|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
الهيموت عبدالسلام
2018 / 12 / 31
1/ محكومون بالتفاهة
يشجع نظامُ التفاهة على تمكين اللاعبين ذوي القدرات المتوسطة والمتواضعة والشعبوية على القبول بالعيش والانغماس في الاستهلاك والتكيف مع الأقانيم الكبرى للرأسمالية ،نظام التفاهة يحض على أن تسلم بالفردانية والأنانية وأن تنسى حكاية الاستغلال والاستلاب ، نظام التفاهة يجبرك أن تقيس كل شيء بالمال وأن تصرف القيم الإنسانية بالعملة ،نظام التفاهة يرسخ في ذهن العامة أن تُسلم بالأسس الكبرى للاستغلال الرأسمالي وللاستلاب وماكينته التي تشيئ الإنسان وتحوله إلى حمار طاحونة ،حين هيمنت سلطة التفاهة على كل المجالات فهي لم تحتاج إلى الباستيل في إشارة للثورة الفرنسية ،ولم تحتاج لحريق الرايخشتاغ في إشارة إلى صعود هتلر للسلطة ،ولم تحتاج لرصاصة واحدة في إشارة لمعركة الفجر الأسطورية بين "بونتا" و"براكمار" ، إن التافهين قد ربحوا الحرب وسيطروا على العالم بدون حروب يقول الفيلسوف الكندي "آلان دوونو" في كتابه نظام التفاهة .
2/ جذور التفاهة
التفاهة هي مرحلة من مراحل تطور النظام الرأسمالي الاحتكاري إذ تحولت فيه المهنة إلى وظيفة لتضمن لك البقاء فقط على وجه الأرض،التفاهة هي أن يعمل العامل عشر ساعات عمل في مصنع السيارات دون أن يستطيع إصلاح عطل بسيط في سيارته،وينتج العامل الزراعي غداء لا يستطيع شراءه،وتبيع كتبا ومجلات ولا تستطيع قراءة سطر واحد،إذ أصبح العمل تغريبيا وتشيئيا كما صوره الفكاهي الشهير "شارلي شابلن" في مجلة الأزمنة الحديثة .
مع "مارغريت تاتشر" رئيسة وزراء بريطانيا عن حزب المحافظين يقول "آلان دوونو" بدأت التفاهة في المجال الاقتصادي حيث تم استبدال السياسة بالحكامة ،والإرادة الشعبية بالتقنوقراط ،والمواطن بالشريك ،والشأن العام بالإدارة والتقنية ، و السياسي إلى ناشط ولوبي يعمل لصالح زمرته، وصارت الدولة مجرد شركة خاصة،و صارت المصلحة العامة مجموعة مصالح خاصة للأفراد، والفكر العميق إلى قابلية للتسطيح والتعليب إذ لم يعد في نظام التفاهة الحاجة لكل هذه الكتب المعقدة التي تُظهرك متعجرفا وثاقبا فلتُرح شفتيك وتوسع مقلتيك لتعش حياة البساطة والمررونة! ! ،وصارت قاعدةُ النجاح فيها أن تلعب اللعبة ولكم أن تتخيلوا حضور كلمة اللعبة في كل القواميس وكل المجالات في عصرنا هذا.
يقول "دونو" إن الخبير أفضل تجسيد لنظام التفاهة ، أصبحت صورة الخبير هو بوق للسلطة، مستعد لبيع عقله لها في مقابل المثقف الذي يتحمل مسؤولية نشر القيم والمثل،إن جامعات اليوم أصبحت تموّلها الشركات، فصارت مصنعاً للخبراء، وليست للمثقفين والمفكرين والفلاسفة حتى أن رئيس جامعة كبرى قال مرة «إن على العقول أن تتناسب مع حاجات الشركات»، أو كما قال رئيس إحدى الشبكات الإعلامية الغربية الضخمة، من أن وظيفته «هي أن يبيع للمعلن الجزءَ المتوفر من عقول مشاهديه للمستهلكين»
3/ نتائج نظام التفاهة
إن 80 في المائة من النظام البيئي الأرضي أصبح مهددا بالاختفاء نتيجة أخطر نظام استهلاكي عرفته البشرية ، وأن 50 في المائة من خيرات وثروات كوكب الأرض يسيطر عليها ثري واحد في المائة من أثرياء العالم ، ففي ظل نظام رأسمالي احتكاري تخلى عن قواعد المنافسة التي عرفتها الرأسمالية في القرن التاسع عشر وحفاظا على مصالح هذه الشركات المتعددة الجنسيات كان لابد أن تشجع نظام قيميا جديدا كالطمع والأنانية والخداع والربح والشطارة وإتقان اللعبة بديلا لقيم المواطنة والشعب والقطاع العام والمصلحة العامة والتضامن ،إن تسييد نظام التفاهة وتكريسه كان بهدف أن تستسلم الشعوب والأفراد لهذه اللوبيات ومصالح الضغط والشركات الكبرى.
التفاهة أن تجول ببصرك في رموز الإعلام والفن والسياسة والمجتمع المدني وعن أحوال النخب كلهم يلهثون عن المال .
التفاهة "ثورة" هادئة تأمرك بأن تضع مبادئك وأفكارك في جيبك وتصبح مواطنا تافها قابلا للتبادل من عمل لآخر ،وأن تجيد الولاء والخنوع والطاعة في أنظمة الاستبداد بالعالم الثلث ،التفاهة أن يصير المال هو الإلاه الوحيد الذي تطوف وتحج إليه كل الديانات والشعوب والأمم ،التفاهة تأمرك بأن تقتل فيك القيم والفكر والجدال والشك والطموح والنقد والنضال وأن تعبد إلاه المال الذي أصبح هو" العبد والمعبود والمعبد " كما قال الشاعر محمود درويش.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |