من جديد في خصوصية الحركة السياسية الكردية السورية

صلاح بدرالدين
2025 / 4 / 20

صلاح بدرالدين
موضوعنا الرئيسي في هذه العجالة يتعلق بالتجربة الخاصة بالحركة السياسية الكردية السورية المتعلقة بمسائل الوحدة ، والاتحاد ، والاتفاق ، والانقسام ، والتحالفات ، وإعادة البناء ، كما يعبر عنه المشهد الراهن ، وباستحضار دروس تجارب الأحزاب السياسية القومية المعاصرة في بعض أجزاء كردستان بالمجالات ذاتها ، وذلك على ضوء الحقائق الثلاثة التالية اللتي لايمكن القفز فوقها وهي :
الحقيقة الأولى – الاخذ بعين الاعتبار ذلك الاختلاف الكبير بين ظروف ، وخصوصيات كل جزء ، وكذلك بين طبيعة تلك الأنظمة في الدول الأربعة ،. وموازين القوى المتحكمة ، والصبغة الدينية الإسلامية المذهبية التي تتلون بها في الغالب ، ودور الدولة العميقة ، والعسكر ، والراي العام ، وآثار الاضطهاد القومي ، والتغيير الحاصل في التركيبة الديموغرافية بالمناطق الكردية .
الحقيقة الثانية – وجود اجتهادات ثقافية ، واختلافات بالرؤا حول مااذا كانت الحركة القومية بشكل عام مازالت جزء من ( حركات التحرر القومي ) التي انبثقت منذ القرن التاسع عشر ، وناضلت لعقود في اطار انتمائها الى قوى الثورة العالمية ( المنظومة الاشتراكية ، والحركة العمالية العالمية ) ، وذلك بكل مواصفاتها وشروطها ، ولحظتها التاريخية ، او انها تجاوزت تلك المرحلة بعد تخلي قواها الرئيسية ، وغالبية احزابها عن مبدأ حق تقرير المصير ، وحصول الجزء المتقدم – إقليم كردستان العراق – على الفيدرالية ، واستلام السلطة والاخفاق في تحقيق ماهدف اليه – الريفراندوم – عام ٢٠١٧ ، وبعد التبدلات الكونية ، وزوال المعسكر الاشتراكي ، وأصبحت حركات مطلبية – قطرية – في حدود الدول الأربعة ، في ظل غلبة العامل الوطني على القومي .
الحقيقة الثالثة – لايمكن اسقاط تجارب الدول الديموقراطية الحديثة في أوروبا ، وامريكا ، وأستراليا ، على الحالة الكردية السورية ، واعني مسار أحزاب تلك الدول في مجال التحالفات الانتخابية ، والعمل المشترك حول برنامج معين لفترة محدودة ، فهي أحزاب مدنية بنيت على الآلية الديمقراطية المنتخبة من القاعدة الى القمة ، وتمثل مصالح طبقات اجتماعية معينة واضحة ، وتخضع للرقابة ، والمساءلة ، وسلاسة عملية انتقال السلطة ، اما الأحزاب الكردية السورية وخاصة بعد بداية التسعينات ، وتحديدا في الأربعة عشرة عاما الأخيرة وباستثناءات قليلة جدا ، لا تنطبق عليها حتى شروط أحزاب العالم الثالث ، مجرد مجموعات مصلحية تعتاش على الولاءات وتقديم خدمات ، كانت بغالبيتها تابعة لمراكز قوى امنية طيلة حكم النظام السابق ، ولمحاور خارجية في الوقت الراهن .
من تجربة الحركة الكردية السورية
منذ بدايات نشوء الحركة القومية وهناك شبه اجماع بنموها مع ظهور حركة – خويبون – في ثلاثينات القرن الماضي ، ومرورا بابثاق جمعيات ، وتشكيل الحزب الكردي الأول ١٩٥٧ ، وتحولات كونفرانس الخامس من اب ١٩٦٥ العميقة التي اعادت تعريف الشعب ، والقضية ، والحقوق ، وفتحت الافاق الخارجية الرحبة امام القضية الكردية السورية في مجال التحالفات النضالية ، واستنادا الى مجمل ذلك التراث المتراكم المتعلق بالحركة السياسية ، كان هناك توجه فكري – ثقافي – سياسي ، يدعو الى البناء النوعي وليس الكمي ، والتوافق حول مشروع البرنامج ، والنظام الداخلي ، وإيجاد النواة الصلبة غير القابلة للكسر على قاعدة الاستقلالية ، وترسيخ العامل الذاتي أولا وتاليا ، واعتماد الديموقراطية الداخلية بقدر الإمكان ، وحتى إمكانية التعايش بين تيارات سياسية متباينة في حركة سياسية واسعة ، بإحدى الصيغ المتفق عليها .
وبسبب الظروف الموضوعية الصعبة في ظل الأنظمة والحكومات الدكتاتورية الشوفينية القمعية ، والاختراق الأمني لصفوف الحركة تحديدا منذ بداية التسعينات ، وتاثيرات المحاور الكردستانية السلبية ، انقسمت الحركة ، وتعددت الأحزاب والمنظمات بشكل مفرط ( التعددية عامل خير في المجتمعات الديموقراطية المتقدمة وكانت وبالا على حركتنا ) ، وامام ذلك كان لابد من التفكير ببدائل تحافظ على الحد الأدنى من التوافق ، وهوقبول الواقع الحزبي التعددي واللجوء الى التحالفات الثنائية واكثر ، ولكن ذلك لم يكن حلا نافعا لازمة الحركة ، بل ازدادت الخلافات ، وتضاعفت الانشقاقات ، وتباينت الولاءات ، وتعرضت الحركة لموجة العسكرة الغريبة عن طبيعتها وتقاليدها المدنية الديموقراطية ، وأسباب أخرى عديدة من دون استبعاد دور أجهزة السلطة الشوفينية في كل ذلك .
عينات من تجارب كردستانية
باستثناء – حزب العمال الكردستاني تركيا – الذي لم يؤمن يوما بنهج التحالفات ، ولم يعترف بالاخر المختلف ، بل مارس التخوين وتصفية من لايكون تابعا له ، فقد شهدنا نماذج من التحالفات ، والاتفاقيات. بين أحزاب الحركة الكردية في العراق ، وايران ، وبالرغم من بعض الأوقات القصيرة التي تحققت فيها المصالحات الظرفية عبر – تبويس اللحى - ولكن وبكل اسف وفي ظل تلك الاتفاقيات حصلت مجازر ، ومواجهات ، وحروب ، ولم تعالج الخلافات ، ولم توضع حلولا لازمة الحركة القومية في تلك الأجزاء ، حيث الانتماء الحزبي طغى على كل الانتماءات الأخرى القومية ، والوطنية ، ولعبت الآيديولوجا دورها الانقسامي ، وكذلك الانتماءات المناطقية والقبلية ، فخلال حوارات الأطراف الحزبية المدعومة كل منها من نظام إقليمي واكثر ، كانت أمور النفوذ الحزبي ومصالح تلك الأنظمة ، والمصالح الضيقة ، والسلطة ، والمال ، اهم من القضايا المصيرية ، والسبب الرئيسي بطبيعة الحال غياب حركة كردية ديموقراطية منظمة تمثل مصالح المجموع ، وتحمل المشروع القومي والوطني .
الخلاصة
وهكذا وبغياب حركة سياسية موحدة شرعية منتخبة مازال معظم احزاب الحركة القومية الكردية ( التي لم تتطور من حيث البنية والسياسات ) تعاني الازمات الخانقة ، وتعجز عن انجاز مهامها ، وتتغاضى عن معرفة الحقيقة ، وتبتعد يوما بعد يوم عن الاجماع الشعبي ، ولن تنجح في تنفيذ اية اتفاقات حتى لو حملت الشعارات الكبرى .
مهما تكابرت الأحزاب الكردية السورية ، وتفاخرت بالسلاح ، والأموال ، والاستقواء الافتراضي بالخارج ( حيث ادخل البعض إسرائيل أيضا بالقائمة الى جانب أمريكا وفرنسا ؟!) ، ومهما ابرمت من اتفاقيات – بينية – وبعناوين بارزة وبراقة ، فانها وبطبيعتها الراهنة ، وافتقارها للحد الأدنى من ولاء الإرادة الشعبية المتجسدة في الغالبية الوطنية المستقلة ، لن تحل ازمة الحركة السياسية الداخلية ، ولن تظفر بالتمثيل الشرعي للكرد السوريين امام الإدارة الحاكمة بدمشق وامام الراي العام الوطني السوري ، لم يعد طريق الحل سرا ، انه المؤتمر الكردي السوري الجامع ، الذي ستنبثق عنه حركة واسعة ، وقيادة منتخبة ، ومشروع برنامج سياسي ، وليس مؤتمر الأحزاب المعلنة المتمترسة بمواقعها وهي بالعشرات ، المفتقرة أصلا الى الإصلاح ، والاستقلالية ، والتي هي بامس الحاجة الى ( مؤتمرات ) خاصة بها ومراجعات ، وإعادة تاهيل فكريا ، وتنظيميا .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي