الدين يصنع الأمريكان

في أحد العروض المسرحية في بدايات القرن العشرين (1)وقف أحد الممثلين وهو يجسد دور أحد اللاجئين الفارين من مذابح أوربا الشرقية وصاح :

" أمريكا هي بوتقة الرب ..تلك البوتقة العظيمة التي تنصهر فيها كل أعراق أوربا وتصاغ من جديد ؛ إنكم تقفون هنا جماعة طيبة حسبما يتراءى لى عندما أراهم في جزيرة إلس ..تقفون هنا خمسين مجموعة بلغاتكم الخمسين وتواريخكم الخمسين ؛ حاملين خمسين عداوة وخصومة ؛ ولكنكم أيها الإخوة لن تستمروا على هذه الحال طويلا ..الألمان والفرنسيون والأيرلنديون والإنجليز واليهود والروس في البوتقة معكم جميعا .." ثم تقدم خطوات وهتف : "إن الرب يصنع الأمريكان " .(2)

هذا النص المسرحى وغيره يوضح العقيدة التأسيسية التي قامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية وهى عقيدة دينية صرفة تعاملت مع الأراضى الامريكية كمعادل لأرض الميعاد التوراتية التى تستقطب الشتات من جميع بقاع الأرض - خاصة أوربا – لتحتضنهم الأرض الجديدة ؛ فالنفير الأمريكي يستدعى شعوبا من جميع الآفاق ؛ وهم يجتمعون كشعوب متعددة تجمعهم عقيدة واحدة وفكرة واحدة وهى أنهم شعب مختار من قبل السماء ؛وامتداد لأسباط بنى إسرائيل الذين ينتظرون مواعيد التوراة .هذه العقيدة هي التي صهرت هذه الشعوب المتعددة والمختلفة فصاروا متحدين وملتحمين في البوتقة الأمريكية الجديدة ؛ فالعامل الدينى يظهر بوضوح فى صناعة الولايات المتحدة الامريكية كما نرى .

إذن فأمريكا مرت بمرحلتين :-
المرحلة الأولى : التأسيس واستقطاب الأسباط المشتتين في نواحى الأرض والعمل على تجميعهم في أرض الميعاد الجديدة وصهرهم جميعا في بوتقة واحدة بمعنى أوضح ترتيب البيت من الداخل أولا وفرض عدة مبادئ تحكم أرض الميعاد الجديدة أبرزها "مبدأ العزلة" ضمانا لتمام الإنصهار .
المرحلة الثانية : هي المرحلة التوسعية والتي بدأت فيها الولايات المتحدة بالفتوحات العسكرية وظهرت كإمبريالية غازية تريد فرض سيطرتها على العالم ونشر رسالة الخلاص لجميع الأمم ؛ فالقدر حسبما يرى" التوسعيون " قد اختار الأمريكان لينشروا رسالة الخلاص إلى العالم ويمنحوه الحرية والديمقراطية والمبادئ التي تكفل التقدم والرخاء للشعوب .

هامش --------------------------------------------------------------------

(1) مسرحية " البوتقة " للمؤلف المسرحى الأمريكي /إسرائيل زانجويل Israel Zangwill
(2) الشعب والأمة والدولة ..مدلول العرقية والقومية – تأليف / إدوارد مورتيمر وروبرت فاين – ترجمة أكرم حمدان – نزهت الطيب – دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع .