الحقائق الخفية عن ثورة الحرية

إقبال الغربي
2011 / 1 / 23

انتفض الزمن في اليمن قال الشاعر محمود درويش سنة
1962
وانتفض الزمن في تونس في جانفي
2011
اثبت الشعب التونسي أن الثورة في القرن الحادي والعشرين لا تزال ممكنة، وأن الرهان علي حيوية الشعوب وطاقاتها الإبداعية ليس دربا من .دروب الخيال
سقط نظام بن علي في مشهد درامي سيقف أمامه التاريخ العربي الحديث طويلا، تجسد في خروج الآلاف من التونسيين في شارع الحبيب بورقيبة .صباحا وانتهى بفرار الرئيس من قصره ليلا بطريقة دمرت هيبته
و في منتصف الليل نادي مناد من أمام وزارة الداخلية متحديا الدبابات و منتهكا حضر التجول يا شعب تونس الذي سجن يا شعب تونس الذي ...عذب ارفع راسك ولا تخاف من أحد بعد، بن علي هرب بن علي هرب


و قد اهتمت الميديا الغربية و العالمية بالحدث و راقبت عن كثب تطورات الأوضاع في تونس لان انتفاضة الكرامة التونسية هذه فاجأت الكثيرين بمن في ذلك خبراء مراكز الأبحاث والدراسات في الغرب، .ومنجمو الفضائيات في الشرق
و منذ تفجر الاحتجاجات و الأسئلة الحارقة التي وجهت لي من خلال ?المكالمات الهاتفية التي تلقيتها هي التالية من يقف وراء هذه التحركات
?و من يؤججها من ينظمها
الصيرورة التاريخية ليست وليدة الأحداث التاريخية المعزولة بل وليدة .نسيج حدثي واجتماعي أي مسار تاريخي كامل
?فمن نظم ثورة الياسمين في تونس

.تقف وراء هذه الثورة الكرامة الإنسانية المتأصلة في أعماقنا -
اندلعت الاحتجاجات عندما أقدم شاب تونسي على حرق نفسه احتجاجا لأن شرطية صفعته وأهانته، وصادرت العربة التي يستخدمها لبيع الخضر والفواكه ، "سيدي البوعزيزي" ،آخر الأولياء الصالحين على خد تعبير المفكرة هالة الباجي ،لم يصوب عنفه نحو الآخر لم ينتقم من مجتمعه لم .يهجم على الشرطية التي داست كرامته و آدميته
محمد البوعزيزي ،إمام الزمان الثائر، تمرد على مسلسل الإذلال و الاهانات الذي لحقه من جراء قسوة الإنسان على أخيه الإنسان و لكنه تجاوز ما يسمى في علم النفس شهوة القتل و الإلغاء فاختار الاعنف وقدم جسده .قربانا للنيران
محمد البوعزيزي نموذج الفرد الحديث ، اختار الموت تحت راية نظيفة دفاعاً عن المظلومين الذين لم يكتشفوا ظلمهم إلاّ على ضوء حروقه البليغة، ولذا لم يكن موته موتا عاديا بل كان شاهد إدانة على النظام .السابق
رسالة البوعزيزي هي الحدُّ الثالث الذي يجمع بين شجاعة القوي وحكمة العاقل،. هي سلاح الضعيف مادياً، لكن القوي بروحه، بعقله، وبشعوره العميق الموصول بأن حياته تعدم المعنى ما لم يرتفع الضيم عن المسحوقين . هدفها هو الإنسان النائم في قلب الخصم، أو على الأقل .ضمير المجموعة التي ينتمي إليها

. وراء ثورة الياسمين حسنا بالمسؤولية الأخلاقية المتغلغل في أغوارنا-
انتصرت الثورة عندما بدأ التونسيون يستردون الأجزاء المعافاة من ذواتهم و التي كانت خاضعة في أغلب الأحيان لاعتبارات المنفعة القريبة …المدى ولمتطلبات الاستهلاك الآنية
ً
قامت انتفاضة الحرية عندما تعاطفت الجماهير مع محنة البوعزيزي ذلك أن الإنسان السوي يعرف بتعاطفه بالسليقة مع أخيه الإنسان و بتماهيه مع .الضحية ضد الجلاد
تماهينا اللامحدود و تعاطفنا اللامشروط مع ضحايا سيدي بوزيد و القصرين و بنزرت و شعورنا أن هؤلاء الذين يواجهون الرصاص الحي بأجسادهم النحيفة وصدورهم العارية، هم أبناؤنا و أن الدماء التي يتم سفكها هي دماؤنا ،يبرهن أن البشرية في جوهرها اتصالية تنأى عن أن تكون انفصالية، و أن الإنسانية ليست تجميع لأجسام و ذوات منفصلة عن بعضها البعض بجدار .صيني بل شبكة من العلاقات الواعية و اللاواعية .لا تقبل التجزئة

ورغم سياسات التجزئة و التفرقة و التذرير الممنهج التي أسسها النظام البائد ،الذي حاول تجفيف ضميرنا الأخلاقي عن طريق إشاعة ثقافة
التبليغ و التلصص و التجسس و الوشاية المعممة بين المواطنين،
تبين أن الحياة البشرية لا يمكن أن تختزل في صراع تنافسي من أجل .البقاء
و انتقل التونسيون في بضعة أيام من الكم إلى النوع ،من الأنانية إلى التكافل، ، من الفردية المنتفخة واللامبالاة غير المسؤولة إلى .الغيرية السمحاء والمسؤولية الواعية
و بالتاي أسست منذ صباح الثورة المجالس العمالية في عدة مؤسسات و .تفتحت القيادات الجماعية لتسيير وسائل الإعلام الرسمية
و كانت مبادرات المجموعات الشبابية الذين ارتجلوا في لحظة الفعل المخطّطات والتكتيكات ، فكانت الاعتصامات في أماكن العمل خلال .النهار و الحواجز و المتاريس لحماية مدينتهم في الليل
وراء ثورة الكرامة ذاكرة ثورية لان التاريخ يوقظ أحداثه الماضية- …ويعيد ترتيبها و لان ذاكرة الثورة تعود دوما
لثورة الياسمين أباء و أمهات شرعيون ، بعضهم ظاهر معروف،و .بعضهم فاعل وإن كان أقلّ ظهورًا
وراء هذه الثورة المناضلون و المناضلات الذي حملوا وديعة الحرية وحافظوا على جذوتها وضحوا من اجلها لأنهم يمثلون الإصرار على القيم و المبادئ النبيلة ، من علي بن غذاهم إلى محمد علي الحامي ، من فرحات حشاد إلى العفيف الأخضر ،من سهير يلحسن إلى عاشقة الكلمة أم زياد من شي قفارا إلى الفقيه الثائر غيلان الدمشقي الذي حارب الخنوع، ايدولوجيا الأنظمة الطاغية، معترضا عليه بقوله المأثور الذي تناقلته السنة العامة : أيها الناس ما أتاكم من خير فمن اللـه وما أتاكم من شر فمن بني .أمية
وراء الثورة المواقع الالكترونية التونسية التي جذرت الوعي العام و كسرت قانون الصمت مثل موقع نواة و تونس نيوز راديو كلمة و غيرهم من الذين لم يخضعوا يوما لما هو زائف و شائع ، وقد تمكن هؤلاء الآباء
من صياغة وعي جديد لدي الشباب الذي استخلص الدرس وابرز أن الخيط لم ينقطع أبدا وجسد أرضا خصبة تمكنت من تحويل الأفكار إلى.قوة مادية

. وراء ثورة تونس تكنولوجية القرن الواحد و العشرين
فقد أثبت الشعب أنه منخرط في الحداثة بكافة تجلياتها، وزعزع الشباب .بمختلف توجهاته سياسة الكذب المنظم و الحجب المعمم
فغالبية الأحداث الجارية نقلتها عدسات الهواتف المحمولة وكاميرات التصوير الخاصة المملوكة من طرف المواطنين
كما تناقلت صفحات فايس بوك صورا جديدة مؤثرة للغاية عن ما جرى في مدن تالة و القصرين ونجح والفيس بوك في تعميق الشعور بالاحتجاج لدى الشعب التونسي عبر نشر الأخبار وصور القتلى الذين سقطوا برصاص الشرطة وانتشرت في الفضاء الافتراضي الفيديوهات مشاهد قمع الشرطة للمتظاهرين العزل
فبات الإعلام الموجّه مشلولًا أمام سرعة ومصداقية ونشاط الإعلام الاجتماعي الذي فضح حقد النظام الدفين على الحياة والأحياء والإبداع .والمبدعين والفكر والمفكرين والثقافة والمثقفين
كما استطاع أهل تونس توصيل الأحداث للعالم عبر رفع مقاطع الفيديو على موقعي "يوتيوب" و"ديلي موشن" فاستطاعوا توثيق ما يحدث عبر "فيس بوك"، ونشر جذوة الثورة من سيدي بوزيد إلى صفاقس، ومن قصرين إلى كافة أرجاء العالم . وبهذا لفتوا أنظار المجتمع المدني الدولي .الذي تمكن من متابعة ثورتهم لحظة بلحظة
توسعت المقاومة التونسية عندما انظم إليها نشطاء القرصنة الكونية و خاصة فريق الاننموس الشهير الذي ووجه ضربة موجعة إلى نظام بن .عندما راوغ بوليسه الرقمي واخترق مواقعه الرسمية
كما ساهم أيضًا موقع ويكيليكس بشكل أو بآخر في تعريف النخبة بفساد .حكومة بن علي وتجاوزاتها العديدة
ساهمت الفضائيات المتعاطفة مثل الجزيرة و فرانس 24
في تزكية شعلة تظاهرات تونس عندما نقلت بكل شفافية مشاهد تهاوي صور الديكتاتور في شوارع سيدي بوزيد و القصرين وصفاقس والحمامات وتونس العاصمة، وأشاعت أهازيج الجماهير بأشعار أبي …..القاسم الشابي، وكأنها مشهد من مشاهد الأحلام

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي