|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 5
أصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة الواحدة و الأربعون
الماديةالتاريخية:
–تابع-
– 3 مجتمعات الرقيق والإقطاع
دللنا، في درسنا لأصل استغلال الإنسان، بصورة بديهية، على طبيعة هذا الاستغلال: أن يستولي صاحب وسائل الإنتاج على الفائض، الذي يمكن أن تنتجه قوى الإنتاج، بالنسبة للحد الأدنى الفردي لحياة العامل، الذي حرم من ملكية وسائل الإنتاج متى بلغت قوى الإنتاج مستوى معيناً في نموها:
يعرف التاريخ ثلاث صورة لاستغلال الإنسان للإنسان: استغلال الرقيق الاستغلال الإقطاعي والاستغلال الرأسمالي. وسوف نتحدث بسرعة عن خصائص الضربين الأولين. وسنخصص الدرس المقبل للحديث عن خصائص الضرب الثالث.
التناقض الخاص بعلاقات الإنتاج في استغلال الرقيق هو التناقض بين طبقة الأسياد، مالكي الرقيق، وبين طبقة الأرقاء. وليس نظام الرق، الذي أوجده النضال والحرب، من أجل حصول على الأرقاء، سوى تسخير أسرى الحرب، ولهذا كان هذا النظام، منذ بدايته حتى النهاية، مسرح نضال طبقي مرير.
وملكية سيد الأرقاء لوسائل الإنتاج وللعمل هي أساس علاقات الإنتاج، وهي تتفق مع حالة قوى الإنتاج. إذ يمكن للرقيق، وهو أسير الحرب القديم، أن يشتري ويباع ويقتل كالحيوان، فتتكدس وسائل الإنتاج بين يدي أقلية ضئيلة. انتهى بذلك عهد العمل المشترك الحر، ولم يبق سوى تسخير الأرقاء من جهة، وبطالة الأسياد الذين لا يهتمون بالإنتاج ولا يرون وسيلة لزيادة الإنتاج إلا في زيادة عدد الأرقاء. فسيد الأرقاء هو المالك الأول الرئيسي والمالك المطلق.
يشعر الرقيق بالاستغلال شعوراً قوياً: فهو يرى أن كل ثمرة عمليه يستولي عليها سيده، فلا يبقى له سوى جزء ضئيل يناله في صورة غذائه. غير أن صور نضال الأرقاء بدائية: كالسلبية أمام التسخير، وهجر مكان السيد، وتنظيم عصابات قطاع الطرق وأخيراً الثروات الجماعية.
وقد نشأت داخل مجتمع الرقيق طبقات أخرى. فقد ظهرت طبقة العمال اليدويين حينما انفصلت المهن عن الزراعة، ثم ولد ازدياد التبادل تبادل السلع.
ومن هنا نشأت تناقضات جديدة. ولما كانت طبقة التجار وسيطاً لا غنى عنه بين منتجين، فقد جمعت بسرعة ثروات ضخمة، وأصبح لها تأثير اجتماعي يناسب هذه الثروات. وأخذت تنافس الملاكين لتوجيه السياسة حسب مصالحها الطبقية (كنضال "الديمقراطيين" ضد "الأرستقراطيين" في اليونان (ونضال (plebeins) ضد (patriciens) في روما).
غير أن هذه التناقضات الثانوية لا يجب أن تخفي التناقض الأساسي: ذلك لأن الرق يساعد على زيادة الثروات، والإنتاج الذي تعيش منه التجارة. وتزيد زيادة الإنتاج قيمة قوة العمل الإنساني فيصبح من الصعب الاستغناء عن الرق الذي يصبح عنصراً أساسياً في النظام الاجتماعي.
لم يكن تناقض المصالح بين الأسياد والأرقاء ليهدد نظام الرق طالما أن تقدم التقنيات فيه يجعل له أفضلية على القبائل المتأخرة التي كان يردها إلى الرق. ولقد أصبحت علاقات الإنتاج في نظام الرق، بعد أن كانت القوة الرئيسية لنمو قوى الإنتاج، عوائق لقوى الإنتاج. مثال ذلك أن هيرون السكندري إكتشف في القرن الثاني بعد المسيح، مبدأ الآلة البخارية. ولكن لم يكن لهذا الاكتشاف نتائج عملية لأنه كان من الأفضل الحصول على أرقاء جدد بدلا من إدخال التقنيات الجديدة التي يجعلها عمل السخرة لا فائدة منها. وأخيراً حل محل الأفضلية التقنية جمود التقنيات وتقهقرها.
كما أن الحصول على الأرقاء كان يتطلب الحرب الدائمة، وإلا كان لا بد من تربية أطفال الأرقاء للحصول على أقاء جدد وأخيراً انهارت دولة الرق القديم والإمبراطورية الرومانية، تحت ضربات البرابرة، بعد فترة طويلة من النزع، تشابكت فيها التناقضات الموضوعية وضروب النضال الديني والسياسي. إنهارت الإمبراطورية في الوقت الذي لم يعد نقصها التقني وتناقضاتها الداخلية من اقتصادية و سياسية يسمحان لها بالإنتصار على البرابرة، والحصول بذلك على أرقاء جدد. لأن نضال البرابرة ضد الدولة الرومانية لم يكن سوى نضال ضد استعبادهم. ولهذا كانت الإمبراطورية الرومانية بفعل منطق نظامها، تحتل مركز المعتدي الدائم.
وهكذا أفضى تناقض نظام الرق بهذا النظام إلى الدمار، حينما أصبح هذا النظام نفسه مناقضاً لطابع قوى الإنتاج. فكان لابد من علاقات إنتاج جديدة لبناء الاقتصاد من جديد: فنمت هذه العلاقات الجديدة على أنقاض عهد الرق، وكان النظام الإقطاعي.
يمثل النظام الإقطاعي تطوراً في الملكية الخاصة. وأساسه الاقتصادي هو ملكية السيد القطاعي لوسائل الإنتاج، وكذلك ملكيته المحدوة للعامل القين لم يعد بامكان الاقطاعي أن يقتله و إن كان يمكنه أن يبيعه أو يشتريه. ولا يملك القين، سواء كان فلاحاً أو عاملاً يدوياً، شخصياً ألا آلاته وما اقتصده على أساسي العمل الشخصي، وهكذا يمكنه أن يكون عائلة، ولهذا فإن الحصول على الاقيان يتم بوراثة الرق. وتتفق علاقات الإنتاج هذه مع حالة قوى الإنتاج.
يقوم جوهر الاستغلال هنا أيضاً على أن السيد الإقطاعي يستولى بصفة خاصة على فائض إنتاج القين. كأن يعمل اليقين، مثلا، ثلاثة أيام لنفسه و ثلاثة أيام للسيد.و لا يكاد الإستغلال يقل بالنسبة لعصر الرق، كما أن كلمة "قين"نفسها مشتقة من لفظ لا تيني يعني "الرقيق" ويتمتع السيد بجميع الحقوق. لأن السيد ينهب قيونه طالباً إليهم تقديم تضحيات ضخمة، زاعماً أنه "يحميهم" من غزو الأسياد المجاورين. وتظل صور نضال القيون بدائية: كالهرب من منطقة السيد، وتنظيم العصابات في الغابات، والقيام بالثورات لمحاولة القضاء على السجلات التي سجل عليها السيد ما يتوجب عليه.
وينزل الاضطهاد بالقيون ، ويستمر النضال الطبقي بين الملاك الإقطاعيين والقيون – وهو انعكاس للتناقض الخاص بعلاقات الإنتاج القطاعية – من بداية النظام حتى نهايته. يضاف إلى ذلك أن هذا التناقض ينمو في صورة جديدة تكون بداية منازعات جديدة: إذ تولد فئة القيون التي مارست الصناعة اليدوية ومن ثم التجارة، طبقة جديدة. ويزداد تناقض المصالح بين هؤلاء "البرجوازيين" إذ يجب على هذه البرجوازية الفتية أن تنمي قوى الإنتاج، وأن تكون قوة اقتصادية جديدة. وتصبح علاقات الإنتاج، الإقطاعية، التي كانت في البدء مطابقة لطابع قوى الإنتاج، عامل تأخر، فتتحول إلى عوائق لهذه القوى. ويبدو التناقض بين البرجوازية والأقطاعية، بعد أن كان ثانويا، قد تولد عن نمو قوى الإنتاج داخل نظام الرق، فيظهر على المسرح ليقوم في النهاية بالدور الرئيسي.
ذلك لأن نضال القيون القرويين يفضي إلى بعض التحسن في مصيرهم لخوف الأقطاعيين من أن تجد البرجوازية فيهم حلفاء لها. ولكن هذا النضال لا يستطيع بنفسه أن يؤدي إلى تصفية علاقات الإنتاج، لأن قوى الإنتاج الجديدة لم تكن تنمو في القرية بل في المدينة. ولقد قضت الثورة الديمقراطية البرجوازية على نظام القين. ولم يختف التناقض الخاص بعلاقات الإنتاج الإقطاعية إلا متى تناقضت هذه العلاقات نفسها تناقضاً شديداً مع طابع قوى الإنتاج الجديد. ذلك لأن النمو الاقتصادي الجديد بحاجة لعلاقات إنتاج جديدة، فإرتفع بناء الرأسمالية على أنقاض النظام الإقطاعي.
يتبع
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |