من السودان الى ليبيا عبر الصحراء مرة اخرى

جواد الديوان
2025 / 5 / 24

وفي ضحى اليوم التالي وصلنا دنقلا، في كراج تتجمع فيه سيارات نقل حمل الى ليبيا. ولم تكن هناك سيارة نقل واحدة. ونقلنا تكسي (سيارة بيك اب حمل) لنسكن فندق. والسكن في أفضل فندق لديهم، فلا تختلف فنادقهم عن بعضها. وفي المدنية الفقر واضح، فلا شوارع مبلطة ولا أسواق او حتى دكاكين كثيرة ولا مطاعم! وفي كل طريق هناك حب (وعاء فخاري) لشرب الماء، والطريف بالأمر تشرب منه الجمال حيث بإمكانهم الوصول للمياه فيه، فتشارك الناس في ساعات النهار الحارة القاتلة، فقد كنت في تموز هناك. وقلقت من شرب الماء في اناء مع الجمال قلقا، فلم أتعود عليه، ونصحني شباب من المدينة بالشرب من حب في حديقة مديرية الامن، فلا جمال هناك، وخلال ترددي على المكان لأجل الماء لاحظت جمال الخاصة تشرب منه.
وللصمون حكاية غريبة جدا، فسمك الصمونة الواحدة لا يتجاوز سمك إصبع يدي، تحدثت ضاحكا مع أصدقائي، إذا قررنا ان نعمل ساندويش، فلابد من دفع المكونات بسرنجة اليها. ووجدت اكل اطمئن له البطيخ مع الخبز.
وامضينا أيام في دنقلا نراقب وصول سيارات الى الكراج، نترك الفندق صباحا الى الكراج ونعود مساءا. بانتظار وصول سيارة نقل! وأخبرنا بعضهم عن سيارة حمل لوري ستغادر الى ليبيا. بقي أحدنا يتابع ما يسمى قطع تذاكراي حجز أماكن في مكان الحمل، فهي لوري حمل. وجعلوا مهمتي جلب حقائبنا من الفندق وشراء ما يلزم للرحلة.
وأول ما يجب توفيره من مستلزمات الماء حيث الطريق صحراوي بدون تبليط او استراحات او اسواق. وللطريق كله اشترينا كما الاخرين، جلكان للماء 20 لتر، ومن حق مجموعتنا ثلاث جلكانات، ومعها عبوة خمسة لتر للحصول على الماء من الجلكانات بواسطة السيفون باستخدام صوندة. ثم الاكل، وقد كان في الذهن ان الطريق يستغرق ثلاثة أيام، وعندما بحثت عن المعلبات في السوق وجدت ثلاثة علب! واخذنا الخبر، إضافة الى قوري لعمل الشاي وحطب! وشاي وسكر. اما الطريق فقد استغرق اسبوعين
تم تعليق الجلكانات على البودي الحديد للوري بحبال، في مكان محدد لنا، وصعدنا لترتيب مكان للشاي والسكر والقوري (ويسموه هناك براد) والخبز والمعلبات. وبعد انتظار طويل تم تفتيش الجوازات والسؤال ان كنا نحمل دولار، ومعه نقسم على صدق كلامنا.
ومن الطريف أحد العراقيين أوضح انه يحمل شيكل أي العملة الإسرائيلية، ولا يحمل دولار. وبعد التدقيق في ذلك ظهرت للسلطات معضلة السماح للسيارة بالحركة او اعتقال من يحمل الشيكل الإسرائيلي. وبعد ساعات سمحوا للسيارة بالحركة ولم يعتقلوا العراقي من يحمل الشيكل.
وكانت التصورات ان سيارة الحمل وهي تبتعد عن دنقلا السودان قد غادرت الأراضي السودانية. وطبعا لا دليل هناك ليشرح ونعتمد على الحدس والتقديرات وما نشاهده. وبعد ثلاث أيام كانت وصلنا الى الحدود السودانية الليبية، فكانت نقطة عسكرية مع شرطة، وبها بئر ومضخة لإخراج الماء. كانت استراحة لنا، فهي واحة في صحراء قاحلة.
وصادف وجود راعي في المنطقة مع اغنامه وماعزة. واشترينا كمجموعة تيسا (ذكر الماعز)، وذبحه الراعي وسلخه واخذ ما نسميه باجة! وكانت وليمة دسمة بعد تلك الاحداث. وقربتنا هذه الحادثة من بعض.
وفي الطريق الرملي غير المبلط، تصادف سيارة الحمل تلال عالية من الرمال. فننزل من السيارة لنصعد مشيا، فتغوص ارجلنا في الرمال لأكثر من منتصف الساق. وتصعد السيارة فارغة ما عدا السائق، بعد يتم تفريغ الإطارات من الهواء. وصوت محركها يرتفع بشكل كبير. وعندما تعبر التل يعاد نفخ الإطارات بالهواء، ونصعد لسيارة الحمل. من غير الممكن ان تدور السيارة على محيط التل، فكانت طويلة مع الأفق من الجانبين، وتكون مقوسة مثل السيف، فيسموها السيوف. وتتحرك السيوف الى أماكن أخرى (رمال متحركة).
يتوقف السائق في الصحراء بعد الفجر، ونبقى تحت سيارة الحمل نتقي حرارة الشمس، ونعد الاكل وهكذا، بعد الظهر ممكن ان نتحرك في المنطقة حيث تخف الحرارة. وتحرق اقدامنا الرمال الساخنة إذا مستها من جوانب ما ننتعل.
ولاحظت ان السائق ومساعديه يراقبون النجوم ليحددوا طريقهم الصحيح. انها عودة لقوافل العرب في الجزيرة. وسئلت عن ذلك فقالوا لا طريق مبلط، ولا علامات في الصحراء، فكيف نهتدي للطريق، وتبقى لنا النجوم. وبذلك فسرت مسيرهم ليلا وتوقفهم نهارا، وكنت احسبها بسبب حرارة الجو.
انتبه السائق الى انتهاء ما حملناه من مواد غذائية، وقال لي (بيني وبينه) انه يحمل فاصوليا ولوبيا يابسة بإمكاننا استخدامها! وكذلك الوقود منه. كرم اتذكره في تلك الصحراء.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي