سبل معرفية لمناهضة العنصرية ، الاغتراب و الشمولية

ريبر هبون
2019 / 10 / 19

: طبيعة النظم الشرق أوسطية*
يشهد الشرق الأوسط على كامل رقعته بروز منظومات أشبه بمافيات مشرعنة دولياً، تقدم على ممارسة الإرهاب أمام مرأى العالم المتمدن، وتغييرها معتمد على التدخل الخارجي ، لا على إرادة ورغبة الجماهير، حيث تلجأ تلك الدول إلى العنف الأعمى، لقمع كل حراك شعبي هادف للتغيير فما بين الوطن والمنفى علاقة مشتركة تتركز في قيمة حياة الإنسان وثمنه الزهيد جداً ، حيث القاتل يسرح ويمرح ، والباحثون عنه حيرى ومذهولين، وأحياناً بضع متفرجين لا أكثر ، فأمام جبن هذه السلطات وعنجهيتها في استعباد الجماهير وتوريثها لأساليب فهمها للحياة انطلاقاً من بثها لسمومها القومية والمذهبية والتي تعتمدهما في حكم المجتمع بالخداع تارة وبالقوة تارة أخرى، حيث يمكننا القول أن دعاة التغيير لم يكونوا صادقين لدعواهم في التغيير، ولم يفهموه سوى عن كونه تغيير أشخاص واستبدال أماكنهم الشاغرة بأشخاص آخرين همهم متابعة ما أكملهم أسلافهم القامعين، هكذا يغدو هذا الجري الشاق، عقيماً وبلا هدف، إزاء غيبوبة العقل واغترابه، ليغدوا بالمحصلة وقوداً لحرب أهلية، لا تبقي ولا تذر،وتفتك بالبشر والحجر، لهذا كان لابد من معرفة التغيير وفحواه وكيفيته، هل هو بغية عصرنة الحياة ودمقرطتها، أم هو تعبير عن النكوص والهرولة إلى الوراء، ؟، لهذا يتم التصدي لعنف السلطة بحماقة بديلة، ليست أقل بؤساً من الجهة القامعة، فالحروب المسلحة اتخذت من مصالح الدول الاقليمية والدولية أساساً للتحكم بمجرياتها، فهي حرب محكومة بالمآسي، تبرع فيه تلك الأنظمة بصنوف الإبادات واختلاق الأزمات ونشر الفوضى، حيث هذا العنف والعنف المضاد، يجعل الناس تسبح في خضم بحيرات دموية، تكشف عن موبقات الساعين نحو الثروة والسلطة والفساد،عبر المضي قدماً في القفز على مطالب الناس وحقوقها، ففي ظل افتقاد الرؤية النوعية، تسير الجموع بلا هدى، ومتفرقة كحبات الخرز المبعثرة هنا وهناك، تنتظر أبداً من يوجهها، دونما دراية بآليات التوجيه، في ظل غياب التغيير الذي يستند في أساسه إلى الفكر والفاعلية في توجيهه عملياً عبر مخاطبة العقول وإيقاظها عبر فهمها لطبيعة واقعها،حيث المجتمع تعبير عن شكل النظام السلطوي حينما تتراءى في صورة واقع تهضم فيه حقوق وواجبات الأفراد، جراء اتخاذ الخوف كآلية للتعبير عن السطوة، حينما نجد أن النظام في أول نشوءه يتخذ شكل طبيعة تلازم السلوك الأبوي تجاه أطفاله، لتكون الأم، أو الزوجة بمثابة الحارس الروحاني لتلك الطبيعة والآلية التي يتخذها الأب في إرساء دعائم سلوكه في ذهن أطفاله منذ الصغر، فكيف يمكن للعقل أن ينهض وينمو بتسارع في ظل النقص والحاجة، إذ ما من شك فإن أطوار الإنسان الأولى تسهم إلى حد كبير في تكوين شخصيته، فالضغط الاجتماعي والشعور باليتم والنقص الكبير في الحنان، بإمكانه تجسيد شخصية محرومة مضطربة تعاني الألم والانقياد الكبير نحو العنف وردة الفعل التي تنم عن شعور كبير بالانتقام والبحث عن الحق المفتقد عبر المبالغة في طلبه على نحو شره وجشع قد يسهم فيما بعد بسلوك منحى الإجرام أحياناً، لعل التربية تعتبر الوعاء الأساسي لاستقبال كل العوائد والسلوكيات التي يمتصها الطفل منذ بداية نشأته ، فالحرمان سيجعله على الدوام في حالة نقمة واحتقان، ذلك تشكيل لنمط محدد من السلوك الذي يتطور تبعاً للمواقف والاحتكاكات المتقادمة، فالمرور بحالة الفقد والعيش في ظلها ، أمر محبط ، ويجعل استجابة المرء للتغيير الإيجابي صعبة مع الوقت، يوقظ لديه تساؤلات شتى، تستعبده ولا يلقى لها أجوبة محددة، هكذا نجد سباق المرء مع الوقت مضنياً في تحصيل رغباته المنتهكة وأحلامه المفتقدة، فأمام الضغط والظلم يمسي المرء أسير حالة الأمان الضائعة، والتي يغلفها اليتم بطابع معتم يلف مسيرة الإنسان ورحلة بحثه عن الرفاهية والشعور بالتفوق،فالعلاقة بين سلطة القمع وسلطة الجنس طبيعية في ظل اضطراب المنظومة الاجتماعية، حيث يسهم التعري ،تعرية الحقائق وكشف المستتر بالطبع في تحريض الأفكار الكامنة لدى المتلقي، تدفعه لإعمال التفكير ومراجعة المسلمات، حيث بدت الشهوة مفتاحاً دالاً للأبواب المستترة والتي تخفي اضطرابات شتى، تشي بانفكاك المجتمع عن القيم ، حيث وجودها وانتعاشها يحتاج لفسحة من حرية وانفتاح عن المعرفة ، إنه استدلال مرمز لآفات وعلل المركزية القامعة والتي بدورها الملوث الرئيسي للقيم الطبيعية بين الرجل والمرأة، إذ يرمز الاحتدام الشهواني إلى حالة الكبت والتشوه الحاصلة في المنظومة الأبوية والتي كرست مناخاً مريباً للعلاقة المرضية بين الجنسي،إذ أن اللهث وراء الحسية دون المحافظة هلى ثبوت العلاقة مرده سذاجة إدراك الحب، والنظر للجسد كمعبر اشتهاء، لا يمكن إدرانة الجسد باعتباره اشتهى وحاول إطفاء ناره، إنما يمكن إدانته إذا قام صاحبه أو صاحبته بالتنقل به من فم لفم، من جوع لجوع ، فهناك سلطة الجنس التي تقمع أي دور لنهوض القيمة والثابت الأخلاقي أمام سيطرة العقل السياسي الاستبدادي على مفاصل الحياة عبر الذكورية الطافحة بالأنانية والتماهي بموروث السلطة القائمة ، القوة الاجتماعية منعدمة في ظل الخيارات القاسية والمحدودة للعيش ، وضآلة إمكانيات حدوث نهضة في ظل كبوات متلاحقة ، إنه العجز عن تحقيق التشاركية الطبيعية ، في ظل نظام الذكورة التي تمارس بفظاظة في ظل عزلة تفرضها السلطة على الجماهير، في ظل بون شاسع وواضح بين تفكير الذات المثالية المنسجمة مع الحلم والرغبة بعالم أفضل،تضيع قيمة الحب في حضرة التلاشي والفناء الذي أربك الروح وجعلها تخوض الاضطراب ، يتم حصار الروح المدركة للجمال عبر تقديم الزيف ، وجعله وعاء للحياة برمتها، وهذا ما جعل العقل يستنزف والحركة تخسر كلما حاولت أن تنشد الأفضل وتفكر بالتغيير لتعتبره مطلباً وفكرة عالقة في الذهن ، تستحق الوقت الذي يكرس لها كي تتبلور وتكون الحركة مستعدة لقبولها كعمل ، إلا أن العائق أمام نهضة الذات يكمن في ذلك الآخر المرتهن لطبيعة الواقع المشلول ، حينما تضعف النفس العليا أمام سلطة الجنس، لا يلعب الفن وقتها دوراً مفصلياً في المشهد الحياتي ، بذهاب الأثر المتعلق بفضيلة الذات التي يصونها الحب، إذ أن حالة التنافر والإنسجام المحفوفة بمخاطر الانقياد لدرك الشهوة والخوف من وجود رقابة اجتماعية ، قلصت من رقابة النفس على الذات، فما أن يخرج الجيل الشاب ليعبر عن تشبثه بالأفكار الإصلاحية المتضمنة تحرير المرأة وإزالة العنف ضدها، حتى يصحو متأخراً على اضطراب حركة التمرد لديه، فهو الذكر محاصر تماماً من قوانين لا يد له في صنعها ، لكنه يمتصها هو الآخر دون أن يشعر، فالعقل الخال من تهيؤات الاستشعار بالمعرفة والفن، لابد وأن ينجر لأوكار الشهوانية المنسجمة مع تقاليد الخوف والمؤثرات الدينية، لما لها من هالات تبعث على النشوة كما الجنس، نشوة الانغماس في الطقوس الدينية ونشوة التماهي مع التخيلات والأفعال الجنسية تبدوان منسجمتين ، ولكن على الجهة المقابلة يدرك الإنسان المعرفي بضرورة ممارسة الطقس الحسي الحميمي ، ضمن ثوابت تتصل بالحب واستخدام الجسد بما يخدم المنطلقات القيمية التي ينهض بها الإنسان الأخلاقي بوصفه كائناً مدركاً ومرهفاً وحساساً، فالتشبث بالحب كبوصلة مقترنة بالمعرفة هو الضمان لفهم السعادة دون الدخول في أوكار اللذة والخوف وتسليع الجسد،ولاشك أن الحديث عن المجتمع ونقد مظاهره، بعيد عن أروقة الخطاب السياسي الكوردستاني المتخلف والمتواطئ هو ذا الآخر مع ميراث النظام الأبوي التاريخي والحاكم سواء في مراكز الدولة أو ضمن التقاليد العشائرية، وهذا يفسر شبه انعدام حضور المرأة الكوردستانية الحقيقي للعمل السياسي سوى مجرد وجودها التمثيلي الشكلي في أوساطه، وذلك سائد بكثرة في أوساط الأحزاب الكلاسيكية ذات الطابع القومي التقليدي، ونعني هنا بالنظام الذكوري الكوردستاني الذي يعبر عن نفسه بكونه خليطاً من الأفكار الدينية والعشائرية الصادرة عن نفسية الجماهير المتقلبة بين سطوة التاريخ الإقطاعي أو النَّفس
الاشتراكي التقليدي الذي كان سائداً في القرن العشرين، والذي يتحرك في إطار مراوحة في المكان وتجوال على السطح دون ملامسة المضامين الواعية للتغيير والانتفاضة أو الخروج من القوقعة المذهبية أو العائلية، وما تجاوزه لم يتعدى سوى
.عن كونه تقديساً لأديبات الزعامة وتمجيدها الإيديولوجي ،ففي ظل هذا المجتمع المكبل والمتعب يجري الحديث عن بوادر التفكك الجاري في واقع يجعل المرء المدرك مذهولاً من ازدياد توغل المرض والاضطراب في مفاصل المناخ السائد، انها حياة مهددة بالسقوط، والمنطق الاضطراري الذي يدفع المرء للهروب عبر لعبة الظروف والعالم المبني على الاحتكار والأنانية ، ومقابل ذلك السعي نحو تحقيق بعض من المثل التي يؤمن بها مرهفوا الحس ، ممن وظيفتهم استنباط دلالات من الحوداث التي يتم التقصد في الإشارة إليها ، إن وظيفة الفن هي تحوير الواقع بما يتلاءم مع المتعة في تذوق الجمال، وتعميق الإحساس بمعاناة الآخرين وتقديم أنموذجات نسبية وتحرك لدى المتتبع روح الفضول والتنقيب، لمعرفة أصناف العلاقة بين الفن والعلوم الإنسانية، حتماً سيكون القائد المتأله نتاجاً عن تربية مضطربة وتزاوج معلول من أب يدمن ممارسة الجنس مع الأطفال وأم تفتح فخذيها لكل عابر باسم الحب أو ماشابهه، سيكون مكان من يعارض هذا النظام ، الجنون أو المنفى، أو الموت ، وسيشرع القائد الرمز في إعلان مراسيم الموت والتصفية بحق خصومه ومعارضيه، إنها حرب تشن ضد الإرادات الحرة والواعية، فنظرية الإخضاع تتوافق والذهنية التي تم تلقينها لفئات الشعب المحقون دينياً وطائفياً والمبرمج حسب الآلية التقليدية التي يتوافق عليها رجال الدين والنخب العشائرية في تربية المجتمع على مذهب الطاعة والمضي كالقطيع وراء السادة ودون وازع، الأمر الذي لا يتيح المجال لبناء علاقات طبيعية مفيدة بين الرجل والمرأة،فمراحل بناء السلطة
الشمولية انبثقت كنتيجة عن فرط التعاقد الأخلاقي بين الرجل والمرأة ومن ثم الأفراد، فظهور الشمولية كمبدأ تعظيم الأفراد على حساب بقية شرائح المجتمع، وظيفتها محاربة المواهب والمدركات، ووضع نهاية لنهضة الفنون وغزو الحياة بكل مناحيها وأصعدتها، يعتبر بمثابة خنق للجمال والخير، لهذا يجدد الإرهاب من نفسه ، ويتم تطويره بإضافة التطرف والتعنت الإيديولوجي إلى المناهج الدراسية وتصبح كتقاليد إجتماعية أبوية المنشأـ تعمل على تعليب الانتماءات بل تقويضها، كما تعمل النظم الشمولية كما في اليابان والكوريتين والصين، وكذلك النظم المتجددة في الشرق الأوسط على تفعيل منظومة صناعة وشراء الأسلحة واحتكارها، لأنها تستفيد من إشعال الحروب الأهلية في كل مكان تحكمها، كما أن عمل الإعلام اقتصر على تهويم وخذاع الجماهير ووضع اليد على مقدراها وثرواتها، من خلال تفعيل الفساد القانوني ، أي ممارسة الفساد عبر الثغرات القانونية، حيث تتيح القوانين الشمولية الفضفاضة، على ممارسة الرق الإجتماعي عبر تلك التغييرات الشكلية ، ليتم تقويض كل منجز وأثر،عبر القمع الممنهج ، وينقسم المجتمع إلى مجموعات الولاء للسلطة وأخرى للمعارضة، والتي تتفقان على تحديث العقلية الشمولية لما لها من أهمية لديهم في إبقاء المجتمع على ماهو عليه من الضعف والانحلال والجهل ، حيث يتم تشويه الديمقراطية عبر التلاعب بها وزج الناس في خصومات وهمية لا طائل منها، سوى أنها نزول لرغبة المتلاعبين الكبار بغية تحقيق العديد من المكاسب النفعية، حيث يتم الاستيلاء على السلطة انقلابياً بمنطق القوة والتصفيات، أو استغلال الحروب الداخلية، ويتم إلقاء تبعات ذلك على ظهر الديمقراطية، ممارسة البغي أو القمع الإيديولوجي بالتزامن مع الدعوة للدمقرطة وقبول المختلف، فالعبيد والمستبدون ينمون باطراد من صلب تلك العلاقة المشوهة القائمة على رعاية العيوب والعاهات ونقلها من جيل لجيل،فالمقدرات والثروات كلها بيد فئة أو شخص واحد، وينقسم المجتمع مقابله لطبقتين ، إحداها تعمل على حمايته والمقابل منها لمناهضته، تنشأ الفوضى من رحم المجتمع الذي تتحرك فئاته وشرائحه في ظل الخوف ، وتتحلق حول النظام الأبوي، الذي يعتبر الأب الممثل المقدس وصاحب الكلمة العليا في صناعة طبيعة ونمط الحياة، حيث تنشأ العلاقة بين الأب الاجتماعي والقائد السياسي، وتتعمق ليتناوبا على نحو محكم في خلق منظومة فكرية شمولية تعادي الديمقراطية الجوهرية، وتتفقان على محاربة التغيير عبر تجميل الاستبداد من منظور ما يسمى بالديكتاتور العادل، الذي يقيم العدل والصلاح بين الناس وبالقوة، ولابد من وجوده ودوام حكمه، هذه الفكرة لها خلفية دينية وتراثية مسبوغة بهالات تقديسية تشربتها بعض الفئات المحقونة دينياً والمغيبة عن الحاضر، كونها تعيش في بطون التاريخ، وبتأملنا للديكتاتوريات نجد أن أهداف نشوءها تتحلق حول الحد من بروز المنافسين والاستيلاء على مقدرات ونفوذ البلاد والاستمرار في تغييب الجماهير وتجهيلها عبر الشعارات ونشرالأوهام، إذ يدعي منظروا اليسارية أن الرأسمالية هي العبء الوحيد المزمع الحرب عليه ومناهضته، دون أن يشيروا إلى الشمولية المركزية التي هي منشأ وأساس نظام وجودهم والذي يجب إزالته وتغييره، كون المركزية الشمولية هي البنية
. الرأسمالية الأساس لأي انهدام مجتمعي قادم
:حول فهم الاغتراب*
، نجد أن الانشداه لشيء خارج ما يملك المرء، وهو ما يجعله أكثر ألماً ، مما يحيلنا لمراجعة ما قيل في الفلسفة الهندية التي قالت بمفهوم اللاتعلق، مبينة أن المعاناة تنشأ من تعلق المرء بما لا يملكه، يمكننا ترجمة مسيرة الإنسان بين الجماعات عبر أطوار نشوءه بإنها تجربة تعلق، وإن اضطراب استيعاب أن الآخر لا يرتبط بنا هو شيء مبهم خارج سرب الفرد ونزعته الذاتية، وميله للتعلق والارتباط ، ترسيماً لحالة ارتباط تهدف للعيش، ففي ظل هذا المجتمع، نجد أن حرية القرار غائبة عن الذات، في ظل النظام الذكوري، فطبيعة التفكير السائدة هي التي عمّقت الهوة إثر تكالب عناصر الخوف والحاجة المدقعة، بين الفئات الاجتماعية، حيث اكتشف آزاد البطل أن تغير الاتجاهات العقلية صعب وعسير في ظل الخوف ونقصان الحرية ، فالعلاقات الإنسانية محكومة بالاضطراب والقطيعة،الخوف من السعادة والابتعاد عن البحث عنها، يعني الانغماس في الضعف وفوضى النفس، حيث الصراع لا يهدأ، ومن هنا تتجلى مشكلة الحرية، حيث تلك القوانين القسرية التي تغسل أدمغة الأفراد وتجعلهم شبه محنطين وموتى،أو رجال آليين لا يمكنهم إحداث أي تغيير، سوى الاضطراب والفوضى التي تديره العقول المتحكمة بكل شيء في الخفاء والعلن، حيث يقول المفكر الروسي نيقولاي ألكسندروفتش برديايف1 ، "أن كل ما يصدر عن المجتمع ، ينزع إلى الاستعباد في حين أن كل ما ينبعث من الروح يدعو إلى التحرر والإنطلاق " وبهذا نجد أن مقولته تتجلى في واقع ذلك المجتمع المحاصر بأغلال الفقر والاستبداد، أمكن معرفة وجه الارتباط بين القمع النفسي الاجتماعي والسياسي وتناوبهما في تعطيل
. مدركات ومواهب الإنسان وقهره، حيث ما من كابوس أقوى وأقسى من أن يتحول القهر الاجتماعي لقهر سلطوي مركزي
بما لا شك فيه فإن أدب السجون يمثل تشخيصاً للحالة النفسية للسجين، إزاء مواقف الضرب واللكم والسحل التي يعيشها ، وهو توصيف للجانب النفسي له ، وكذلك شعور الرغبة بالموت إثر التعذيب، أي شيء يوقف ذلك القهر والألم والخوف الماثل، حيث للألم مراحل وأطوار تتصاعد من السيء للأسوأ فالأكثر رعباً وجنون، حيث ثمة التعذيب المقدس والذي يتجسد في النصوص الدينية السماوية، عبر جدلية الوعد والوعيد، حيث لا شيء يضاهي ذلك الشعور بالعذاب الإلهي، الذي يتم تصويره على نحو مؤثر يدخل في شعور وذهن المتلقي المؤمن ليلزمه بالخوف من ذلك الشقاء الدنيوي، والشقاء ما بعد الموت، إن لعلاقة السلطة الأبوية بالميراث الأبوي الذي تمثله النصوص المقدسة خير تمثيل، يدعون لتأمل ظاهرة التعذيب من بوابة رحبة، تقترن بمجموع المعارف والمحظورات التي يتلقاها الفرد عبر التربية العائلية والمدرسية وعلاقتهما بالمنظومة السلطوية، حيث للنصوص المقدسة سطوة على النفس وسلوك الإنسان، وتشريع التعذيب بوصفه دواء لمواجهة الداء، لتأييد ديني من النصوص مباشرة، حيث يتم التلاعب بإنسان بوصفه كائناً تبعياً، تحكمه النصوص والتآويل المتعددة، وكلها تصب في خدمة بقاء الاستبداد، كسلطة روحية وسياسية في آن معاً، حيث يغيب المبدأ الإنساني والإلهي والطبيعي في ظل سعي المنظومة الاستبدادية لتغييب المعرفيين من الظهور كنواة للتغيير الاجتماعي بل ويتم عزلهم وإرهابهم بمختلف أدوات القمع، ليسيروا بحذر في مختلف مناحي حياتهم مقوضي الإرادة والعزم، يتبعهم جمهور مذعور ومحاصر بأغلال التشاؤم والفرقة، ناهيك من أن وسائل التعذيب تطال الإنسان في ظل الدولة الأبوية التي تعتمد على النسق التاريخي في التعامل مع الناس، فمع تشكل الدولة الاستبدادية ظهرالتعذيب كشكل من أشكال تثبيت نظام الحكم باستخدام الرهبة والرعب الممنهج كوسيلة ضامنة لبقاء الخضوع وقد ظهر التعذيب في كل عصر كفن يمتهنه دعاته وحماته في إلزام المجتمع أن يتخذ الخوف مسلكاً، وهكذا تم النيل من العقل بصورة متوازنة ، باتت الكواليس مشرعة الأبواب في تلك البيئة ، ممارسة كل شيء في الخفاء، حينما ينعدم الحب في ذات الإنسان ويتفاقم الشعور باليتم، يصبح الحزن كابوساً ثقيلاً، وتصبح الحياة أشبه بمتاهة معقدة ملتفة حول نفسها ويتضاعف حينها الشعور بالقلق والحرمان، فامام المأساة لا يمكن ترجيح كفة الضعف أو القوة لدى الإنسان المغترب، فهو يدور في حلقة مغلقة تشغل النقص، الخيانة، الألم ، وشعور الفقد ، حيث الهروب من الماضي يمثل رأس الدوامة والمعضلة، لكنه حينما يتلبسنا ، يصبح شيئاً يصعب الفكاك منه، ويتحول إلى مسلك فكري وطريقة تعاطي مع الأحداث المتشابكة، لهذا يمكن القول اننا صورة عن ماضٍ عشناه ويلاحقنا على نحو ما، نمثل أشد الحقب إيغالاً في النفس، ويصل المرء المغترب للعدمية ، وأحياناً يجد نفسه ساحة سجالات لاتنتهي متعددة الآلام والمسارات ، لم يعد الفرد يستشعر في ظلها ذاته والإهانة التي يحياها في ظل تكالب الضغط عليه وعبر مراحل، إذ تصل الشخصية المأساوية إلى حد تصبح فيها عديمة الإحساس بحجم المصاب الذي ألم بها ، هل يمكن لروح المعرفة والتفكر بسبل التغيير أن تنوب عن الكارثة النفسية التي جعلتها السلطات الاستبدادية خبزاً وزاداً تتقوت به الفئات المعدمة والتي تعاني من ضغط مزمن في الحاجة ، هل سيبرز عندها وعي حقيقي بالتغيير كمطلب حيوي ، يعيد إلى الأذهان مسيرة وتجارب بعض الشعوب في تجاوز نكباتها الروحية، إن تلك التساؤلات تعبر في حقيقتها عن نشدان التغيير كوعي، ومطلب لا يتحقق بين ليلة وضحاها، وإنما يستمد ماهيته من حقيقة الصراعات الاجتماعية وتناقضات السلطة فيما بينها، حيث يظل الإنسان الكوردستاني حاملاً لقضيته وعالمه المكتظ بالشجون والالام ، مما يجعله يدور في فلك اغتراب شامل،نجد أن علاقة الوافد بالبيئة الجديدة ليست مختلفة تماماً في تعاطيها مع البيئة التي يهرب إليها حديثاً، بسبب غيبوبته واستحضاره لرواسب ومواقف الماضي، نظراً أن تغيير المفاهيم والعوائد يحتاج لوقت، هذا بالنسبة للبالغين ممن عاشوا تجارب مؤلمة ماقبل الهجرة، إذ لا يمكنهم أن يكونوا جزء طبيعياً منها على الصعيد الاندماجي، مقارنة مع الأطفال الذين يندمجون على نحو سلس وسهل، فالتقاليد تحكم الذين يعانون من صعوبات الاندماج في البيئة الجديدة ، وهذا قد لا يؤدي بالضرورة لحصول المتانة في التماسك لطبيعة البلد الموفد إليه، ففهم الإنسان استناداً لطبيعة تنقلاته وتفسير التغيرات تبعاً لحالات التأثر والتأثير الذي يتلقاه الكائن الإنساني يعد ناجعاً لبيان تلك الصلة ما بين المرء والجغرافيا عبر احتكاكه بالأشخاص والأدوات واستنباط التجارب المفيدة والمساهمة ببناء شخصية الفرد وبناء معارفه وإدراكاته عبر الاتصال بالمحيط، إلا أن ذلك لا يعد سهلاً لذوي التجارب المأساوية ممن عاشوا قمعاً سلطوياً واجتماعياً في آن معاً، ذلك أعاق أدوار اندماجهم في البيئة الجديدة، حيث مجموع التجارب التي يحوزها الأفراد المهاجرون تحدد مدى قدرتهم على مواكبة شروط التغيير والتأقلم مع الأجواء، حيث التكامل الفكري والوجداني والإرادي في ظل المحيط الجديد، ولا يتحقق على نحو طوعي، حيث الاهتمام بالفرد وتفسير دوافعه وردات فعله في غاية من الأهمية لمعرفة الجانب الخفي من شخصيته والهادفة لحياة أفضل، إلا ان معاكسات الظرف وقيود الحياة وضغوطاتها وكذلك المضاعفات التي تلعب دوراً في رسم ملامح حياة الإنسان ، تقود إلى استخلاص الحقيقة القائلة بأن الإنسان وليد تلك المسارات الجبرية وهو على ضوء طبيعة الظروف ، إنسان غير حر، والحرية تبقى خيالاً يؤرق الذهن ويتسم في أحايين كثيرة بعدم الوضوح، ماذا نعني بها، وكيف يتم التمتع بها على نحو روحي أما مادي، تساؤلات تعتري الفرد أثناء بحثه عن ملاذ آمن يلوذ إليه، بيئة تجعله يتحرك دون خوف أو قلق ، إلا ان هاجس الإنسان يظل رابضاً في المخيلة
. حينما ينعدم التكيف ويصبح الإنسانا أسير الماضي بمواقفه وأحداثه وترسباته على النفس لأمد طويل
إن الفرد لا ينفك عن ممارسة طقوسه في تذكر الماضي ، بخاصة إذا احتوى على شريط من الرهبة والاضطراب، فالصدمات التي تعترض الفرد لا تزول هكذا مع الزمن، بل تبرح اللا شعور وتنضم لمجموع التصورات الفردية، تقيم في الداخل ،تحتوي في طياتها المتضادات،حينما يعتمل الفرد الحنين إلى الأرض، فالمناخات الهادئة غير المتشنجة تكون البوصلة لحياة جيدة، فيها من التفاؤل والرحابة الشيء الوافر، بذلك يمكن فهم الفرد المغترب من كونه يتحلق حول سلسلة مواقف أصابته بالسكون والمراوحة، ضمن فصول الماضي وعلاقاته التي تشوبها الحيرة ، هذا القلق هو جزأ لا يتجزأ من النفس، تجعل الذات تدمن تصوراتها ، تستقي منها ضمادات لثغرات حياته، فالانكفاء نحو الأنا واعتزال اختلافات الآخر معها، جعل العزلة خبز الحياة الأساسي، كي نعي الذات لابد من تشييد مفهوم الجسور بين الآخر، لعل ذلك يمثل الراحة المتوازنة لحياة متشعبة،مبنية على الإجحاف والقسوة ، فالتعنت الذي يعيشه المغترب عن الآخر، يفصله فصلاً عن الطمأنينة ، ويوحي له أن الحياة قوقعة ملتفة حوله وفقط، ما الحقيقة؟، يمكن فهمها من خلال ما يريده المرء في فلك حياته، أي ما يساعده على الانتعاش ويهبه الرحابة بمعانيها المختلفة، إن تجارب البشر حصيلة مهمة للفرد كي يستطيع إنعاش ذاته بالتحولات
المهمة على صعيد التطور الفعلي ، فهم ذلك يساعد المرء على فهم ماهية الحقيقة استناداً لرحلة الصراع لأجل الأفضل ، والتعامل مع والاختلاف كوسيلة للتمتع بخصائص القوة المادية والروحية، إن الوصول للسعادة مع الآخر يحتاج التسليم بحقيقة الاختلاف دون طلب النمطية ، والعدول عن التشبث بالاستنساخ الكلي للمرء ورسم حياة شمولية تجارب الاختلاف وتعتبره خطيئة، فالهروب لعالم يتقبل الاختلاف وينسجم في ممارسته لحد الاستمتاع، مثّل شكلاً من أشكال الهجرة من الموطن الأصلي للموطن الجديد، يمكن فهم تنقل الجماعات البشرية عبر التاريخ من بوصلة الهجرة ، وهي تعبر عن موقف نفسي قبل أن تكون مطلباً مادياً، وعليه فإن الإنسان الذي لديه محدودية في العيش الزمني لن يستطيع انتظار التغيير في حالة استعصاء حدوثه عبر تبدلات الموقف، سيبحث حتماً عن بدائل تحقق له الرضا والامتثال للعيش المبني
على فهم الوجود عبر مواصلة العمل

: أثر الفكر الشمولي في صناعة النظم الشرق أوسطية*
سعى الشموليون لتحوير القيم والتلاعب بها، وجعلوا الحياة الإنسانية مصحوبة بالركود والخوف ، وقد عمقوا ما يسمى بمفهوم الاغتراب الروحي ، لهذا بات ممكناً القول أن العصرنة والتحلي بها ضرب من المحال في ظل انعدام ممارسة الاختلاف والتمتع بمزاياه على صعيد الحياة المعيشة ، فقد أثّرت المنظومة الشمولية الأبوية وبصورة سلبية على التعامل الإنساني ، جعلت العقول مدجنة وغير قادرة على التأقلم والتمتع بالمرونة مع الآخرين بوصفهم مسارات يجب احتواءها، إن رسوخ الفكر الواحد سبّب الإبادات عبر التاريخ المعاصر وشل حركة المجتمع وجعلتها في حالة انعزال عن الحاضر عبر خلق التابوهات العقيمة، وإرباك فعالية التفكير الناقد، من خلال التعامل مع الفلسفة كتعاليم وعظية غير قابلة للمساس بها وكل ذلك لأجل حماية الاستبداد وتصفية روح الإبتكار لدى الإنسان
. المعرفي
لم يعد ثمة من يستشعر الانتماء لوطنه، بسبب تعنت مهووسي السلطة وطغيانهم المغلف بفساد وانحلال ضخمين، لعل الفوضى التي تشهدها بلدان الربيع العربي، كانت نتاجاً عن عهود قهر وعبودية وذل، لعل ذلك يسيطر بصورة كبيرة على روح الإنسان المغترب، تلك الروح التي تتميز بالنباهة والرهافة والابتكار، لا يرضيها أن تهب وتعطي وتفكر في بلاد أخرى، لكنها مجبرة على التأقلم ، والعطاء حيث لا يتوقف عطاء الإبداع مهما تغيرت البيئات ، فما بين مطرقة النظم الأستبدادية وأدبيات المعارضة الشمولية تعيش الجماهير في حالة الظبي الذي يتم شيه على النار، إذ تتقلب بين قمع دولتي، وهروب لحضن الطرف الآخر والذي لا يتمايز بشيء عن تقاليد السلطة، لأن المعارضة تسترزق بفضل كبوات القمع السلطوي، وتبني منظومتها من خلال تشرد الجماهير وتبعثرها وتفتتها،فالحالة السيكولوجية للمغترب تجعله ينكمش في إطار حرب نفسية تزداد حدة في داخله، إثر الخوف الذي تلقاه في بيئته من إحساس غير منقطع لليتم ومروراً بخيبة الحب ، وانتهاء بالتعذيب المهين في المعتقل، تجعل المرء يعيش حالة من اليأس والكآبة، حيث لا ينفك الاغتراب عن حياة يومية تتميز بعسر تأمين المتطلبات والحاجات الأساسية، حيث تتفرع معالم الاغتراب وتتشعب لتنتقل للأفكار والآداب والنظريات والاتجاهات السياسية، وعبر ذلك يدخل الفرد المغترب في غيبوبة الحلم، ولا يستطيع تجاهل الآلام التي يعانيها بالرغم من تفاعله مع بعض الأنشطة الحاضرة في يومياته وأنشغالاته،فالسلوك الفردي مبني على التعلق والتأثر بمظاهر تقوده لما هو عليه، حيث يغزو الوعي الفردي كل تلك الصور والتهيؤات والأقاويل الموغلة ببطء في حياته من بوابة نشأته الأولى، فالكراهية كمنظومة سلطوية تعمد على زج الفرد المغترب في أتون حروب نفسية تتميز بالاضطراب وانعدام الثقة بالآخر، فالقسوة هي أم الاغتراب وحاضته، وفي واقع يتربص بالفرد في حاجاته وطموحاته، لن نجد مستوى متميزاً ينجزه ، بل سنجد محاولة مستميتة للهروب والابتعاد ،إننا أمام اغتراب فردي تنغمس فيه الذات في الجماعة وتتماهى به لتنسى ذاتها وعالمها، فالقلق من الزمن ومضيه ، يمثل تحدياً وكسر القيد لرؤية آلام الآخر والتشبع في إزالتها ، سعي لمداوة الألم الذاتي وخلود للارتياح بفعل العطاء، نجد أن الحرية تتلخص في سعي الذات لفهم احتياجاتها من خلال علاقتها بالآخرين الوجود، والخلاص من القلق الوجودي من الموت ، التلاشي والشعور بالأسر، أي العبودية لفكر أو اتجاه ما والتفاني في الإخلاص له، إن المرء الذي يعقد جسوراً مع الأفكار الجديدة هو الأقدر على مواجهة آفة الاغتراب، وهو الذي يستطيع التمتع بخاصية التكيف والتأقلم ، إذ لعل أزمة الإنسان الجوهرية تتمثل بصعوبة التجاوز، تجاوز المسلمات، العقائد ، الصورية في التشبث بالمنطق والنزوع المستميت لاحتكار اليقين،يتناسى الوافدون أنهم ليسوا في بلادهم، وإن حروب الهويات بلاشك قابلة للنشوب في كل مكان وخارج الحدود أيضاً، ولاشك أن التصادم يحمل في جذوره إشكالية مضمونها سعي السلطات
القوموية المركزية إلى تأصيل النزاعات الأهلية التي تضمن لها بقاءها وامتيازاتها ، فبوجود الفئات المعدمة أو المرتهنة لها، يمكن تحقيق النفوذ المادي بسهولة، ولا يهم إن كان ثمة ضحايا، فإن أعداد الغافلين والمغفلين تزداد بإطراد بالتزامن مع وفرة الرعاة السيئين ، ممن يحرصون على بقاء الأزمات وتسيدها عرش الدول لفترة طويلة، ثمة صراعان ضاريان يسودان الشرق الأوسط، وهو قوى تحرص على إنعاش مفهوم التسيد العرقي أو المذهبي أمام قوى ضئيلة الإمكانات وهي قوى النقد تنجر هي ذي الأخرى لفخ ذلك التسيد على نحو أكثر تشويه وزيف، أما صوت المتنورين المعرفيين فلا يكاد يسمع لحدة الصخب الذي جسدته حالة التصادم العنيفة بين الفئات الجماهيرية ، فالتعامل مع المشاريع الديمقراطية كبديل سلطوي ، أربك من فعالية هذه الرؤى والتصورات، بصرف النظر في أنها أحياناً قد تكون باعث سعادة وثقة لأعضاءها وروادها، إلا انها في الآن ذاته قد تضعهم في شرك الاستبداد والإقصاء، لقد جعلت الهويات الأفراد المعتنقين لها في حالة من عزلة مرضية خنقت التواصل الإنساني وأوغرت في صدور المنكوبين مشاعر الضغينة والكراهية عبر مراحل تصل بهم إلى حمل السلاح والتصادم المباشر، فالمجتمعات غير المتجانسة تهدد الأمن والاستقرار بوفودها على المجتمعات المتمدنة عبر ممارستها للاحتقان خارج الحدود على غرار العنف الممارس بدولها ومجتمعاتها – الأصلية، حيث نجد الأتراك المؤيدين لنهج الإسلام السياسي الذي يمثله – أردوغان على الرغم من ولادة غالبهم في ألمانيا في ظل محيط ديمقراطي يؤمن بالحقوق والواجبات ، يقومون بتسويق الأساليب والرؤى القومية الضيقة المناهضة لكل ما هو ديمقراطي، هذا التناقض المقيم في ذات هذه الفئة، يدفع المتتبع للدهشة ، ليتساءل عن ازدواجية التفكير فما دامت تعتقد وتؤيد الديكتاتورية السلطوية ، لماذا لا تعود وتعيش في موطنها، بدلاً من تمتعها بمبادىء المساواة والديمقراطية في البلاد التي ترعرعوا فيها واندمجوا بمجتمعاتها ، كيف يمكن تفسير وفهم هذا الانفصام الفكري، في أن تؤيد ديكتاتورية ومركزية الدولة بينما تنعم في الآن ذاته في العيش بدولة المؤسسات والقانون والنظام الاتحادي اللا مركزي، هذا يجعلنا نعي تمترس حماة العنصرية بفكر غير قابل للحياة ورافض للتعايش المشترك ومناهض للآراء المختلفة لصالح أحادية الرأي والفكر وشموليته ، ذلك يعكس فشل الدولة القومية في إدارة التعايش بين الناس ذات الأعراق والانتماءات المختلفة وكذلك فشل الذهنية الشمولية في تحقيق التشاركية على صعيد المؤسسات والأحزاب، وبالتالي فإن القوى التي تعمل على تحديث النظام الشمولي الأبوي ، تعمل بالتنسيق وتقوم بحماية مذهبها وتأصيله في الجماهير من خلال الخطابات الهلامية الزائفة والتي اتخذت من الدعوة للديمقراطية ستاراً لتجميل الاستبداد الدميم، ولن تتوقف بذلك النعرات المذهبية والحروب الأهلية العرقية، وبالتالي لن يتوقف تصدير السلاح وتجنيد الشباب القاصرين وزيادة التفتيت واتساع بؤر الصراع عبر العمل بنمطق ثقافة الكراهية ، إن غنى الهويات لم يعد مصدراً لتشكيل الحضارة وإنما بات أساساً للنزاعات السياسية وتغيير الخرائط وتبدل النفوذ، نجد حروب الهوية استجابة لغريزة التصارع البشرية وهي تتوجه لحماية الخصوصية من خلال محو الخصوصية المقابلة أو صهرها في بوتقتها، حيث صراع الأعراق يعبر عن جشع الاحتكار، الاستيلاء على الجغرافيا والموارد الغذائية والنفطية والمائية، يكفل للطرف المنتصر أن يسود الثروة ويدخر ويستثمر على حساب خضوع الهويات الصغيرة التي لا تمتلك مقومات دفاعية تمكنها من التصدي، فالمنطقة باتت مكتظة بالنزاعات وتقتات على خبز الكراهية، والبديل عن ذلك تطبيق مشاريع مناهضة وحيوية والدعوة لمجتمع معرفي يتطلع للعمل المؤسساتي كوسيلة للخلاص من حرب الهويات العبثي ، حيث خلق بيئة عمل مشتركة تتضمن تلك المكونات من شأنها ان تقلص من احتماليات نشوب حروب على الهوية من الناحية الفكرية والوقوف الجاد على معناة الملايين من البشر بسبب توليد العنف والدمار في مجتمعاتهم، فالأطراف الدولية المعنية بالإعمار من شأنها أن تمنع لصوص الهويات ومستخدميها كوسائل بطش من أن يقوضوا ويدمروا التعايش وبالتالي فإن التفتيت سينال المجتمع وكذلك سيكون انعدام الاستقرار
. وجه الحياة المقبلة
فالشرق والغرب باتا يشتركان في خاصية متشابهة، فيما يخص حال العلاقة ما بين الجنسين بسبب تعاظم المصالح الاقتصادية وضغوطاتها على العلاقات الإنسانية، والتي جعلت العاطفة مستنزفة تنوب الغرائز الجنسية عنها على حساب السمو العاطفي ، فتباين الأنماط البشرية بين الشرق والغرب، ليس بهذا الفرق الشاسع فيما يخص مجال الحب، إلا ان التغييرات السياسية والاقتصادية جعل الحياة مضخة أزمات تنعكس سلباً على أساليب العلاقات السياسية والاقتصادية ، حيث جعل الحياة مضخة أزمات تنعكس سلباً على أساليب العلاقات بين الجنسين،
فالعلائق النفعية باعدت بين الإنسان وطمأنينته وخلقت فجوات في الحياة الإنسانية، حيث الشرق والغرب تتزامن داخلهما حالة القطيعة والتباعد المنفعي، وقلب المنظومة الأخلاقية في المجتمع لصالح كسب المنافع والأرباح،حيث يتم درس الاغتراب بكونه جانباً رئيساً للأدب يتم تفصيله وسبره والحديث عنه من خلال استثمار المشاهد الحياتية والمواقف الأكثر أثراً في مسيرة الإنسان في خضم البحث عن عالم أكثر جمال ،
ادخرت السلطة البعثية كأنموذج مثالي للديكتاتورية القومية الألم كخبز رديء للشعب، وهكذا تجد في رسوخ الألم ضمانة لتحقيق وجودها، فلكي تؤمِّن أسباب بقاءك يجب أن تبطس وتعنف وتزرع الرهبة ، هذه قاعدة الحكم التي تعتمد على نظرية القوة، ومن ثمرات أعمال السلطة القومية أنها جعلت الشعوب الخارجة عن دائرة التفاخر التاريخي، عبارة عن قطعان منسلخة عن بعضها البعض ، لا رعاة مخلصين ينشدون تنظيمها وإنما استخدامها، حيث العقد النفسية التي تتعقد وتتشابك خطوطها بغض النظر عن تبدل الجغرافيا حيث المغتربون سجناء ماضيهم وذاكرتهم، البحث عن العلاقة المتبادلة والمتكافئة لزمها إلى حد كبير الشعور بتكامل وسعة الأفق ، وجودة التبادل المعرفي والعاطفي بين الرجل والمرأة، والتي يمكن القول أنها مفتقدة في ظل المجتمع شرق أوسطي ، بسبب طغيان النظم المركزية على حياة الناس، وسيادة الذكورية كمناخ عام على كافة مناحي الحياة، لهذا يبدو للغافل أن وعيه يقوده ، في حين أنه لا يستشعر خطر سريان الخوف والرهبة في داخله ، وهنا لا بد من أن نجد أن اللهث وراء الرغبات دون وعي ، يسهم إلى حد كبير في ابتعاد الإنسان عن ذاته وتجاهل رغباته المحورية ، بسبب حالة الانفصام التي تقوده ، ونجد الشخصية هنا تنزع إلى إنشاء الانسجام الروحي مع المرأة ، كون ذلك يعيد الأمان المفتقد إلى ساحة اللا شعور، حيث للمحيط دور في تنظيم اتجاهاتنا وميولنا ورغباتنا ، كما أن له القدرة على التحكم في انطباعاتنا وآراءنا على المدى غير المنظور ، إننا بحاجة للغوص في إشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة، فالخوض في ذلك ، يمكن أن نعتبره مجدياً في عصر التفكك الأسري، تبعاً لطبيعة النظام السياسي القائم، إننا نجد الزواج في ماهيته عبارة عن اتحاد طبيعي ما بين المادة والجنس ، بكونهما دافعين رئيسيين للتعايش المبدأي ما بين الجنسين ، وهما المهيمنان على طبيعة الحياة والمنطق الإنساني عبر مراحل تطوره، إن الاتحاد الطبيعي بين الرجل والمرأة متأت من فهم الجنسين لاحتياجاتهما الجوهرية والمتمثلة في الرغبة بالتشافي من القلق والخوف من الموت عن طريق الحب ، فما الحب إلا بديل عن هيمنة المادة والجنس في الحياة المعيشة، لهذا فإن الذات تطمح لأعلى قمة من الصفاء والتوزان من خلال الحب ، فهو بإمكانه أن يحرك الطموحات لدى الرجل والمرأة ، كيف يمكن فهم العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة ضمن حيز الانتفاع والامتلاك؟، بوصف الزواج كمنظومة تتيح ممارسة سلوك الأنانية على نحو مشرعن، يهدف إلى حماية المنافع من خلال إيجاد النسل ، والالتزام الواجب بتربيته وإحاطته بالعناية ، إلا أن نزعة الجموح باتجاه الأنا بشقيها الدوني والسامي ، لا يبقيان شيئاً جديراً على هيكليةالنظام الذي يستند إليه الزواج، حيث صعوبة فهم الآخر يعكس تعقد الحياة في تأمين الاحتياجات إثر عصر المعلومات ووسائل التواصل والقيود التي تفرضها المؤسسات باسم القانون على الإنسان، حيث سطوة الحياة المادية على المرء، وتلك المغريات والتحكم بالرأي والتوجهات أسهمت في سحق منافع الذات أو حالت دون إيجاد أرضية خصبة لعلاقة مرضية قائمة على الوفاق والتلاقي، هكذا يبدو المشهد الإنساني ضبابياً في ظل طغيان النزعة الذاتية وبروز علاقات مشوهة قائمة على احتكار المادة وتعليب الآخر والهيمنة عليه تارة عن طريق القمع المباشر ، أو عن طريق إيهامه بأنه إنسان حر
من هنا أمكن لنا فهم الذات المبدعة في أنها تؤمن بالعمل وصيرورة الحياة ، ولا تنظر للعقوبات كحائل مانع للإبداع والحركة ، وهذه قوة المعرفي بوجه الصعوبات التي تقف في طريقه ويراها من مقومات الإصرار على الفعل المؤثر، فالإيمان بالعالمية ، يمثل تطلعاً مهماً نحو بث الطمأنينة الكونية داخل النفوس المتحررة من سطوة الجغرافيا والانتماءات الضيقة، بمعنى أنه يفرد للذهن مساحة أشمل في فهم الحياة ، باعتبارها ساحة للإكتشافات المذهلة، وتطوير الذات ، فتجربة المفكر أو المبدع أو المبتكر والحرفي في خضم الوجود عبر الأدوات لصيقة بوسائل التواصل والتعبير وفهم الآخرين على نحو مباشر، ولهذا فإن اقتران العلوم بعضها ببعض ووحدة العقل الكلي للبشرية، لم يأت من فراغ، وإنما نتيجة تطلع للأمام وبتجرد ، بمعزل عن التوحش والسقوط في أوكار البدائية الضحلة، إن تجنب السطحية والخواء ، منطق ذكي وباعث للمسالمة ومؤيد للتعايش ونبذ الخلاقات العقيمة بين الناس على اختلاف ألوانها، إن ذلك من عمل المترجم المبدع، لهذا فالمضي للوراء أو استذكار ما حدث غير مجد، حيث لابد من عدم الالتفات للوراء وإنما الاستناد على التجارب المخفقة في إشادة جسر أشد تماسك مع الآخرين من خلال الترجمة والابتكار في حقل العلوم والآداب والفنون ،
لنخرج من دائرة الركود والجمود، ليكن هذا شعاراً حقيقياً في حياتنا المتغيرة كل دقيقة من الثانية ، فالانتصار الحقيقي للذات هو في الركون للمعرفة والحب ، كخيار أول للخلاص الذي نعتمده بغية الخروج من هذا الإحباط ، لعالم أكثر سمو
بحاجات النفس العليا
: أثر العنصرية القومية في صناعة الجماهير المعلبة*
لخلق جسور التواصل مع الآخر ، لزم أن نفرد مساحة الرفد المعرفي لما لذلك من ضرورة في تمتين العلاقة وجعلها وسيلة للإبداع في الحياة ، هكذا يكون لسان حال الذي يترجم الأفكار والمشاعر والرغبات للمقابل منه بطرق تجعله ينشده إليه أكثر فأكثر ،
نجد العنصرية القومية عدوة الإنسانية والأمان النفسي ، فأينما اهتدى الفرد نجده يحمل معه تلك الحوادث الناتجة عن اضطراب العلاقات الناشئة عن صراع الهويات ، وفي هذا دليل على إخفاق المؤسسات الحكومية والعقلية المتحكمة بها في
تعزيز الاندماج الطوعي بين الشعوب، فإن هدأت نيران الحروب الجسدية وفوهة النيران والمدافع، لن يتم بسهولة محو آثار النيران المستعرة والتي مفادها الضغينة والحقد، والتي يتم البناء عليها من قبل النظام المتحكم بمفاصل الدولة التركية منذ تأسيسها، على أسس عنصرية شمولية لا تقيم وزناً للقوميات المتعايشة معها، سيادة العرق التركي وتأصيل ذلك كثقافة رئيسة في المدارس والمعاهد والجامعات، وتعميق نزعة الأنا وتمجيد الكراهية عبر ذلك، تعميق التضخم في الأنا لدى العرق التركي بإيعاز سلطوي متجدد عبر توالي الأنظمة الفاشية ، هو مجاراة لنظرية القوة ، واستعباد المكونات الضعيفة ، تجريدها من مقومات بقاءها ، من أرض وهوية ولغة وآثار حضارية، فالانصهار اللغوي الذي اتبعته الأنظمة التركية كانت كفيلة بصهر الكثير من الكورد في بوتقة اللغة التركية، حتى أن الكثير ممن تم صهره، غير قادرين على إعادة الإحاطة بلغتهم وإيلاءها إيلاءا كافياً وحقيقياً، بحجة أن الوقت قد تأخر على تدارك ذلك، أو عبر أعذار أن لا شأن للغة بالانتماء، وهكذا نجد أن حالة التخاذل تم إيجادها كمحاولة لاحتواء الانصهار أو قبوله وشرعنته، ذلك كان من عوامل نجاح هذه الإبادة الثقافية ، ناهيك من محاولات الدولة التركية في تدمير الآوابد والآثار الحضارية في كوردستان الشمالية ، -حسكيف -مثالاً وبعض الآثار في مدينة آمد- ديار بكر – القديمة، وتدمير آثار معبد عين دارا في عفرين، عدا عن الإهمال الخدمي للمناطق الكوردستانية ونشر الإسلام التقليدي فيها، تأصيل حالة الميليشيات المناوئة للاستخبارات والجيش التركي، والتي تعيث فساداً في كافة مناطق كوردستان، بغية هروب الأهالي وإفراغ المناطق من سكانها وهجرتها المتتابعة باتجاه المدن التركية الكبرى وترك كوردستان مهملة كأنها أطلال مهجورةن غاية نظرية القوة هي تغيير السلوك أفراداً وجماعات، وتحويل ترسانة سلطوية وقودها المجتمع غير المتنبه والممتص بغرائزية كل ما يتم تلقينه عن طريق التربية والتعليم ، فإن تم عبور الدول بالحروب الخارجية والإبادات الجسدية، سيبدأ الانتقال الآلي للاعتناء بمخلفات تلك الحروب في المجتمع ، وذلك بزراعة بذور مفهوم التسيد على الكائنات الأضعف، ويتم ترسيخ مزعم خطير مفاده ، أنه إذ قويت شوكة تلك المكونات الضعيفة والمستعبدة فإنها قد تشكل تحدياً رهيباً على الدولة القومية القوية، كيف حافظت الدولة الفاشية على بقاءها كخارطة سياسية ، عبر شراء الذمم بالمال تارة من خلال استمالة قادة بعض العشائر الكوردية، أو من خلال التصفية وقمع الثورة ، من خلال تأليب تلك العشائر الموالية لها على تلك المناهضة لها، وهذا السلوك يتم تحديثه من قبل أحفاد الطورانية ليومنا هذا ، ولاشك أن الرواية هنا تقول بالبعد النفسي ، أي الآثار الوجدانية الناجمة عن تلك السياسة، إذ لا تستطيع أن تستطرد خارج البعد الوجداني النفسي، لأن ذلك ليس من عمل الرواية، إنما التحليل المجرد بإمكانه قراءة كل ذلك ورد كل رمز لسياقاته وأنساقه التاريخية والفكرية والفلسفية بعيدة النظر والأفق،استمالة العشائر قديماً وإقامة -رابطة الكورد المستقلين 2-حديثاً ، كتبرير مكشوف للنية بالاحتلال وطمس معالم شعب لا ينحني ، يمثل الصراع التاريخي بين أنصار البناء والهدم ، هكذا تفهم الشعوب أن منطق الصراع السياسي بأبعاده العميقة يلخص جدلية الحق والشره السلطوي، الرغبة في العيش وترسيخ ثيمات الحضارة عبر الدعوة للإخاء والتعايش مقابل تلك السلطة القوموية التي لا يمكن أن تندمج بطوعية، لأن أسس بقاءها ككابوس يلزمها بالكثير من البطش والعنجهية ، والتي يصل بها في النهاية لطريق أن تخنق بعضها بعضاً
. وتتلاشى أمام إصرار أبناء الوجود على الحياة والدمقرطة والتحول لبناء قاعدة المعرفة.
لهذا نجد أن مناهضة العنصرية يعتبر جهداً شاقاً حينما تقف الدولة كأداة واقية له تقيه من محاولات الانقلاب والتمرد الجماهيري، ليغدو دستوراً وطريقة حياة، تجلب الكوارث والحروب الأهلية على المدى البعيد فعلى الرغم من أن العالم بات قرية كونية صغيرة، بسبب تطور وسائل الترفية والاتصالات، إلا أن الأفكار القوموية لم تضمحل ، بل يتم تفعيلها وتغذيتها على الدوام ، وزج الجماهير في صدامات عبثية تستنزف في نهايتها الموارد والخيرات لهذا فإن الجهود الموجهة لدرء خطر توغل النظرية القومية وتحويلها لمصدر تفتيت ـ ما زال غير كافياً ومتاحاً ، بخاصة وأن الحكومات ذات الطابع الشمولي ،تتصدى لكل محاولة دمقرطة إن داخل البلاد أو خارج الحدود ومثالاً ما تقوم به تركيا وإيران من تغيير بوصلة واتجاه الثورات الشرق أوسطية وتحريفها لفخ الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، الاستقرار الذي ينشده حمزة ظل حلماً يعتصره أينما غدا، وهو بالتالي يسري كأمنية في أعماقه ، إلا أن صعوبة الإندماج في البيئة الجديدة، نتيجة الاضطهاد السياسي الذي لقيه في موطنه الأصلي القادم منه ، جعله في حالة اغتراب كلية عن واقعه، نتيجة رفض الهوية ، أو التصادم باسمها، ولعل الاستقرار من واجبات المنظومة السياسية في توفيره للناس القاطنين مساحة جغرافيا توصف بالدولة، إلا أن توفير نوع أو شكل الاستقرار، لصيق بمصالح تلك السلطة ، ورغبتها في البقاء عبر استمالة فئة بعينها دون أخرى، وهكذا تلقي الفوضى بظلالها على حركة المجتمع ككل، بغياب فضيلة القانون وقوته، حيث القانون النابع عن إدارة ديمقراطية منتخبة، ووعي جماهيري بالحياة الأفضل،في ظل غلبة العنف والمفاهيم العنفية والانقلابية على مساحة من الذهن الفردي، يمكن أن نجد صلة لا تنقطع بين مفاهيم السلطة الإقصائية وعقل الفرد ، الإبقاء على هذا الجسر، يعني إحلال الفوضى السياسية ، لما لها من تداعيات على السلم الأهلي برمته، حيث يجدر دراسة السلوك الفردي لما للسلطة الشمولية من تأثيرات عليه ، دراسة ذلك تحيلنا إلى فهم الاستقرار دون لبس وغموض، مناهضة تلك الرواسب ، تحتاج عملية نفسية مركزة تتبناها مناخات المؤسسات الثقافية الحرة، وانعدامها يعني الإبقاء على عينات الفوضى بصورة أكثر شناعة، حيث انعدام الوعي بالحياة المجتمعية هو مايسبب ذلك التباعد والاحتراب بين الناس.لابد من التركيز حول مظلومية المجتمع الكوردستاني، وطبيعة المكون الكوردي لما يتمتع به من مزايا تحيله للديمقراطية على نحو سلس، فهو مكون تعايشي يتمايز عن المكونات الأخرى بقربها من العلمنة وبعدها عن التطرف الديني والمذهبي، ودعوة تنظيماتها المختلفة للأنظمة الحاكمة لكوردستان لتبني صيغة ديمقراطية تنظم الحقوق والواجبات، وتعترف بالغنى العرقي والمذهبي وبكوردستان كحقيقة تاريخية، إلا أن سعي العنف الرسمي للدولة القامعة إلى ترسيخ مطلب الانفصال أو الاستقلال جلي عبر حملات الإبادة والتهميش والتي راحت المعارضات السياسية لتلك الأنظمة تحذو حذوها في اتمام الهيمنة على المكون الكوردي من خلال طرح الخطاب الاستعلائي، الأمر الذي جعل الانفصال أو الاستقلال مطلباً ملحاً وناجحاً بمجرد أن تلتف الرغبات الدولية حول تحقيقه ، لأن حقيقة إيجاد مجتمع ديمقراطي لا تتحقق في ظل وجود العنف الرسمي الذي تشنه تلك الدول وتتوافق على تحديثه عبر الظروف والمستجدات، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للتدخلات الدولية والصراعات الإقليمية والتي غالباً ما يدفع الشعب الكوردستاني أثمانها الباهظة ،إن المحافظة على الاستقرار أو التنمية الاقتصادية ، مرتبط بمدى وجود أشكال الاستقرار السياسي المساعد على ضمان ذلك ، إلا أن إفلاس الحكومة الاستبدادية ذات الطابع القومي، لا يمكنها ان تبدو بمعزل عن التقلبات والضغوطات الاقتصادية ، وشبح العجز وتدهور العملة يبقى مخيماً بصورة ما، يجعل الواقع متقهقراً ، ولاشك أن الإنسان أو الفرد ذو الدخل المتوسط سيعاني من تبعات كل تغيير اقتصادي أو سياسي .في ظل وجود التهميش والتجاهل ، والاستعلاء ، هل يعد طبيعياً الحديث عن دمقرطة ناجعة بمفهومها العملي المتجسد؟، إن سطوة النظام المركزي تحول دون إيجاد مناخ بإمكانه أن يعد أنموذجاً صالحاً ومعمماً، فالنعامة التي تغمس رأسها في الرمال، لا تستطيع دوماً أن تحجب عن ذاتها الحقيقة المتمثلة بأن المحيط مدرك وعارف جيداً طبيعة الواقع ورغبات الكبار الأكثر تأثيراً في تغليب المصالح على المبادئ ،. وبصورة دائمة
يمكن فهم العالم الفني بوصفه موقفاً عن تجارب الناس والجماعات عبر تباين تواجدها
. الجغرافيا، مما يخفف من أعباء المؤرخين وصناع التاريخ
الكينونة القومية مبعث ارتياح وقوة إذ عبرها يمكن معرفة أسباب الحاجة للعيش ضمن جماعة ، ووعي ذلك كحقيقة أولية ، كون البيئة والخصوصية اللغوية عماد لعملية التفكير والتواصل مع المجموعات العرقية المجاورة فالأبعد، دلالة الصندوق تشير إلى الوعاء الذي يحتضن الفرد منذ بداية تفتح ذهنه ومدركاته ، ولعل التصارع بين الإيديولوجيات يتم فيما بعد وعبر مراحل ، يفهم فيها الفرد نجاعة وجوده كعنصر للصراع والتنازع،فالأم هو بمثابة الكينونة التي يفتقدها الإنسان المغترب والمضطهد بصورة خاصة، ولا يمكن للمرء فهم الحياة دون سعي لأن يكون وجوده محورياً من خلال النضال الإيديولوجي والذي يتشعب ليأخذ أشكالاً شتى ، أساسها هو أن العالم برمته دول ، والفرد كينونة ، وهو دولة بحد ذاتها، الأم تمثل الجذور للفرد ويكون في حالة تصادم مع شعوره بالحنين لها ، في حالات الاضطهاد السياسي والاجتماعي ، أو الاغتراب بمسماه الفردي أو الجماعي، وعبر ذلك وجب فهم مراحل نشدان الإنسان للكينونة ، حيث تنمو باطراد مع توالد احتياجاته وبلوغه مستويات أرفع لفهم الحياة والآخرين ،لقد تم الاستعانة بالحدس في فهم دنو الموت ، إثر خبرات ذاتية تجعل الفرد مدركاً لحلول الفناء،فاليائس يتوقع مشواراً مضنياً من البؤس، والمتفاءل يجذب في محتوى تفاؤله عالماً أفضل،إن فهم الفرد انطلاقاً من حالة الحدس وعلاقتها بالمستقبل ، عبر شعور التيقن المتكرر، جائز في التحليل واستكشاف بواطن النفس الإنسانية وعلاقتها بالمجهول،نجد إدراك الفرد لجوهر المعضلة وصعوبة دفعها بمثابة موقف فلسفي مضمونه العجز واللاجدوى، ن إدراك الفرد لذاته يعد موقفاُ نفسياً وفلسفياً في الآن ذاته ، ويمثل وسيلة للتعافي والخروج من الدائرة المغلقة التي تتسم بالسوداوية والتسليم بهيمنة العجز عليه، لاسيما وإن إدراك العالم الخارجي ، أمر ليس هين بوجود الاضطهاد الداخلي وعجز الفرد عن تجاوز الخذلان المتفاقم والذي أصاب الذاكرة بعطب يصعب تبديل الجغرافية إزالته، كون ذلك رهين الوقت، فضآلة الاندماج الطبيعي يسهم أيضاً إلى الكبت وهو تعبير عن انسداد الأفق وانطواء الفرد، ولا ينفصل هذا السلوك المضطرب عن الكآبة بوصف الباحث عن الإشباع الجسدي كائناً ينقصه الاحتواء الإنساني أولاً من حب وحنان وتحفيز لأداء عمل أفضل وسلوك ناجع، قبل أن يتركز الهدف بمجمله عن مجرد رغبة محضة لجسد أنثوي ، فلا جنس دون استقرار بالمعنى السلوكي للرجل والمرأة على نحو سواء، لهذا فإن التململ وضيق الرؤية إزاء قدرة الفرد على تحقيق العلاقة المستقرة مع الجنس الآخر، مردها جملة الضغوطات المادية والفكرية المتحكمة في صيرورة التواصل إلى جانب سوء الفهم ، والذي تعكسه مستويات استخدام المصطلحات والرموز والإشارات وتباين فهمها، يجعلنا نفهم ونعي جيداً ما المقصد من عبارة الجحيم هو الآخر التي رددها جان بول سارتر، إن غياب الآخر في معادلة العيش يسهم في زيادة إحساس المرء بالنقص، حيث تسود الفوضى النفسية على نحو يتفاقم مع الوقت ،
إن الواقع الاجتماعي الذي نسعى لتغييره ، ليس هو فحسب جملة الأقاويل والتصورات الثابتة التي يتحلق حولها تلامذة نجباء يصغون ويحملقون ، إنما نعني به نظاماً يعتمد على الاختلافات والنقائض وذلك بنبذ المسلمات والنظر دائما للنصف الآخر من الكأس الممتلئة لهذا فإن النظر لوجهات النظر المتعددة وأخذ شيء من كل وجهة نظر، هو بمثابة فهم عام ونسبي لطرائق التفكير والتوجيه وهو إيمان مريح بالألوان التي تعود لطبيعة الحياة المتقلبة والمتلونة، والتي يهدف المعرفيون والمعرفيات عبر العصور في تشييدها ونشدانها كمذهب يكسبهم الجمال كقيمة والخير كمبدأ إنساني والحق كمعنى من الوجود على قاعدة المساواة. إن التحليق الفلسفي رحلة ممتعة للغاية ولكن إخراج الفرد من واقعه ومن سياق معاناته والتحايل عليها بما يريح النفس ، ليس حلاً ، فالواقع الكوردستاني يلزم الفرد الكوردستاني من أن يدفع الأذى عن نفسه والتي باتت لزاماً عليه أن يتعايش مع الكابوس القوموي الذي يتم عبره مهاجمته وإبادته جسدياً وثقافياً، لهذا يبحث المعرفيون عن معالم حياة تتخذ مساراً وسطياً ما بين الجموح للفلسفة بكونها فن تهذيب النفس والمدركات، والواقع الجغرافي الذي تتعرض عليه مجموعات عرقية من خطر أخرى سلطوية تفتك بها جهاراً نهاراً لتحيلها إلى عدم،إن التكاسل عن فهم الاتجاه أو المعتقد من وجهة مغايرة، تمثل عائقاً أمام قبول الآخر، حيث من السهل التحلق والدوران طويلاً ودائماً حول اعتقاداتنا وإبقاءها مصقولة كما هي، لكن الأصعب هو أن نسير بعكسها ذات يوم، لهذا كان لزاماً على المعرفي أو المعرفية ، من أن تبدوا مشككة في كل ما كانت تعتقد به مراراً استناداً لحجج وقرائن المختلف، إن تلك العملية تمثل تصالحاً مع هرم المعرفة العليا وقممها المرتفعة، يمكن القول أن الاغتراب يدخل في بوابات متشعبة وكثيرة، فالحاضر الذي سرعان ما يتحول لماضي يحيل المتذكر إلى أن يفهم الحياة بكونها سفر من مكان لآخر، سفر دون عودة، فالماضي لا يعود والمهاجر أيضاً من المحال أن يعود لذاك الموطن الذي في روحه، فالجغرافيا في تغير دائم ، والوطن الذي يذهب لا يعود، لأنه يتجسد على نحو فكرة في الذهن لا أكثر. تعاظم بؤس الحياة لدى الفئات المغتربة مؤشر خطير لبروز الذات باتجاه ما يجعلها تعاني وتنتكس وتنطوي عن العالم الخارجي بما يحمله من مفاجآت وأحداث كثيرة، لهذا نجد أن تعمقنا بالبحث عن مقولات أهم المغتربين حكمة وفلسفة أو أدباً وفناً ، نجدهم قادرين على إعطاء وصفات طبية مقتبسة عن أوجاعهم وكذلك يمكن أن ينشؤوا جسور تواصل إيجابية، ونعني بها هنا المعرفيات والمعرفيين ممن يستطيعون الولوج بالحياة والتفكير بها من منظار تجاربهم في خضم الأحداث.يمكن فهم العبثية على ضوء اغتراب الناس ولا اكتراثهم بما يعتريهم في مرحلة مزمنة من محاولتهم الكثيرة في اللا اكتراث وتجاهل الوجع، أو الركون إليه ليكون حديث الجلسات أو المنامات التي تعكس حالة النفس المتحدثة عن فصول كآبتها والناتجة عن احتكاكها بالمحيط أو التعامل مع البعيدين عبر قانون الجذب ، والتواصل الروحي، فلو تأملنا العلائق الاجتماعية نجدها موغلة بالصراع والفرقة والانقسام ، لاسيما بجنوح الإنسان إلى الاحتكار والبحث عن مصادر دائمة لأمانه ورفاهيته، بتعارض هذا المسعى مع مصالح الآخرين، ينشأ الصراع، فالحياة حرب، والتصارع اختبار عام وشامل للبشر، والبقاء للأقوى فهو الأجدر ، إلا أن بقاءه قوياً ، يدفعه لإنشاء علاقات وتبادلات منها ما يخص الجانب المنفعي، وهو الأهم ومنها ما يتصل بالقيم والأفكار والثقافات، إن صونها متوقف لمدى قدرة المجموعات البشرية على إبقاء منافعها دون المغامرة بها، مما يدفعنا لخسران المنافع الروحية المتصلة بالأفكار والعواطف، واللاجئون حتماً هم مجموعة من البشر الذين وبسبب الانفجار الإقليمي والدولي على أرض محددة، دفعوا للهرب والعيش في نقطة أبعد من الخطر ، خسروا المنافع، وبالتالي تهددت حياتهم الروحية والفكرية ، فهم يبحثون عن حياتهم المادية بغية ترميم الخراب الروحي الناشئ حتماً عن ضياع الممتلكات المادية ، من هنا يمكن فهم مدى ارتباط المادة بالروح ، إذ
. دون ذلك يقيم العجز ومن ثم الاغتراب الذي يدفع الذات للمعاناة والقلق المستمر
:على ضوء ذلك نجد ما يلي
الحرب الداخلية التي تعصف بالإنسان هي وليدة التصادمات والأحداث التي شهدها منذ طفولته ولغاية فناءه، لا تتوقف*
.بل تهدأ وترتفع تبعاً للمفاجآت
إن كل ما يتصل بالإنسان سببه ما يحدث عند اتصاله بالآخر أو بمجموعة من الناس ، إن اختراق أمن المرء ، يبدأ بفقدانه*
.للثقة تجاه من حوله وشعوره أن العالم بمجموعه متآمر ضده وأن ما من أحد معه
القوميات والأديان وسائل سلطوية لاحتكار الموارد ، ووسائل دفاعية بيد الفئات المسحوقة لحماية تلك الموارد، والخصوصية القومية أو الدينية من خطر
. الإبادة الجسدية والثقافية
الحرب بالنسبة للإنتفاعي والسلطوي ورجل الدين ضرورة لابد منها بغية تحصيل الموارد واحتكارها والبقاء في مراكز *
.القرار والتأثير على الرأي العام، فهم يعتاشون أولاً وآخراً على التناقضات البينية بين كافة شرائح المجتمع
بتأملنالكل الشخصيات التي استجلبها الكاتب واستنطقها، يمكننا فهمها من زاوية جد ضرورية، وهي أنهم من مخلفات*
الحروب السلطوية، وإنهم معلولون بسبب الضغط واحتدام التنازع، واستثمار كل المبادئ والقيم والاتجاهات لأجل
. السيطرة واحتكار الحياة، أما الفئات المعدمة فهي وقود للمعارك الشرسة قديماً وحديثاً
إن اللاجئين هم من مخلفات الحروب، يطمحون لنمط الحياة المستقرة، لكنهم يعيشون نفسياً أحداث الحرب ، بمعنى *
آخر يحملون مفاهيم الحرب الموغلة في العقائد ، الأديان ، الاتجاهات والطبقات، وهم شرائح مندمجة نسبياً، أما الأطفال فيسعون لبرمجتهم حسب قالب الصراع، عبر استحضار البيئة التي جاؤوا منها، إلا أن صراع الثقافات والأنماط المعيشة لا يتوقف، يقود المنهج النفسي للنقد لضرورة فهم الدوافع والنوايا الفردية للإنسان تبعاً لسلوكه وما يطرأ عليه من تحولات وتبدلات، إن هيمنة نظام الرجل عالمياً، يعني عدم التوقف عن إنتاج معاناة المرأة ، وهو يعني زيادة الأعباء وتسارع الضغوطات الناتجة عن عجز كبير لدرء مخاطر الاحتكار والجشع الربحي،كذلك فإن هيمنة الذكورية على المجتمع الشرق أوسطي ، لن يفسح للمرأة الإخلاص في الحب ، بسبب ضغط العادات والتقاليد ، إلى جانب تفاقم البطالة بين الشباب وتصاعد العوز المادي، في ذلك لن نستطيع إيجاد متنفس طبيعي للعلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة، إنما سنجد علاقات استهلاكية تتم وتتوج في ظل جملة المنافع النابعة عن العلاقات العائلية أمكن فهم طبيعة النظام السياسي وكذلك الاجتماعي كونهما مترابطان ولا غنى لأحدهما عن الآخر، لهذا لن نجد إلا ذلك التشابه في الأدوات بين مريدية تسعى السلطة تثبيتها في جماهيرها وبين مريدية تلك الأحزاب المعارضة، والتي أنشأت جهازاً سلطوياً مشبعاً بالتقاليد الذكورية، التي طوعت الشباب لتحقيق مبتغاها الإيديولوجي دون تحقيق أثر يذكر في تبني المعرفة والتنوير وتطوير ذائقة وذهنية الجماهير، إنما نجد ابتعاد الجماهير عن القراءة دليلاً على استغلال التنظيمات لها ، عبر زجها في أتون أغراضها الدعائية.، نجد أيضاً ذلك الاستغلال التكنولوجي للإنسان ومحاولة تعليبه وترسيخ تبعيته للآلة، ن الحرية التي يبحث عنها الإنسان تشابه إلى حد ما لسعيه المخنوق للبحث عن معنى للأوهام التي يرتأي أن يجد لها موضع أثر في واقعه، وكأن ذلك النشدان يعتبر إبرازاً لخوف من المجهول، ذلك المتعلق بشق الموت أو المرض، وهذه الحرية تعد إشكالاً على ضوءه تنبني آفاق المعرفة والإبداعي في مجال الفكر والعلوم الإنسانية ، فانتصار الذات على الألم والعكس يمثل غاية الكتابة حينما تتعدى كونها هالات لغوية ، وتغوص ملياً في مشكلات الإنسان وما يعتمل النفس البشرية من مشاعر وتناقضات وأهواء جارفة سيطرة الإرادة المعرفية على الذات ، إيمان بالحياة ورفع لمستوى أهمية صناعة الفعل، هكذا يمكن فهم العالم من بوابة الفن والعلوم الإنسانية ، بوصفه ثورة تنويرية قادرة على لجم منظومة السلطة المركزية، إنها إرادة جمعية يجتهد في إشعالها مجموعة أفراد يتحلقون حول طاولة المعرفة السامية ، نحو هدف جعل الحياة مساحة آمنة وغنية ومتنوعة، عبر التخلص من أغلال الفكر الشمولي السائر نحو عبادة الفرد على غرار تقاليد الأديان التي حكمت الشعوب
. وجعلتها تعيش في غيبوبتها وانتماءها للموت
: سبل بروز المجتمع المعرفي*
إن صناعة الحرية ترتبط بشكل فعلي بثورة الرجل والمرأة على حد سواء، وهكذا يمكن فهم رؤية الحب وجود والوجود معرفة بوصفه كامناً في كل النتاجات الحية للإنسان من فكر ونقد ومسرح ورواية وشعر، أثّر على الإنسانية ونقل تجارب الجماهير على مر التاريخ، إن الخوف الفكري كامن في التشبث بعقيدة يجد فيها المعتنق انها المحور في حين أنها إمكانية نسبية محدودة بحدود، فدعاة الحل أبصروا الخلاص واقترفوا إثم تشبههم بوجهه ثم أعادوا المجتمع لطور اتباع الأولياء والشيوخ، فحققوا سلطة التعنت والتخبط في فلك النظري، حتى ساءت أحوال دعواهم للحل، ان كل عقيدة تحتمل أن تكون أشبه بعقار طبي له ما يفيد متعاطيه كما أن له تأثيرات جانبية، إن أشد ما يكبل المجتمعات ويحقنها بإبر النصر الوهمية هو ما يجعلها تتحلق حول قناع المخلص، اذ تتناسى مدى امكاناتها ان أعملت في سياق رؤية معرفية يتسيدها كل المعرفيين على اختلاف انماط
. فهمهم للتحرر من سطوة تأثير الخوف في حياتهم
إن ثورة المعرفيين الحقة هو لأجل محو آثار الدونية والشعور بالنقص أمام المتفوق أو المنتصر الحامل لمقاليد السلطة والمهدد بها انتماءات الآخرين، ولابد من فهم تلك الثورة انطلاقاً لحاجة قصوى في ترميم الإنسان درءاً للخلل المرافق لعملية أدلجته وقولبته بما يتناسب ومنهاج السلطة ، ففهمنا للإشكاليات العميقة للمجتمع وإيماننا بنجاعة تغييره ورفع الدونية عن المرأة الشرق أوسطية يشكل باعثاً لتوليد الأفكار ونشوء الشخصية غير المرتهنة، فالفرد ينظر لأمه ، كمثال في بداية نشأته، وينظر للآلة السلطوية الباطشة كيف تعمل في تربية البشر على مذهب الاحتراس والخوف، فتعمد لإلهاء الذهن عبر البطالة والفقر، وإهمال الخدمات، ونشر الفساد كطريقة لشيوع الفوضى الاجتماعية، لهذا نجد المعرفيين إلى جانب المعرفيات ، منقسمين يلاقون مصائرهم فرادى، لا تجمعهم مؤسسة، ويعانون التشتت الذي من شأنه إضعاف حيوية الأمة، وجعلها تتخبط في أتون شقاقها وانقسامها السياسي، والذي فرضته النظم الشمولية عبر الخوف أو شراء الذمم، فالمعرفي الحر يحتج ، يؤمن بسلوك الاحتجاج والدعوة للمناهضة كطريقة للصحوة ويقظة الخائفين، وتشكيل نواة لمشاريع بوسعها إيلاء الأفراد المساحة الكافية للنهوض، والتخلص من دونية الإحساس لدى المرأة والرجل على حد سواء يبدأ ببعث نهضة المعرفيات القادرات على مشاركة المعرفيين مهامهم المصيرية في قيادة المجتمع وتربية الجيل على مذهب التحرر الفردي من سلطة الإيديولوجية الحزبية أو السلطوية في الهرم الأعلى، عبر الإشادة بالمعرفي الحر ، والكف عن تمجيد القائد الواحد، بغية إنتاج قادة يخدمون ويعملون بصمت، لا انفصال أبداً بين قضية تحرر المجتمع من براثن السلطة الشمولية ذات النمط الواحد
الاحتكار الايديولوجي: محاولة لقولبة اليقين وتجميله بوصفات واجتهادات يحاول الأتباع إلباسها ثوب الحقيقة التي لا تحتمل الجدل، بينما يتصدى المعرفيات والمعرفيين لتلك المحاولات تاريخياً ، وقضى غالبيتهم نحبهم جراء محاكم التفتيش التي امتهنت تعذيبهم وحرق مؤلفاتهم، فمهما تعنت المؤولون في تجميل السلطة وإلباسها ثوب المصلحين والفلاسفة إلا انهم فشلوا، حيث فشل أتباع نظرية البعث5 في تحويل حافظ الأسد6 أو صدام حسين 7 إلى فيلسوف، رغم أن من يتأمل خطاباته، يستنشق فيها رائحة النضج الفلسفي، وقد فشل الناصريون أيضاً في إلباس دور المعلم لجمال عبد الناصر 8 بدليل أنهم توقفوا عن إنتاج غيره ، حيث لا تستطيع النظم الشمولية أو الذهنية التعسفية الأبوية إلا ان تنقل ضعفها وأنانيتها واستماتتها في التشبث بالسلطة ولو على حساب الجماهير وتخلفها وخوفها،فجميع النظم الشمولية التي تصر على إلباس السلطة رداء الفلسفة تعجز عن التغيير والدمقرطة، وتخشى من المعرفيين إجمالاً وتنبذهم ، ويمكننا القياس على هذا المثال في مختلف تلك الحركات الثورية التي سقطت ما إن بلغت السلطة
تباين المكان : نعرف أن الاختلاف الجغرافي ، يسهم في التعرف على خليط من شعوب وتقاليد ومفاهيم وكذلك ثقافات، إلا أن ذلك رهين التأقلم وصفاء النفسية لدى الفرد، إن نقل المعضلات الداخلية للخارج شيء طبيعي ولا ينفك عن حياة الفرد الذي تعرض للاضطهاد والجور من خلال المؤسسة السياسية التي كان من المفترض أن تنظم حياته وتوفر له أمنه واستقراره، لكن العكس هو ما يحدث ، حيث الخوف والاضطراب الذي يبقى طويلاً في النفس ولا يبرح الذاكرة ، فالكراهية الناجمة عن هذا التصادم السياسي المنفعي تتأصل في الأعماق ويصعب من الاستحالة مناهضة النظام الاستبدادي كونه استوطن العقل بسند مقدس يدعمه، ما الذي يفسره انقياد الجماهير الأعمى لقائدها الواحد الذي يشغل أحياناً سلطة روحية لا يمكن دحضها لا سيما وإن الفرد يتربى في ظل بيئة تمجد الفرد وتخصي عقل الأتباع وتشغلهم في مهمة اتباع تعليماته وتوجيهاته أياً كانت وفي أي ظرف، مما يسهل على العدو التحكم بالجماهير بواسطة القائد الروحي، عبر اعتقاله، أو توريطه بجنحه ونزواته ، مما يضطر لأجل الحفاظ على السمعة والمكانة أن يحقق ما يريده الخصوم والأعداء، لكن وفي ظل ركوع الجماهير بغالبيتها لخطاب القائد وأعوانه، يصبح الحديث عن أي ثورة ذهنية مضيعة للوقت ومجرد هراء قديم أو حلم بتحقيق الجمهورية الفاضلة
المعرفيون في خطر: إن انقياد الجماهير الأعمى لدعاية القائد المبجل والحكيم تأصيل للمفسدة الروحية والتشويه الفكري عبر شرعنة الانقياد واعتباره واجباً وطنياً، وبذلك يصبح المعرفيون في خطر كبير، ينقسمون ويتشظون ويصبح من الصعب جمعهم على كلمة ورأي، يتحول قسم منهم إلى مشاريع مرتهنة تجامل وتحابي السلطة رغم كراهيتهم المبطنة لها، والبعض الآخر ينسحب تماماً من المشهد، عبر مغادرة الموطن ، أو الصمت ، أو أحياناً المغامرة دون تنسيق وإمكانيات تقدم للتغيير، الرواية تقدم العديد من التساؤلات وتفتح أبواباً يمكن الولوج عبرها لسبر القضايا المتعلقة بإشكالية الهجرة والاغتراب، وكيفية تحول الهجرات من فردية تخص الفارين سياسياً من بلدانهم ، إلى قضية هجرة جماعية من أتون الحرب والدمار الذي طال كل شيء والمثال الجلي هنا سوريا
التلاؤم: إن الحديث عن الخارج بكونه مساحة للتلاؤم على عكس آلام ومخاضات الداخل أي الوطن، غير دقيق، فالمضطهد يحمل ذاكرته معه أينما ذهب، والذاكرة تعتبر وعاء يختزل كل مشاهد وأحداث المرء داخل وطنه وخاصة مراحل نشأته الأولى، لهذا فذاك يخبرنا ان العالم وإن صنف جغرافيا بين شرق روحاني وغرب عقلاني، إلا أن وفود الجماعات واختلاطها لن يبقي الجغرافيا مستقرة ولا مصادر المعرفة بل سيصبح كل شيء في فلك الاندماج مما نجد أن التغييرات النفسية ستنشط نحو الانفتاح بين الثقافات وتصبح الجغرافيا في ظل ثورات التواصل الاجتماعي مفتوحة أمام شتى الانتماءات الجديدة التي قد لا تستطيع الخطابات العنصرية ومن يروج لها ، الحد من هذا الاندماج والتلاقي إلى جانب التنافر ومحاولات الهيمنة وإكساب الناس على اختلاف ألوانها ثوباً واحداً يحيلها للخضوع للمركزية الأوروبية فمع ازدياد البشر تزداد الحاجة للفهم والتواصل، وتضيق الحلقة على القومويين ، كون حراكهم لا يماشي طبيعة الواقع القائم على الهجرات والحروب التي تطال آثارها على كل البلدان ولا سيما التي تمتلك مقومات الانتعاش الاقتصادي، إن التسلط الممارس على المجتمع ، لا ينفث إلا سمومه في أذهان الأفراد، ليجعلهم ضحايا للعبة الفرار، والهروب من حالة التصادم
الضغط النفسي وعلاقته بالاغتراب : يسهم في فهم الواقع الجديد كامتداد لإرهاصات تعرض لها الفرد على مراحل، لاسيما وأن التعب الداخلي نتاج منظومة مجتمعية تتمايز بقطيعتها عن التواصل مع شبكات اجتماعية متعددة بسبب صراع
. الطبقات المناوئة للسلطات ضد المناهضة لها
حيث نشهد ذلك الصراع الجلي بين المرهفين التحليليين المتطلعين لمد الجسور وبين الأنانيين السلبيين المتولدن من بطون السلطة القامعة بوجهيها الاستبدادي الشمولي أو الديمقراطي الليبرالي، نظامين يتمايزان عن بعضهما بعضاً ثقافة ومنهجاً وأسلوباً، في وضع يدهم على الحياة كافة عبر اسلوبين مختلفين، القمع المباشر والعبودية الناعمة، إلا أن الإنسان الشرق أوسطي يختار الهجرة والاغتراب وقبول الاندماج على مضض، حينما تصبح البلدان الشرق أوسطية كتلة من الجحيم، تستعر وتتلاطم بشرائحها
. وأعراقها ، ليصبح الصراع ديدنها وتكون الأرض ساحة صراع قصوى
: حيث يتحول الوافدون بعد ردح من الزمن إلى سكان أصليين، ويغدو الحديث عن التفاخر العرقي ضرباً من ضروب التزمت أو التعنت الإيديولوجي، فنشوء الحضارة جاء إثر هذا التلاقي بين الأقوام المختلفة بجانب الصراعات التي لم تكن لتنتهي، وكانت في كثير من الأحايين تنشأ لتقتات على كدح المعرفيين ومنجزاتهم في تحقيق ذلك الاندماج الطبيعي بين الناس على اختلاف انتماءاتها ومشاربها،
العنصرية كتيار رافض للتعايش المشترك يعتبر من مخلفات الحروب والنزاعات الأهلية التي تنشأ بين الأكثرية والأقليات، وله آثار نفسية مزمنة في دواخل الناس ممن يعانون من القمع، لعل الهجرات الناجمة عن الاضطهاد السياسي تتصل حقيقة بتنامي العنصرية كمبدأ حياة تتبناه الأحزاب أو الدول الباحثة عن امتيازات أكبر واستحقاقات نابعة من اعتقادها بأنها صاحبة المجد التاريخي والمؤهلة دوماً للريادة في كل حقبة أو مرحلة ، إذ تشكل العصبوية كمناخ ملائم لنمو العنصرية والشعور بالمغايرة عن باقي الألوان الاجتماعية أو القلق على الثقافة والسلطة ومركزية الحكم، فخوف الأتراك من الكورد في اعتقادهم يكمن في أن الكورد يشكلون خطراً على الأوطان التي تقسمت جغرافية أرضهم التاريخية فيما بينها، ليكون الكيان الكوردستاني بمثابة الكابوس الذي يجب اتخاذ تدابير دائمة في مواجهته، واجتثاث محاولاته لإنشاء الكينونة على الدوام، لهذا فالعنصرية الشرق أوسطية تعادي الديمقراطية وتدعم الدولة القوموية الاستخباراتية ، تلك التي ما تلبث أن تقحم الدين بصبغته المذهبية كوسيلة للحكم وضمان ولاء الغافلين أو المنتقدين عبر بوابة الإسلام السياسي، فالعنصرية الأوروبية جاءت كرد فعل عن الهجرات الوافدة لبلدانها، ونعني بها العنصرية الحديثة التي تتنامى ببطء مع مرور الزمن ولاشك أن الحرب الأهلية في سوريا، توقظ النزاعات خارجها، إن في تركيا أو إيران أو حتى عموم العالم العربي والبلدان
. الإسلامية التي تعاني من الفقر والفساد والبطالة ، حيث تشكل بنية خصبة لتنامي الجماعات الإسلامية العابرة للحدود
تتصدى الرواية لموضوع نظام الكراهية التي اعتمدته تركيا عبر حكوماتها المتعاقبة وكذلك النظام البعثي البائد في العراق جعلوا الخوف في عموم كوردستان بمثابة دوامة الإنسان الكوردستاني التي لا ينفك منها ، وكذلك نجد أن صناعة الجسور هو عمل كوردستاني بامتياز حيث يتقن كل كوردستاني لغة الجزء الذي ألحق وطنه به، فهو يتقن التركية والفارسية والعربية إلى جانب لغته الأم ، ويعتمد وفق حالته تلك نظام تواصل طبيعي ، فالاعتقاد بتفوق جنس على آخر في ماهيته تعبير اقتصادي هدفه احتكار الموارد والسيطرة عليها عبر مبررات إيديولوجية تغطي على الهدف الحقيقي من تغذية الأتباع بالعنصرية، أما المسير باتجاه مناهضة العنصرية يكمن في معرفة اللغات والتواصل مع الشعوب عبرها بغية التصدي لحالة القتاة المسيطرة على الفئات التي تتبع الإعلام السلطوي الموجه لإثارة غرائز الغضب والكراهية والانتقام لدى الفئات المتعرضة دوماً لعملية الإخصاء المعرفي وهو معنى مجازي للتجهيل المعادي لقيم التنوير، حيث أن فكرة تقسيم الناس إلى فئات عليا وأخرى دونية ، رغبة ممنهجة لتبرير الصراع وتغليفه إيديولوجياً، ليكون الطريق للاحتلال والسيطرة أكثر يسراً، فلا مبرر منطقي لما قاله الألماني عمانوئيل كنط 9 1724-1804 حينما أضاف لنظريته المعرفة، حين قسم الأجناس البشرية حسب اللون وجعل أكثر الأجناس تطوراً وذكاء ومساهمة في بناء الحضارات هي الأجناس البيضاء ، تليها الأجناس الصفراء ثم الأجناس السوداء ثم تأتي الأجناس الحمراء والهنود الحمر وشعوب القارة الهندية كأسوأ الأجناس ذكاء وأقلها تطوراً حسب تعبيره، فالفلاسفة المرتهنين لأجندت سلطاتهم أعطوا مسوغاً للهيمنة والتوسع ، فنجد الانكليزي ديفيد هيوم 10 1711-1776 بإقصاء الأعراق غير الأوروبية فيقول : “أنا لا أشك أبداً أن الزنوج وجميع أنواع البشر هي بالطبيعة في مستوى أدنى من الإنسان الأبيض" وقد ذهب يوجين فيشر 11 1874 -1976 لفكرة تعقيم البشر والقتل الرحيم للمعوقين وإبادة اليهود، فهذه المواقف المظلمة لا تمت لحقيقة الإنسان المعرفي في شيء وإنما تتجه عكس سفينة الإنسانية والسلام الإبداعي الذي نعني به تشييد أعمدة الفنون والصناعات والإبداعات لأجل العيش الإنساني المنصف وتحقيق التمنية لما
. فيه من خير كافة الطبقات والشرائح وحماية مكتسبات الإنسان العاقل في كافة أنحاء الوجود المتقن
لقد تخطت أوروبا فكرة عدم التزواج من الشعوب الأخرى وذلك بعكس ما ذهب إليه الفرنسي آرثر غوبينو 12 1816-1882 والذي كان يعتقد أن اختلاط الأعراق وتزواجها هو السبب في انحطاط الحضارات، حين يقول : „الآرية تنحدر عبر الاختلاط بالفنون الزنجية" نجد اليوم أن الاندماج وتعدد الثقافات والحضارات تسهم في إطلاق العنان للمواهب والأفكار والبروز في العالم بلا حدود أو قيود، حيث نجد المعرفي البريطاني تشارلز داروين 13 1809-1882 في كتابه أصل الأنواع، قد طور نظريته ، حيث رفض تقسيم الناس إلى فئات عليا وسفلى ، لهذا فإن المعرفيين الذين يعملون مداركهم ومواهبهم لمجتمع معرفي أفضل هم الذين يتمتعون بكامل الخصائص التي تحيلهم للبقاء والتفوق، لتكون الفئات المتخمة بسموم التطرف الديني أو القومي ، محكومة بالكسل والدنو الأسفل، والتي باتت عبئاً زائداً في الوجود ، وهي تقتات على الكراهية والعنصرية وأحلام التفوق المادي العرقي، فهم من رواد التوحش والمذابح الجماعية والتهجير القسري، ولا يستطيعون التعامل مع الاندماج بروح عصرية، كونهم فئات ابتعدت عن المعرفة مقرونة بالأخلاق، فالبقاء للمعرفيات والمعرفيين مما يزيلون العوائق عن طريقهم ويؤمنون بمبدأ الاتحاد بين الرجل والمرأة، دون تبعية ودونية وبعيداً عن الفرويدية ومشتقاتها، فالبقاء للمبدع خلاص للوجود، ونهاية للتسلط والتآمر على العقل من بوابة صناعة الخوف، وقد اعتبر القوميون الشرق أوسطيون من عرب وفرس وترك ومن على شاكلتهم الشعوب التي يحكمونها على أنها عصابات تتبع الخارج، وينبغي اجتثاثها وقمعها أو صهرها في بوتقتها، فها هو المعرفي جورج طرابيشي 14 يقول : „ ثمة منظرون قوميون ذهبوا إلى إنكار واقعة الأقليات إلى حد اعتبارها من صنع الاستعمار، فالأقليات لا ماهية لها في ذاتها، بل هي في أحسن الأحوال مجرد رواسب تاريخية، بل مستحثات ينبغي أن تخضع من جديد لقانون التفتت والذوبان ثم الاندماج، وهي ليست بحال من الأحوال علامة تنوع ومصدر غنى حضاري" هكذا تمت تجزئة المجتمع ، وتم بث الرعب في حياة الناس، وتجسد العنف كغطاء عام ارتدته السلطة القومية كالنقاب،
لقد انتصر المعرفيون الأوروبيون لحكمة التنوع والتلاقي الإنساني والتبادل الثقافي بين الأمم، انتصاراً لقيم الإنسان العاقل في الوجود فنجد المعرفي الفرنسي كلود ليفي ستراوس 15 1908-2009 يصوغ نظرية العرق على نحو مضاد فيرى : „تنوع الثقافات الإنسانية يجب ألا يتم إدراكه على نحو ساكن، لأن المجتمعات البشرية ليست وحيدة ، وعندما تبدو في أقصى درجات الإنفصال ، فإن ذلك يأخذ أيضاً شكل الكتل أو المجموعات " حيث أن ذلك تأكيد على انتصار قيم التنوير مقابل
. هزلية وهشاشة مزاعم العنصريين وضيق أفقهم

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي