العيد 80 للنصر – الجزء الخامس عشر – من أوصل هتلر إلى السلطة؟

زياد الزبيدي
2025 / 5 / 20

*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

ألكسندر سامسونوف
كاتب صحفي ومحلل سياسي
مؤرخ وخبير عسكري روسي

30 يناير 2013

في 30 يناير 1933، تولى أدولف هتلر منصب مستشار ألمانيا. في ذلك اليوم، عين الرئيس الألماني بول فون هيندنبورغ هتلر رئيسًا للحكومة خلفًا لكورت فون شلايشر. كان هتلر في ذلك الوقت زعيمًا للحزب الأكثر شعبية في ألمانيا – حزب العمال الوطني الاشتراكي الألماني (NSDAP). في 6 نوفمبر 1932، حصل الحزب النازي على 33.1% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية.

أصبح هذا التعيين نقطة تحول مصيرية في تاريخ ألمانيا والعالم. بعد عام واحد فقط، وبعد وفاة هيندنبورغ، حصل هتلر على صلاحيات رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة. منذ تلك اللحظة، أصبحت سلطته مطلقة، وبدأت ألمانيا الإستعداد للإنتقام من هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. أدت سنوات قليلة من سياسة "إسترضاء المعتدي" إلى وضع العالم على حافة حرب عالمية جديدة.

التمويل الخفي لهتلر والنازيين

للأسف، لا يُذكر في الرواية التاريخية الرسمية أي شيء عن كيفية حصول هتلر والحزب النازي على التمويل، أو كيف تم "إيصاله" إلى قمة السلطة في ألمانيا. لفهم الأسباب الحقيقية لإندلاع الحرب العالمية الثانية والعدوان على الإتحاد السوفياتي، يجب معرفة من كان يقف وراء النازيين ومن كان المحرك الحقيقي لهذه المأساة التي أزهقت عشرات الملايين من الأرواح.

في السنوات الأخيرة، ظهرت أبحاث جادة تشير إلى أن المؤسسات المالية الكبرى في بريطانيا والولايات المتحدة – مثل بنك إنجلترا والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - كانت تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد الإستراتيجية طويلة المدى للغرب بعد الحرب العالمية الأولى. وراء هذه المؤسسات كانت هناك عائلات ونخب مالية وصناعية تُعرف بـ"النخبة الذهبية" أو "الإنترناسيونال المالي"، والتي سعت إلى فرض سيطرتها المطلقة على العالم وإقامة نظام عالمي جديد.

السيطرة على الاقتصاد الألماني

كانت إحدى المهام الرئيسية لهذه النخب هي السيطرة على النظام المالي الألماني لتوجيه السياسة في أوروبا الوسطى. في البداية، بُنيت التبعية المالية لألمانيا على ديون الحرب والتعويضات المفروضة بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. إستفادت الولايات المتحدة من الحرب لتصبح أكبر دائن في العالم، حيث قدمت قروضًا لبريطانيا وفرنسا بقيمة 8.8 مليار دولار. بعد الحرب، حاول الحلفاء حل مشاكلهم المالية عن طريق فرض تعويضات باهظة على ألمانيا، مما أدى إلى إنهيار العملة الألمانية (المارك) في عام 1923 بسبب التضخم الجامح (578,512%!).

إستغل الممولون البريطانيون والأمريكيون هذا الوضع، وتم تقديم "خطة داوس" في عام 1924 لتخفيف الأعباء المالية على ألمانيا وضخ إستثمارات أمريكية ضخمة. بين عامي 1924 و1929، تدفقت قروض أمريكية إلى ألمانيا بقيمة 21 مليار مارك، مما أدى إلى إنتعاش الصناعة الألمانية، لكنه جعل الإقتصاد الألماني يعتمد كليًا على الإئتمان الأجنبي.

إختراق رأس المال الأنجلو-أمريكي للصناعة الألمانية

تم إستخدام هذه القروض لإعادة بناء القاعدة الصناعية والعسكرية لألمانيا، حتى أصبحت ثاني أكبر قوة صناعية في العالم بحلول عام 1929. لكن في المقابل، إستولت الشركات الأمريكية على حصص كبيرة في الإقتصاد الألماني:

- سيطرت "ستاندارد أويل" (عائلة روكفلر) على شركة "آي جي فاربن" الكيميائية.
- كانت شركتا "سيمنز" و"AEG" تحت سيطرة "جنرال إلكتريك" (مورجان).
- امتلكت شركة "ITT" الأمريكية 40% من شبكات الهاتف الألمانية.
- كانت شركة "أوبل" لصناعة السيارات تحت سيطرة "جنرال موتورز".

تمويل هتلر وصعوده إلى السلطة

في الوقت نفسه، بدأت عملية "تغذية" الحزب النازي ليكون الأداة الرئيسية في إشعال الحرب العالمية الثانية. وفقًا لمستشار ألمانيا السابق هاينريش برونينغ، كان هتلر يتلقى أموالًا من الخارج منذ عام 1923 عبر بنوك سويسرا والسويد. في عام 1922، إلتقى هتلر بالكابتن الأمريكي ترومان سميث (ضابط الإستخبارات العسكرية الأمريكية)، الذي قدم تقريرًا إيجابيًا عنه وأدخله إلى دوائر النخبة.

لعبت شخصية مثل إرنست هانفستنغل (الملقب بـ"بوتسي")، وهو خريج هارفارد من أصل ألماني-أمريكي، دورًا رئيسيًا في دعم هتلر ماليًا وسياسيًا. ساعد هانفستنغل هتلر في بناء شبكة علاقات دولية وقدم له ملجأ بعد فشل "إنقلاب بير هول" في 1923.

بعد إنهيار وول ستريت في عام 1929، أوقف "الإنترناسيونال المالي" القروض عن ألمانيا عمدًا، مما تسبب في أزمة اقتصادية واجتماعية دفعت الشعب الألماني نحو التطرف السياسي. بدأت الصحافة الغربية تمجد هتلر وحزبه، بينما تدفقت الأموال عليه بغزارة.

في 4 يناير 1932، عقد هتلر إجتماعًا سريًا مع فرانز فون بابن (المستشار المستقبلي) ومدير بنك إنجلترا مونتيغيو نورمان، بحضور الأخوين دالاس (جون وألين)، الذين أصبحوا لاحقًا وزير الخارجية ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. تم الاتفاق على تمويل الحزب النازي.

وصول هتلر إلى السلطة والدعم الغربي المستمر

في 30 يناير 1933، أصبح هتلر مستشارًا لألمانيا بفضل دعم النخب المالية الألمانية والدولية. الغريب أن رد فعل الغرب كان إيجابيًا تجاه النظام النازي، رغم تصريحات هتلر المعادية للسامية والشيوعية. حتى بعد توقف ألمانيا عن دفع التعويضات، لم يعترض الحلفاء.

في مايو 1933، زار رئيس البنك المركزي الألماني هيلمار شاخت الولايات المتحدة وإلتقى بالرئيس روزفلت وكبار الممولين، فحصل على قروض جديدة بقيمة مليار دولار. وفي يونيو 1933، زار بريطانيا وحصل على قرض بقيمة ملياري دولار.

الإستثمارات الأمريكية في ألمانيا النازية

إستمر الدعم المالي والصناعي لألمانيا حتى خلال الحرب العالمية الثانية:

- في عام 1934، بنت "ستاندارد أويل" مصافي النفط في ألمانيا.
- قدمت شركات مثل "برات آند ويتني" و"دوغلاس" براءات إختراع لصناعة الطائرات الألمانية.
- بلغت الإستثمارات الأمريكية السنوية في ألمانيا 500 مليون دولار.

المثير للدهشة أن تمويل النازيين إستمر حتى خلال الحرب. في عام 1942، كشفت صحيفة "نيويورك هيرالد تريبيون" أن كبار النازيين مثل غوبلز وغورينغ كانوا يملكون ملايين الدولارات في بنوك أمريكية.

الهدف الحقيقي: تدمير الإتحاد السوفياتي

لم يكن هذا الدعم مجانيًا، بل كان جزءًا من إستراتيجية لإستخدام ألمانيا كأداة لسحق الإتحاد السوفياتي، الذي كان يقدم نموذجًا بديلًا للنظام العالمي. أراد "الإنترناسيونال المالي" القضاء على الإشتراكية والإستيلاء على موارد روسيا.

هذا يفسر العديد من الألغاز التاريخية، مثل:

- السماح لهتلر بضم النمسا وتشيكوسلافاكيا دون مقاومة.
- تجاهل انتهاكات معاهدة فرساي.
- "الحرب الغريبة" على الجبهة الغربية بين 1939-1940.
- عدم تدمير القوات البريطانية في دونكيرك.
- قرار هتلر بمهاجمة الإتحاد السوفياتي بدلًا من إنهاء بريطانيا.

في النهاية، حاول هتلر أن يلعب دورًا مستقلاً عن مُموِّليه، لكنه ظل في الأساس "مشروعًا" وُضِع لخدمة مصالح النخب المالية العالمية.

------

يتبع ...

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي