فوق صفيح ساخن: بيانان ثلاثيان ومذبحة ورد منتظر

حاتم الجوهرى
2024 / 8 / 13

دراما ما بعدها دراما تشهدها المنطقة العربية والشرق الأوسط مؤخرا، أول الدراما بيانان ثلاثيان واحد من وسطاء السلام الثلاثة، تبعه الثاني من التحالف الأوربي الثلاثي التابع لأمريكا و"إسرائيل"، وبينهما قام جيش الاحتلال بمذبحة جديدة في "مدرسة التابعين"، وصولا إلى تأكيد العديد من المصادر بأن الرد الإيراني سيكون قبل يوم الخميس 15 أغسطس من هذا الأسبوع.

ففي ظل قلق استراتيجي منذ اغتيال إسماعيل هنية تعيش المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط أياما حرجة، ترقبا للرد الإيراني واحتمالية تزامنه مع رد حزب الله على اغتيال القيادي فؤاد شكر، إضافة إلى احتمالية انضمام الحوثيين والفصائل العراقية للرد المتزامن، كما ترى بعض الآراء أن هناك دلائل على احتمالية مشاركة المقاومة الفلسطينية نفسها في الرد العسكري.
في ظل هذ القلق والتوتر الذي تشهده المنطقة تبذل أمريكا جهودا مضنية لمحاولة تخفيف وطأة الرد الإيراني، مرة بالعصا ومرة بالجزرة، مرة بالدبلوماسية ومرة بالتهديد العسكري، لكن من قراءة ردود الفعل من كل جانب يبدو أن إيران مصممة هذه المرة على توظيف المغامرة "الإسرائيلية" باغتيال هنية، لصالح صعودها الجيوثقافي العام، والتأكيد على وضعها كقوة إقليمية وعالمية.
فمؤخرا وفي فترة متزامنة تواكبت زيارات المسئولين العسكريين الروس لإيران والمسئولين العسكريين الأمريكان لإسرائيل، وتواترت الأنباء عن شحنات من الأسلحة لهذا الجانب وذاك الجانب، وخرج أكثر من طرف إيراني ليؤكد على أحقية إيران في الرد، وخرج أكثر من طرف "إسرائيلي" بسيناريوهات متعددة لشكل الرد الإيراني، والتهديد بضربة استباقية للبنان وحزب الله، لكن كل ذلك كان في سياق جس النبض واختبار ردود الفعل.
أما المحطات المهمة الممكن الإشارة إليها في الفترة الماضية؛ فكان البيان الأمريكي الثلاثي الذي ضغطت أمريكا على مصر وقطر ليشاركوا في تحمل مسئوليته السياسية بالتوقيع الرئاسي عليه، مطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، في محاولة لتوريط إيران سياسيا في أنها المسئولة عن إفشال عملية السلام ووقف الحرب!
ولكن "إسرائيل" لم تلتزم بأي بروتكول سياسي لحفظ ماء وجه الدول "الوسيطة" التي وقعت على البيان الثلاثي الأول؛ واستمرت في تحديها السياسي السافر وقامت بمذبحة مدرسة التابعين، غير مبالية بردود الفعل وغير مبالية بمحاولة أمريكا إنقاذها من ورطتها، وغير مبالية بالوسطاء الذين تحملوا كل الضغوط في ظل موقف سياسي متشابك وشديد التعقيد.
لتأتي القشة التي ستقسم ظهر البعير وتأزم الموقف السياسي أكثر فأكثر، فرغم أن البيان الثلاثي الذي أطلقه الوسطاء الأمريكي والمصري والقطري، قد حاز بتظاهرة سياسة لتأييده في نوع من الضغط الأمريكي الدبلوماسي الناعم على إيران، إلا أن المسألة الأبرز ستكون بيانا ثلاثيا جديدا أو ثانيا!
حيث سيعلن الرديف الأوربي لأمريكا المكون من الثلاثي الفرنسي والبريطاني والألماني؛ اليوم الاثنين عن بيان ثلاثي خاص به لدعم البيان الثلاثي الأول لامريكا ومصر وقطر! سيكرر البيان الثاني ما قاله البيان الأول، لكنه –وهنا مربط الفرس- سيضيف عليه "دعوة إيران وحلفائها إلى الامتناع عن أي هجمات انتقامية من شأنها أن تزيد من تصعيد التوترات الإقليمية بعد اغتيال القائد الكبير في "حزب الله" فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية."!
وهنا تبدو المفارقة حيث أيا من الدول الأوربية وأمريكا لم تصدر بيانا تدين فيه اغتيال إسماعيل هنية، ولم تدن سياسات الإبادة العنصرية التي تمارسها دولة الاحتلال، ليبدو الأمر وكأنه ذروة الضغوط الغربية على الشركاء العرب، الذين فرض عليهم هذا الموقف لأسباب تاريخية متعددة، لكن في الوقت نفسه سيبدو الأمر إضعافا لصورة الشركاء العرب، وتوريطهم في مواقف سياسية متناقضة وغير متزنة.
على الجهة المقابلة تستعد إيران فيما يبدو لرفع درجة الاستعداد العسكري لأقصى درجة، خلافا لتراشق 13 أبريل الماضي، لأن سمعتها وكرامتها باتت على المحك، فاستراتيجية نتانياهو كانت البحث عن أعداء خارج غزة سعيا لـ"استعادة المكانة" التي سقطت يوم 7 أكتوبر مع عملية طوفان الأقصى، وباتت إيران هدفا مثاليا لنتانياهو لكن غروره وانفلاته في تلك الاستراتيجية أوقعه في مأزق الآن، بعد اغتيال هنية في احتفالية دبلوماسية دولية لتنصيب رئيس إيراني خلفا لرئيس إيراني راحل تتردد الأقاويل بشدة أنه تم اغتياله بتخطيط "إسرائيلي" وأمريكي.!
لتخرج تحليلات وقراءات من جهات عدة بأن الرد الإيراني سيسبق يوم 18 أغسطس الذي حدده بيان الوسطاء، موعدا مقترحا لاستئناف المفاوضات العبثية.
مع أهمية الإشارة إلى تواكب التصعيد الإقليمي في ملف فلسطين، مع تصعيد الضغوط على الفضاء الجيوثقافي المصري، في نمط يمكن للمحلليين رصده منذ فترة دونالد ترامب ومشروع صفقة القرن الأولى، ففي ليبيا حدثت بعض التطورات تجاه الدور المصري وحضوره، وفي السودان تطور الحضور الأمريكي لاحتمالات التدخل المباشر والصعود الإماراتي بشدة، وكأن النمط السياسي الذي أسس له دونالد ترامب في تواكب تمرير صفقة القرن مع الضغوط على الفضاء الجيوثقافي المصري؛ يؤكد على نفسه ويقول ها أنا ذا...
إنما خلاصة وفي نهاية المطاف؛ سترد إيرن بطريقة تؤكد على صعودها الإقليمي وعلى تبني سرديتها الشيعية لسردية المقاومة الإسلامية ودفاعها عن مقدساتها، في ظل ارتباك السردية السنية وعدم وضوح موقفها وتعالقها في تناقضات القرن العشرين، كما سيستمر التدافع في ملف القضية الفلسطينية حتى تجد لنفسها مكانة في ظل التدافع الجيوثقافي العالمي والإقليمي، وتعترف القوى الغربية بأثر عملية 7 أكتوبر، والصعود الإيراني ومعه السردية الشيعية –وتحالفها الروسي الصيني- ودورها الجديد في صدارة السردية الإسلامية عموما.
لكن تبقى الإشارة المحزنة في الأمر؛ إلى ما وصل له حال الذات العربية من فرقة وتفجر للتناقضات البينية والداخلية، وكذلك حال الجماعة المصرية تحديدا وليس مؤسسات الدولة فقط، حيث استغرقت الجماعة المصرية التناقضات الداخلية وصراعات الاستهلاك المحلي، في غفلة ليست هينة أبدا عما يدور حولنا من صدام حضاري وثقافي على أشده.
وتلك سنة الله في أرضه، بأن جعل الأيام دولا، يتداولها بين الناس
وأن من يأخذ بسنة النهضة ينهض، ومن يأخذ بسنة الغفلة يغْفُل

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي