ماذا من بعد الإستفتاء في إقليم كردستان العراق؟

صباح قدوري
2017 / 10 / 5



د. صباح قدوري

سبق وأن أشرنا في مقالنا الموسوم "آراء حول الإستفتاء/ الريفرندوم/ في إقليم كردستان العراق". ووضحنا فيه بان الوقت غير ملائم آلان لاجراء هذا الإستفتاء، وذلك لاسباب ذاتية وموضوعية. وتجدون في نهاية هذا المقال الرابط بذلك*.

والآن يطرح السؤال نفسه ، وهو: ماذا بعد أن تم إجراء الإستفتاء وأصبح في ألامر الواقع وأكتسبت القيادة الحاكمة الشرعية الشعبية لآعلان الإنفصال عن العراق الأتحادي؟. الجواب على ذلك، هو: إما إعلان الإستقلال عن العراق وتشكيل الدولة الكردية و/أوالبقاء مع العراق وفق الصيغة الكونفيدرالية.

أعتقد بان الحالة الاخيرة هي أكثر واقعية وموضوعية في الوقت الحاضروفي المدى المنظور، وذلك إرتباطا بالاوضاع السياسية والإقصادية والأمنية غيرالملائمة في الاقليم، مع إحتدام الازمة بين بغداد وأربيل على خلفية الإستفتاء. كما وإن الوضع الإقليمي والدولي رافض الى حد ما للآستقلال ويدعو الى الحوار الجاد والشفاف مع الحكومة الإتحادية لحل وإنهاء الخلافات الأساسية والمشاكل المتراكمة غير المحلولة منذ فترة وحتى الآن بين الطرفين، ولا سيما ما يتعلق بمشكلة تسوية ومعالجة المناطق المتنازعة عليها ومن ثم رسم الحدود وتحديد الرقعة الجعرافية للصيغة الكونفيدرالية، وإمكانية الإتفاق على نوع من الإدارة المشتركة لهذه المناطق، ومسالة النفط والغاز والمياه والقضايا المالية من الميزانية الاتحادية والضرائب والمعابرالحدودية وغيرها.

ولأجل الوصول الى التفاهمات بهذا الشأن، يتطلب قبل كل شئ من القيادة الكردية الحاكمة والأحزاب الكردستانية وبمشاركة الجماهرية الواسعة، التحضيرالجيد لمجابهة الحالة الجديدة في الإقليم تكون في مستوي المسؤولية العالية تجاه طموحات الشعب الكردستاني في التعبيرعن حق التقريرالمصير. وإصلاح الأوضاع السياسية والإقتصادية والمعيشية والإجتماعية والأمنية والثقافية والقانونية والتنظيمية، ودعم بناء الموسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والدستورية الرشيدة، والإعتماد بالدرجة الأساسية على تقوية العامل الذاتي والإستفادة العقلانية من العامل الموضوعي. وبهذا الصدد، أحاول التركيز على مسالتين مهمتبن، وهما بناء المؤسسات الإدارية والدستورية الرشيدة، مع تفعيل وتقوية النظام الإقتصادي من منظور التنمية الاقتصاديةـ-الإجتماعية المستدامة.

اولا: الموسسات الإدارية والدستورية

1. إعادة جمع شمل البيت الكردي وخطابه السياسي على الصعيد الداخلي والعلاقات مع حركات التحررالكردية في أجزاء اخرى لكردستان. وشجب ممارسة الحساسيات ونزعات الهيمنة والتسلط والتنافس من أجل المال والسلطة والنفوذ، كظاهرة متلآزمة للعلاقة بين الأحزاب الكردستانية حتى اليوم.
2. الفصل بين الجهازين الحزبي والإداري وبين السلطات الثلاث من هيمنة الممارسات الحزبية والمحسوبية الضيقة عليها.
3. تفعيل دور الهيئات الإدارية لمؤسسات الحكم في المشاركة الحقيقية في عملية إتخاذ القرارات، ولاسيما لدورالبرلمان الحقيقي في رسم وتوجيه السياسات الإقتصادية والإدارية.
4. إكمال مسودة دستورالإقليم وإغنائه بالمناقشات من آصحاب الأختصاصات والمشاركة الجماهرية العريضة، تمهيدا للمصادقة عليه من قبل البرلمان الجديد المزمع إجراء انتخابه في شهرتشرين الثاني/نوفمر2017.
5. الإهتمام الجدي بعملية توعية الجماهير من خلال تنشيط دورالمجتمع المدني، وتطبيق قوانين تضمن حق الشعب في أن يقول رآيه بما في ذلك حقه أن يقول ( لا ) عند اللزوم، وصيانة حقوق المواطن العامة والخاصة.
6. تنشيط دور المؤسسات الإعلامية المختلفة لآداء دورها الحقيقي في ترسيخ الممارسة الديمقراطية والشفافية وحرية التعبير، بعيدا عن الهيمنة الحزبية الضيقة. وإيصال صوت الجماهيرعبر ممارستها النقد البناء والدور الرقابي الشعبي، والدفاع عن مطالبها المشروعة.
7. تفعيل دور كل من هيئة الرقابة المالية وهيئة النزاهة المستقلة واللجنة العليا المستقلة للإنتخابات. وإعتماد معايير محددة بما يضمن إختيارعناصر حيادية على أسس الكفاءة والخبرة والنزاهة والإخلاص، بعيدا عن المحاصصة الحزبية الضيقة والمحسوبية والتدخل المباشر في شؤونها.
8. تقاسم السلطات الإدارية في اي تشكيلة حكومية وفق نتائج الإنتخابات البرلمانية الى جانب أختيار الوزراء على أسس الكفاءة المعرفية والمهنية والخبرة والنزاهة والإخلاص للواجب، وليس وفق المحاصصة الحزبية الضيقة كما عليه حتى الآن. إقرارمبدأ تداول السلطة وممارسته في التطبيق العملي.
9. الإنتقال من نظام المركزية الإدارية والمالية الى نظام اللآمركزية لمحافظات الإقليم.
10. توحيد الأجهزة الأمنية والشرطة والإستخبارات وقوات البيشمركة، لتؤدي دورها الوطني المشرف ومهامها في حماية أمن وأستقرار وسيادة الإقليم، ومحاربة الإرهاب باشكاله المتنوعة، والحفاظ على السلم الأهلي.

ثانيا: المجال الإقتصادي

1. الخروج من حالة الفوضى في القوانيين الإقتصادية السائدة في مجمل نشاطات الإقتصادية. تبني الرؤية والإستراتيجية الشفافة والواضحة في عملية التنمية الإقتصادية ـ الإجتماعية المستدامة، وطبيعة فلسفة النظام السياسي كي يستند على نوع من التوازن في التسييرالإقتصادي بين التخطيط والدور الفعال للقطاع الحكومي والإقتصاد السوق.

2. إعطاء تقدير سليم للواقع الحالي، وملاحظة وتفهم المتغيرات الجديدة والرؤية المستقبلية في الصيغة الكونفيدرالية وتطورها المستقبلي، مما يستدعي اعتمادا تدريجيا في مواجهة المتغيرات الجديدة، وتوفر إمكانيات تحديد الأوليات، وتطبيق برنامج الإصلاحات، على نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية وبناء وإعادة الإعمار في الاقليم.
3. محاربة ظاهرة الفساد بقوة بكل اشكاله، الإداري والمالي الممنهج والمنتشرعلى كافة المستويات السياسية والإدارية. وإتخاذ إجراءات حاسمة وجدية لمعالجة هذا الوباء السائد حتى الآن، وذلك من خلال تفعيل دورالمؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية والإعلامية وهيئتي الرقابة المالية والنزاهة ومنظمات المجتمع المدني، لممارسة صلاحياتها بعيدا عن التدخلات الحزبية في امورها.
4. الإنتقال التدريجي من إقتصاد ريعي إحادي الجانب ذو طابع استهلاكي المعتمد بالدرجة الرئيسية على إيرادات النفط الى إقتصاد متنوع ذو صيفة إنتاجية، من خلال إعادة الهيكلية الإقتصادية لصالح القطاعات الإنتاجية، ليكون إقتصادا منتجا للقيمة المضافة.
5. إجراء الاصلاحات الضرورية والمهمة في القوانين والتشريعات المالية والضريبية.
6. تقدير دور مجتمع الأعمال ومنظماته في عملية المشاركة في صنع القرارات الإستراتيجية التي تؤثر وتعجل في النمو الإقتصادي، وتقلل الفوارق الطبقية وتخفيف من حدة الفقر، وتقضي على البطالة، وترفع المستوى المعيشي للمواطنين، وتحقق نوع من العدالة والرفاء الإجتماعيين.
7. إجراء إصلاحات الضرورية والجذرية في سياسة وإدارة وزارة الموارد الطبيعية، بالإعتماد على مبدأ الشفافية وتوفير البيانات والمعلومات والإحصائيات اللازمة والإفصاح عنها دوريا فيما يتعلق بعقود المشاركة للشركات الأجنبية العاملة في الاقليم، وكمية إنتاج النفط والغاز وتسويقها وكل ما يتعلق بالمسائل الإدارية والمالية والقانونية والفنية للقطاع النفطي. محاربة الفساد الإداري والمالي المستشري بشكل كبيرفي هذا القطاع، وذلك في مجال الإنتاج والتسويق والتهريب وبيع مشتقات النفط، والتي تنفذ من قبل المافيات الخاصة بتجارالنفط، وتحت إشراف ودعم مباشر من الأحزاب الحاكمة.

ختاما، إن الطابع القومي لكردستان العراق والاعتراف للشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره، وما أفرزته نتائج الإستفتاء بنعم، والتوجه وبنية صادقة نحو الحوارالجاد والشفاف مع الحكومة الإتحادية عبر رعاية الأمم المتحدة وبضمان من بعض الأطراف الدولية للإنتقال من الصيغة الفيدرالية الحالية الى الصيغة الكونفيدرالية، وبث الوعي لدى الجماهير الكردية لتاخذ قضيتها بيدها من خلآل الممارسات الديمقراطية الحقيقية، كل هذه الامور وغيرها قد تساعد على تطوير الصيغة الأخيرة عبر سيرورة تطبيقها وممارستها، في إطاربقاء الكيان العراقي موحدا وقويا، عن طريق إرساء اسسه على الإرادة الحرة والرغبة المشتركة في العيش المشترك.
إعتماد إستراتيجية بعيدة المدى لمتابعة تطور سيرورة القضية الكردية على نطاق كردستان الكبرى. العمل والتنسيق مع الدول المتوزع فيها الاكراد والدول الصديقة والداعمة للمسالة الكردية في حق الأكراد بتقريرمصيرهم، والمنظمات الدولية ( هيئة الأمم المتحدة، والوحدة الاوربية ومنظمات حقوق الانسان، وغيرها)، لعقد مؤتمر دولي في إقرار وتحقيق حق تقرير المصير النهائي لكردستان الكبرى وإقامة دولته المستقلة في المستقبل.
كل ذلك مرهونا بمدى جدية ومصداقية القيادة الكردية والحكومات القادمة لتحقيق وترجمة المهام المطروحة في الفقرتين الاولى والثانية المذكورتين سابقا الى واقع االعمل في الإقليم.


* http://al-nnas.com/ARTICLE/SKaduri/20k0.htm

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي