فواكه ماجد السفاح

قحطان الفرج الله
2019 / 7 / 20

"گطان احميد صرت آنه"
(وحميد هذا سيد كان يصيد السمك، اخرج (سليّته) ظهر فيها عربيدا)
لا يزال الأدب الشعبي مهملاً في العراق، ولازالت أرضه بكرًا لم تمتد لها يد لتنقب في صفاته وتحليل ميوله واتجاهاته، "الأدب الشعبي في العراق واسع في مداه، متباين في اتجاهاته مختلف في ضروبه، غير أن الضرب السائد والشائع منه والذي يجذب انتباه الناس هو الشعر الشعبي" هذا ما يراه عامر رشيد.
لكني اعتقد أن الشعر الشعبي هو المادة الخام المشكلة للكثير من فنون الاداب الشعبية والفولكلورية في العراق، والمساهمة في تعدد أطوار الغناء والرقص والتلحين. وهذا لا يعني عدم وجود محاولات جادة لدراسة أنواع معينة من فنون الأدب الشعبي اخص بالذكر الجهود الكبيرة التي قام بها (الأب انستاس ماري الكرملي) في جمع الأغاني العامية العراقية، وقام بشرحها وضبط ألفاظها بجهد كبير الاستاذ عامر رشيد السامرائي، وكذلك الجهد الفذ الذي قام به الأديب الراحل (علي الخاقاني) في حلقات فنون الأدب الشعبي والعديد من المصنفات الاخرى، وكذلك جهد الاستاذ (حمودي الراوي) في كتابه الغناء العراقي، وكذلك جهد الراحل (عبد الحميد العلوچي) في المدخل إلى الفلكلور العراقي، و(سعيد الديوچي) في الرقص عند العرب، و(ماجد شبر) في كتابه عن الأدب الشعبي العراقي وَ(عَبَد الأمير جعفر) في الأغنية الفولكلورية، وغير ذلك من الاسماء المهمة، ولا اغفل الجهد العظيم لمجلة التراث الشعبي.
ولكني اعتقد أن ميدان الأدب الشعبي لا يقتصر في محور الجمع والتدوين لانها خطوة أولى على طريق ممتد بمئات الالف من الخطوات التي تتداخل مع علوم معرفية واجتماعية ونفسية عديدة، "إن دراسة الأدب الشعبي يجب أن لا تقتصر على تبيان أنواعه وأوزانه وتثبيت نصوصه فحسب. بل أنها تتطلب بحثا مسهبا وعلميا"
يعتقد الكثير من دارسي الأدب الشعبي إن أول محولات قتله تكون في التدوين، الذي يمنعه من النمو والتطور والانتشار بالطريقة الشفاهية، ولكني اسير مع الرأي الذي ذهب إليه الراحل (عبد الحميد يونس) الذي يرى التدوين مرحلة مهمة تعطي المتسع المطلوب لدراسة الظواهر الإبداعية وتنميتها وتهيئة الظرف المناسب لنموها.
إن مدينة سوق الشيوخ من المدن القليلة في العالم المصابة بعشق الشعر على الدوام، والمنتجة له والمهتمة بتدوينه، ولا اريد أن اعدد اسماء ويسقط بعضها فاقع في حرج لكثرتها واتساعها.
يُعد جهد الباحث والشاعر (ماجد السفاح) هذه المرة لم يقتصر على الجمع والتصنيف والتقصي، وإن كان هذا جهد عظيم لا شك، بل انه حاول تحليل واستقصاء منابع فنون الابوذية وأطوارها ونسبتها إلى مرجعياتها حسب ما توفر له من مصادر، وكذلك رصد ما يرتبط بهذا الفن من أطوار غنائية، وكذلك ما يقترب منه من فنون قد تكون هي منبع تشكيله الأول.
فقد رصد 1347 بيتاً من الابوذية متوزعة في شتى الأصناف والأنواع كالابوذية (المطلقة، والمولد، والابوذية المشط وما يعرف بالزنجيل، والمدور، والمعلق، والمطرز، والمقطع والخماسي، والمنثور او المشطر ... الخ) وكذلك رصد ما تعالق مع هذا الفن من أطوار غناء ك( المجراوي، الشطري، القرناوي، المشموم، المثكل، الجادري وغيرها)، وكذلك رصد الصلة بين فن الابوذية وفن (الهوسة/الأهزوجة) وهو فن يتصل بالرقص الجنوبي المعتمد على دبكات إيقاعية يقوم بها المنشد (المهوال) وجموع المحتفين به.
يطرح ماجد السفاح من جديد بعد كتابه السابق (رحلتي مع الابوذية) سلاله مملوءة بفاكهة مدارس البسطاء والنبلاء معا، دواوين الجنوب العامرة بالخير والكرم، ليقول: اني واضع بين أيديكم عصارة ألم وحبّ وشغف، تعرفوا على ما فيها من شخصية عراقية (إذا طابت غنت، وإذا حزنت أنّت).
إن إزدراء الجامعات العراقية للأدب الشعبي وعدم أفراد كرسي خاص له في الدراسات الأكاديمية، جريمة علمية فادحة لازالت مستمرة تمتد جذورها من عقدة النظرة الدونية لكل ما هو شعبي أو (عامي) بحسب تسمية الجاحظ (أدب العامة، أو أدب العوام) فهل المحتواى الشعبي لا يرقى إلى طبقة التمدن؟ أم لان أسلوبه عامي؟ فان كان هذا أو ذاك فهذه أعذار متهافته لان العامية أصبحت وببساطة أحد أهم مصادر المعجم الفصيح... ينبغي علينا ان نعتمد تعريف الأدب بمفهومه العام لحل هذه الإشكالية دون تحيز أو أدلجة، فالأدب هو التعبير عن التجارب الشعورية بطريقة إبداعية، وذلك التعبير إنما يتم بأساليب متعددة الصور والأدوات، وكل هذا لصيق الواقع.
إن ما يغنيه العراقي اليوم هو من نتاج الشعر الشعبي وعصارة فكر وألم وحب وحرمان اجيال عديدة من الناس وجدت في أدواتها الفنية المتاحة حاجه إشباع فردية وجماعية لا يمكن إهماله على الدوام، فالعامية تخللت جميع الفنون الشعرية والمسرحية والسردية وحتى الإذاعية، أهمالها على الدوام لن يقتلها لن يحجمها، لكنه يعيق تهذيبها وتصنيفها والاستفادة منها علمياً، واجتماعياً.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي