إذا لم تستحِ، فافعل مثل أحمد ماهر

الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل
2025 / 5 / 21

يشهد قطاع غزة إبادة جماعية وجريمة إنسانية بحق الفلسطينيين، مما يدفع الأنظمة الغربية - حليف إسرائيل التاريخي - إلى التخلّي عن مواقفها التقليدية الداعمة للصهيونية، واتخاذ مواقف تُعدّ الأولى من نوعها. فهناك جريمة كبرى تحدث، والعالم بأسره يتابعها ويشاهدها، وهذا ما يُغيّر ويُهدّد الأنظمة في المنطقة.

ومع ذلك، لا يزال بعض السياسيين يمتلكون القدرة على الدفاع عن المواقف المهترئة والنعرة الجوفاء للنظام المصري، بل ويتخذون مواقف لا تقتصر فقط على الاصطفاف مع الدولة، بل يتبرّعون أيضًا بشرح دوافع السلطة، وتفهُّم موقفها، ومحاولة إفهامنا إياه!

صادفت اليوم منشورًا أحمد ماهر، المنسق التاريخي لحركة 6 أبريل وعضو أمانة الشباب في التيار المدني الديمقراطي، يحاول فيه "شرح" أو "تفسير" منطق السلطة في قمع المتضامنين مع القضية الفلسطينية. لكنه لا يُفكّك هذا المنطق سياسيًا، بل يبدو في بعض اللحظات وكأنه "يُبرّره" تحت غطاء التفسير.

فعلى سبيل المثال، يقول إن "المسؤول قد يكون مقتنعًا بوطنية الشاب، لكنه يحبسه لأنه خرج عن النظام". هنا يتبرّع ماهر بتقديم تبرير إداري-أمني لممارسات قمعية لا يمكن تبريرها، بينما المطلوب هو إدانة هذا السلوك ومساءلة السلطة عنه، لا شرحه أو تبريره كما لو كان أمرًا واقعًا لا مفر منه.

السلطة ليست كائنًا محايدًا يتصرف فقط وفق حسابات نظامية - كما يحاول ماهر تصويرها - بل هي طرفٌ مسيطرٌ، يمتلك أدوات الإكراه ويخوض معركة سياسية غير متكافئة، لا تحكمها قواعد العقلانية. وأفعال السلطة تنبع من اختيارات ومصالح الجماعة الحاكمة، ما يجب أن يخضع للنقد، لا لـ"التفهُّم" فقط.

ورغم وضاعة هذا الطرح وهشاشته، فإن افتراض أن الخوف من الفوضى واعتقال المتضامنين مع فلسطين هو المعيار الوحيد لقياس موقف النظام من دعم إسرائيل، هو افتراض معيب ومضلل. فهو يتجاهل الأفعال التي ارتكبتها الدولة المصرية خلال السنوات والأشهر الماضية، ومشاركتها الفعلية في حصار الفلسطينيين، وكأن النظام السياسي الحالي وُلد توا، ويمكن فصل خطابه تمامًا عن ممارساته.

ماهر لا يرى القضية الفلسطينية، ولا يفهمها. فهو يفصل بوضوح - بطريقة مريحة ربما - بين دعم الدولة "الرسمي" المزيف للقضية، وبين سياساتها القمعية الداخلية. ولا يسعى لتعميق الربط بين التضامن الحقيقي مع فلسطين كقضية تحرر وطني، وبين الحرية السياسية داخل البلاد.

إن التضامن مع فلسطين لا يمكن فصله عن المسار الديمقراطي الداخلي؛ لأن الأنظمة السلطوية التي تقمع شعوبها لا يمكن أن تكون صادقة في دعم شعب آخر يقاتل من أجل حريته.

في هذا السياق، فإن السكوت عن التناقض الصارخ بين السياسات الخارجية التي تدّعي دعم القضية، والسياسات الداخلية القمعية، هو خلل في قراءة المشهد السياسي، وسوء فهم لحقيقة النضال الفلسطيني.

لقد تجاهل ماهر مرور سفينتين، إحداهما عسكرية، والأخرى محمّلة بالامدادات العسكرية، عبر قناة السويس وميناء الإسكندرية، وهما واقعتان لم يُعلَن عنهما إلا بالمصادفة. فماذا عن التسهيلات العسكرية التي لم يُكشف عنها بعد؟

كما تم التغاضي عن الارتفاع غير المسبوق في معدلات التبادل التجاري مع إسرائيل خلال فترة الحرب.

أتساءل حقًا: هل نسي ماهر إغلاق معبر رفح منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم؟ أم نسي أحكام الحصار على القطاع طوال سنوات؟ نسي رفض إقامة قوافل لكسر الحصار عن غزة، وطرد النشطاء الأجانب، وإلغاء قافلة "ضمير العالم"، حتى تحوّل المعبر من يد الفلسطينيين إلى يد الاحتلال.

نسي التنسيق الأمني، وحصار الفلسطينيين، والنشاط المشبوه لشركة "هلا" و"العرجان جروب". نسي كيف اعتبر السيسي معبر كرم أبو سالم، الذي يسيطر عليه الاحتلال، أقرب إليه وأضمن لتحالفاته السياسية من معبر رفح، فاختار إغلاقه، وإغلاق أذانه عن المطالبات الشعبية والرسمية الفلسطينية بفتحه قبل احتلاله.

وتناسى أيضًا تماهي النظام مع احتلال محور فيلادلفيا، وتعرّض الأراضي المصرية للقصف أكثر من مرة من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

أعتقد أن أجهل خطأ يمكن أن يقع فيه معارض غير مدفوع بمصالح شخصية، هو الدفاع عن نظام لا يسمح بتداول المعلومات، ولا يتبنى سياسة شفافة تجاه شعبه. فعلى الرغم من حجم ما هو معلوم من تسهيلات وخدمات قدّمها نظام السيسي لحكومة نتنياهو، إلا أن أبشع ما في الأمر هو أننا لا نملك بيانات حقيقية تُمكّننا من معرفة مدى وحجم تلك التسهيلات، سواء العسكرية أو التجارية التي قدمها النظام للاحتلال.

الاستدلال باعتقالات السبعينيات للطلاب استدلال فاسد؛ فالنظام الذي اعتقل الطلاب والمتظاهرين المطالبين بتحويل الحرب إلى حرب تحرير شعبية، هو نفس النظام الذي أذعن لإسرائيل ووقّع معها اتفاقية الذل "كامب ديفيد"، ليصبح خاضعًا للنفوذ الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية.

الخطأ الذي وقع فيه ماهر لا أقرأه كحادثة معزولة، بل كجزء من توجه سياسي قائم، بدأت معالمه تتبلور منذ أشهر، حيث شهدنا تسارع عدد من الليبراليين واليساريين السذّج للاصطفاف خلف الخطاب الرسمي، ومحاولة حشد الجماهير خلف السلطة، للتغطية على الدور المصري المتخاذل تجاه الفلسطينيين، وتواطؤه مع إسرائيل في إبادة أهل غزة. في محاولة يائسة منهم للتقرب من النظام.

النظام المصري يدرك تمامًا أن التصريحات الإنشائية لن توقف مشروع التطهير العرقي الذي تنفّذه إسرائيل بدعم أمريكي في قطاع غزة. وإذا كانت الدولة جادة في رفضها لما يحدث، فلتثبت ذلك بالفعل، لا بالبيانات الفارغة. وهو ما لم تفعله طيلة تسعة عشر شهرًا من المجازر.

إن نظامًا تأسّس على القمع والتهجير والتجويع، لا يُنتظر منه موقف وطني حقيقي. ولذلك، من واجبنا اليوم تعرية هذا الاصطفاف المشبوه لبعض رموز المعارضة والنشطاء خلف النظام.


انضموا إلينا، وناضلوا معنا من أجل مجتمع حر وعادل.

تواصلوا معنا عبر البريد الاليكتروني: Soc-Rev-Egy@protonmail.com

محمد السايس

https://soc-rev-egy.org/

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي