مؤتمر حل الدولتين: استراتيجية هجومية لاقامة الدولة الفلسطينية ام آلية دفاعية لتفادي الرضوخ

هاني الروسان
2025 / 5 / 30

على الرغم من أهمية مراكمة جهود التأكيد على الحق الفلسطيني وإدانة دولة الاحتلال الإسرائيلي وداعميها، بيد أن ذلك لا يتعارض مع محاولة مساءلة أي من تلك الجهود والإحاطة بنوعية الإضافة التي تقدمها، للبناء عليها وتعزيزها أو تعديلها والإضافة إليها. وفي هذا السياق يأتي تحديدًا إطلاق فرنسا والسعودية، باجتماعين متوازيين في باريس ونيويورك، يوم السبت الماضي، زخم التحضيرات لمؤتمر حل الدولتين المفترض أن تستضيفه الأمم المتحدة ما بين 17 و20 جوان (حزيران) المقبل، في محاولة لإحياء المسار السياسي الفلسطيني–الإسرائيلي، بعد فشل وتراجع فعالية الوساطات التقليدية وعلى رأسها الأميركية. هذه المبادرة، التي كانت السعودية قد أعلنت عنها في سبتمبر الماضي "التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين" باسم الدول العربية والإسلامية والشركاء الأوروبيين، خلال الاجتماع الوزاري بشأن القضية الفلسطينية وجهود السلام على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تبدو للوهلة الأولى خطوة دبلوماسية روتينية في سياق الأحداث الجارية حينها وفي إطار محاولات تحريك المياه الراكدة، فهل هي كذلك؟ أم أنها تعبّر عن تحول سعودي عميق، يتجاوز الرغبة في تنشيط ملفّ السلام، نحو محاولة واعية لإعادة توزيع أدوار الفاعلين الدوليين، وكسر احتكار واشنطن التاريخي للملف الفلسطيني، وهل ستكون قادرة على تجاوز الاهمال الامريكي لها؟
صحيح أن هذا التحرك السعودي–الفرنسي جاء خارج المظلة الأميركية، وفي توقيت بالغ الحساسية حيث تزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية حينها واحتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض ومعه اليمين المتشدد، الذي تدرك السعودية من موقع قريب أن التعويل عليه لفرض حل عادل للقضية الفلسطينية مجازفة لا طائل من ورائها، بل انها ستكون فرصة اضافية لاسرائيل لتكريس احتلالها للاراضي الفلسطينية.
من هنا فقد يكون هذا احتمالًا يفسر دوافع التوجه السعودي للتعاون مع فرنسا كمحاولة لتدويل الملف الفلسطيني من ناحية ، والانتقال بالسياسة السعودية من موقع المراقب إلى موقع "المبادر" الذي يصوغ التوازنات من خارج الإطر التقليدية لتوزع القوة الذي بات أكثر ميلًا نحو منطقة الخليج العربي وتحديدًا بين ثالوثه: دولة الإمارات والسعودية وقطر، الأكثر تأثيرًا في تفاعلاتها الإقليمية والدولية من بقية دول النظام العربي، والتي تبقى هنا السعودية الأوفر حظًا لقيادة هذا الموقع لاعتبارات تتفوق فيها على الآخرين من قوى قلب النظام الإقليمي، وأنها صارت أكثر وعيًا بمخاطر تجاوز الملف الفلسطيني على موقع القيادة هذا.
كما ان اختيار السعودية فرنسا شريكًا لها في هذا التحالف الدولي ليس اعتباطيًا، فباريس حرصت دائمًا على إبداء مواقف أكثر توازنًا تجاه القضية الفلسطينية، وهي إحدى القوى الغربية التي ما زالت تُصرّ على خيار الدولتين كحل واقعي. كما أن للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طموحًا متجددًا في لعب دور أوروبي في الشرق الأوسط، يوازي ما كانت عليه فرنسا في عهدي ديغول وميتران، خصوصًا في ظل التراجع الأميركي وانشغال واشنطن بالصراع مع الصين وروسيا. وتدرك السعودية أن أوروبا، رغم محدودية تأثيرها المباشر، تمتلك قدرة على تشكيل بيئة دولية ضاغطة، خاصة في القضايا المتصلة بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، ما يجعل هذا التحالف مع فرنسا جزءًا من استراتيجية سعودية لتوسيع دائرة الحلفاء في القضية الفلسطينية، دون الوقوع مجددًا في أسر العلاقة الأحادية مع واشنطن، كما انه يأتي كجزء من رؤية استراتيجية أوسع للمملكة لتنويع تحالفاتها الدولية، تماشياً مع رؤية 2030.
ويبدو ان ما اسفرت عنها زيارة ترامب للرياض من نتائج تعزز هذا النهج السعودي بالانفصال التدريجي بعلاقتها مع واشنطن بعيدا عن بقية الملفات الاقليمية الاخرى وخاصة القضية الفلسطينية، اذ يبدو من تلك النتائج ان اتفاقا ضمنيا وربما صريحا قد تم بين الجانبين الامريكي والسعودي بضرورة فصل ملف علاقاتهما الثنائية عن بقية الملفات الاخرى.
فالسعودية كانت قد اختبرت حدود الدور الأميركي في الملف الفلسطيني، وخلصت إلى أن الاتساق الأميركي مع الرؤية الإسرائيلية – خاصة بوجود ترامب – لا يسمح ببناء أية تسوية فعلية. وعليه، فإن ما يجري لا يمكن فصله عن معادلة دقيقة تقوم على نوع من المقايضة غير المعلنة: قبول واشنطن بفصل علاقاتها مع السعودية عن مسار التطبيع مع إسرائيل، مقابل فصل سعودي لعلاقاتها مع واشنطن عن مسار التسوية للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. وبهذا، تكون السعودية قد كسبت مساحة مناورة استراتيجية، مكنتها من الانخراط في المساعي الدبلوماسية للقضية الفلسطينية، دون أن توضع تحت الضغط الأميركي للإسراع بخطوات التطبيع.
وفي ظل هذا التوازن الدقيق، تبدو المبادرة السعودية–الفرنسية بمثابة آلية دفاعية، أكثر منها استراتيجية هجوم. فهي تُبقي السعودية في موقع الطرف الملتزم بالقضية الفلسطينية، وتمنحها في الآن ذاته شرعية المبادرة السياسية أمام الرأي العام العربي والإسلامي، في وقت يزداد فيه التشكيك في مصداقية الأطراف العربية الكبرى بشأن فلسطين. غير أن المفارقة تكمن في أن المبادرة، مهما بدت رمزية أو محدودة النتائج، تمثل فرصة نادرة لتدويل المسار السياسي الفلسطيني، واستثمار لحظة الانكفاء الأميركي، وانشغال إسرائيل بأزماتها الداخلية، لمحاولة استعادة مركز الثقل العربي في الصراع، ولو من بوابة الشراكة مع أوروبا بدل التبعية التقليدية لواشنطن.
وبذلك فإن من غير المستبعد ان يكون إحياء مسار السلام، وفق المنظور السعودي، وفي ظل معارضة اسرائيلية قوية وعدم اكتراث امريكي اقوى، ليس هدفًا بحد ذاته، بل مناورة استراتيجية دقيقة لفصل المسارات، وانتزاع الملف الفلسطيني من الهيمنة الأميركية، وخلق حقل ضغط جديد على إسرائيل دون الدخول في مواجهة مفتوحة مع واشنطن، كما انها أداة لإعادة تنظيم وصياغة علاقات السعودية الدولية إزاء الصراع العربي الاسرائيلي، وإعادة توزيع الأدوار داخله، بما يسمح بتقليص الكلفة السياسية والأخلاقية للتطبيع المحتمل مع إسرائيل في حال تجدد الضغط الامريكي عليها، من دون أن يكون مشروطًا بتقدم فعلي في التسوية. هذا الفهم يعبّر عن وعي استراتيجي متزايد لدى السعودية، مفاده أن استمرار جهود السلام من دون نتيجة لا يعني بالضرورة الفشل، بل يمكن توظيفه لحماية مكاسبها الإقليمية، والتخلص من ضغط ضرورة إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية ضمن جدول زمني محدد، رغم التشدد السعودي في ابداء حرص كبير .على الدفع بهذه الخطوة من اجل اقامة دولة فلسطينية ليس كبادرة رمزية، بل كضرورة استراتيجية لاحلال السلام الاقليمي كما جاء على لسان منال رضوان رئيسة الوفد السعودي لاجتماع نيويورك
هاني الروسان/ استاذ الجيوبوليتيك والاعلام في جامعة منوبة

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي