فوائض بشرية

خليل قانصوه
2025 / 3 / 30

اللافت للنظر في هذا الزمان ، أن هناك جماعات سكانية في بلاد الشام ، و في غيرها أيضا ، صارت في أغلب الظن فائضة عن " المكان " ، إذا جاز التعبير ، الذي نشأت فيه أصلا واستوطنته دائما . كما لو أنها كانت مسخّرة و انتفت الحاجة لخدماتها ، نتيجة انتقال ملكية الأرض و تبدل طرق استغلالها . و بالتالي فإن ما نشهده من حروب دموية و مدمرة منذ سنوات 1970 ، بلغت ذروتها في سنة 2024 ، يحاكي إلى حد بعيد عملية إخلاء صعبة ، بالقوة لهذه الجماعات من أوطانها الأصلية .
من البديهي أن مقاربة الحرب تتطلب اجتياز مراحل عديدة للكشف عن الأسباب و النوايا الدي حفزت المعتدي على المبادرة إلى عدوانه من جهة و عن مواقف و قدرات المسخرين " الأصليين " حفاظا على وجودهم من جهة ثانية ، بدءا من شروط السخْرة المفروضة أو المقبولة في البلاد المشار إليها . لكن المجال لا يتسع لإيفاء هذا الموضوع حقه، لذا نقتضب فنذكر بالمعالم التي نرى أنه من الممكن أن توصل الباحث إلى غايته:
ـ آلية تحول بعض السكان الأصليين إلى مسخّرين لدى الحاكم : لا بد أولا من تصنيفهم ، كجماعة " متجانسة " اثنيا أو دينيا ( طائفيا ، مذهبيا ) ، ثم إلغاء "الفرد بذلته " في الجماعة ، و اعتبارهم " كتلة أفراد متلاصقين فيما بينهم ماديا و معنويا ـ قطيع " ، و أخيرا تسمية وكيل منهم ليكون صلة الوصل بينهم و بين السلطة حصريا.
ـ عن السلطة التي تسخِّر ، جماعة من الرعية : من نافلة القول أن مثل هذه السلطة هي فردية متخلفة ،بمعنى أنها غير شرعية ، أي أنها لم تأت إلى الحكم بواسطة سيرورة ديمقراطية ، ينبني عليه أنها بالقطع ليست وطنية و بالتالي تكون قابلة للمساومة حفاظا على استمراريتها و سلامتها ، والتضحية بما يلزم لضمان ذلك ، من التراب الوطني و من الرعايا.
ـ إن التمييز الطائفي أو الإثني، مناقض للشراكة الوطنية التي تملي مبدئيا التضامن بين المواطنين في إطار مجتمع و طني ، بالضد من التحالف بين مكونات طائفية متعايشة معا في البلاد ، أو متخاصمة أو متصارعة ، و لكنها عاجزة دائما ، في مختلف الأحوال ، عن كسر قواقعها و الانضمام إلى العمل المشترك في إطار الورشة الوطنية . ينجم عنه أن العلاقة التي تربط طوائف البلاد فيما بينها ، لا تصمد غالبا في الأزمات السياسية و الاقتصادية و المصيرية ، ففي بعض الظروف يتغير و يتبدل سلوك الطوائف إلى الأنانية و الانتهازية.
وفي الختام ليس من حاجة إلى إطالة و توسع فالدلائل و البراهين عديدة اليوم على الآثار القاتلة و المدمرة للعصبيات الطائفية في بلدان المشرق ، على صورة مجازر مروعة تتعرض لها طائفة هنا و حرب إبادة ضد جماعة هناك ، وحصار تجويعي لإخلاء منطقة من سكانها ، بينما الطوائف تتفرج على أناس في بلادها ، يعيشون محنة شديدة ، و حكومات ترفض إغاثة المنكوبين و المشردين من رعاياها . إن القطيع لا يحمي أفراده ، و القطعان لا تنجد قطيعا . مساكين الناس الفوائض عن "الحاجة و عن المكان " في القطاع و الجنوب و الساحل !

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي