماطة اللثام عن ذلك تفكيك السياق الذي يأتي من خلاله هذا الترجيح ويكشف عنه مضمون نص السفير حيث يقوم على الربط بين ثلاثة مرتكزات بعضها اكدها المقال والبعض الآخر لا يغيب عن ذهن المتابع.
اما فيما يتعلق بتلك التي تناولها النص فجاء احدها على صورة تذكير بجهود بلاده في مراكمة حسن نواياها نحو اسرائيل حيث لفت إلى أن الإمارات ظلت داعما ثابتا للسلام، وشاركت إسرائيل بعض مواقفها، كوصف حزب الله اللبناني بأنه "منظمة إرهابية"، وادانة حركة حماس وشجب عملياتها، وقيام بلاده بما أسماها بالدبلوماسية الهادئة وأرسال إشارات عامة حول إمكانية تغيير الديناميكيات"، موضحا أنه عمل مع إدارة الرئيس باراك أوباما، على خطة لتدابير بناء الثقة، التي من شأنها تحسين الروابط الإسرائيلية مع الدول العربية، مقابل المزيد من الحكم الذاتي للفلسطينيين.
وبدون العودة إلى استعراض الترجمة الفعلية لهذه الاختيارات والتي تبلورت كممارسات تطبيعية على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية في ظل مخاوف مشتركة بشأن الإرهاب والثقافية والرياضية وغيرها والتي كان آخرها مسرحية الطائرة التي حطت بمطار بن غوريون في مهمة ظاهرها حمل بعض المساعدات الطبية دون أدنى تنسيق مع السلطة الفلسطيتية وباطنها كما أشارت لذلك مصادر حسنة الاطلاع نقل أسلحة وذخائر إسرائيلية لأحد طرفي القتال في ليبيا، وتجاوزا لما جاء في المقال من ان دولة الإمارات يمكن أن تكون بوابة مفتوحة لإسرائيليين نحو المنطقة والعالم فإنها فعلا أصبحت كذلك منذ زمن بعيد.
اما المرتكز الثاني والذي أيضا أشار إليه السفير العتيبة فهو ما اسماه بمدى الإحراج الذي سيسببه القرار الإسرائيلي لجهود بلاده في مراكمة التمهيد لخطوات أكثر نوعية في بناء شراكات استراتيجية مع إسرائيل دون أن يغفل سعادته عن ان يضفي عليه قدرا من التهديد المهذب أو التحذير المفتعل حيث اعتبر ان "الضم سيمثل استفزازا، وسيؤثر على الحديث عن التطبيع"، مدعيا أن الإماراتيين يعتقدون أن "إسرائيل تمثل فرصة لمواجهة الأخطار الشائعة، مع توطيد العلاقات معها، وليست عدوا"، على حد قوله.
وبغض النظر عن دقة توصيف مقصد السفير العتيبة من وراء قوله ان الضم سيمثل استفزازا ويعيق قدرة بلاده على متابعة نهجها في استكمال بناء البوابة الاماراتية لعبور اسرائيل إلى المنطقة، فإنه على الأقل يمثل رجاء في ان لا تمضي اسرائيل قدما بتنفيده.
وهذا ما يثير أهمية التساؤل عن الطرف العربي الذي سيمثل الحديث معه عن التطبيع إحراجا لدولة الإمارات في حال تنفيذ قرار الضم، لان استعراضا سريعا لخريطة الاقليم السياسية ووفقا لطبيعة علاقات دولة الامارات وقدرتها على التأثير في سياسات دوله فإننا لا نعثر على اي من تلك الدول السراب. وهو ما يدفع إلى ضرورة إعادة تدوير السؤال والبحث عن الهدف الحقيقي لسعي الامارات من وراء هذا التحذير.
ولانعدام امكانية اخذ هذا التحذير على احتمال انه نوع من ذر الرماد في الاعين التي ملأها ترابا سعادته عندما كتب في يديعوت احرونوت دون أن يكون مضطرا لذلك، فالأرجح اذن أنه ومن خلال مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي مباشرة حيث نشر المقال باللغة العبرية ليكون اكثر قربا للمتلقي من الناحية الاتصالية قد اراد توفير غطاء ما للحكومة الإسرائيلية للتراجع خطوة إلى الوراء في اطار صفقة لبيع مثل هذه الخطوة الرخيصة التي قد تصور الامارات كطرف فاعل في ثني إسرائيل عن قرار الضم مقابل خطوة اكبر ثمنا تقدمها بلاده لإسرائيل وتتعلق بالإعداد للمرتكز الثالث والذي لم يشر له النص.
لكن النظر في الخلاف الصامت بين السلطة الفلسطينية ودولة الامارات العربية المتحدة أو بالأحرى بين هذه الأخيرة والرئيس محمود عباس منذ عام 2011 اثر تجريد محمد دحلان من كافة صلاحياته ومناصبه، ان في السلطة أو في فتح، ولجوئه إلى دولة الإمارات والذي اخذ يطفو في الآونة الأخيرة على سطح بعض الممارسات إلى أن وصل ذروته خلال الأسابيع الماضية بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية شرعنة أوالتغطية على محاولات الامارات استغلال المصاعب التي تعانيها وام الله وتضاعفت في الآونة الأخيرة جراء وباء كورونا، واعتزام إسرائيل بدعم امريكي القيام بعمليات ضم نوعية، اضطرت القيادة الفلسطينية الى رفع سقف المواجهة بتحللها من كل ما تلزمها بها الاتفاقات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، قلنا ان النظر في ذلك قد يساهم في استجلاء طبيعة المرتكز الثالث.
فالمؤكد ان فرصة كهذه اثارت غضب ترامب اكثر من غيره ورافقها فشل ذريع في خلق سياق لتمرير قرار الضم سوف لن تدعها إسرائيل تمر دون ان تسثمر بها. ولكن كيف سيكون هذا الاستثمار وما هي سيناريوهاته والى اي اتجاه ستذهب.
ولذا فانه لا يمكن تجاوز ضرورة إعادة تركيب المشهد من جميع جوانبه والنظر إلى دور دولة الإمارات فيه حيث لا زال محمد دحلان يعمل مستشارا لولي العهد محمد بن زايد ويحظي بثقته وتأييده وقد لا يكون من الحكمة استبعاد دوره من دائرة احتمال المشاركة في صناعة كل ما يجري الآن بل ربما يكون هواحد اهم مهندسيه.
وان صح اعتبار ذلك فإن احتمال أقدام اسرائيل التي فشلت في خلق السياق الذي يمكنها من تنفيذ قرار الضم، حيث تؤكدعديد المصادرالى ان معظم المؤشرات تحيل إلى احتمال تأجيله بعد أن بات يشكل مأزقا للجانبين الإسرائيلي والأمريكي عكس شدة الشعور بوطئته قيام مستشار الرئيس ترامب لعملية السلام آفي بيركويتز، في البحث عن قنوات اتصال جانبية مع السلطة الفلسطينية عبر عدد من رجال الأعمال الفلسطينيين المقربين منها لإيجاد مخرج من ورطة قرار الضم الذي تتزايد جبهة المعارضة له يوميا خاصة من قبل الأوساط المؤيدة تقليديا لاسرائيل حيث انضمت مؤخرا "أللجنة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة –إيباك" إلى معسكر الرفضين، قلنا ان صح ذلك فان احتمال اقدام إسرائيل على التراجع عنه أو تأجيل تنفيذه وبيع ذلك لدولة الإمارات لتحقيق عددة اهداف دفعة واحدة يصبح أمرا واردا وخاصة على مستوى تسويق دور جديد لمحمد دحلان الذي قد يستغل ذلك لتعزيز نفوذه وتصوير قرارالتراجع الإسرائيلي ان تم وهو الأرجح كثمرة للدور المؤثر لدولة الإمارات او ربما في مرحلة لاحقه كثمرة لدوره كمستشار لولي العهد القوي وخاصة على صعيد علاقات دولة الامارات الخارجية كما قد يبين قادم الأيام.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي