https://www.ssrcaw.org - مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي


البيئة السورية في عهد الاسد, كارثة على كل الاصعدة

وفاء جابر أحمد

2017 / 7 / 18

تدهورت الحالة البيئية في سوريا بشكل مأساوي, و ذلك حتى قبل نشوب النزاع في سوريا. فخلال خمس عقود من حكم البعث, اتبع النظام خلالها سياسات متهورة ادت الى نتاجات مجحفة في حق المناخ البيئي. لم يكن لدى أي حكومة سورية نيّة حقيقية لتغيير الواقع السوري البيئي الفاسد. بل على العكس, تفاقمت الازمات مع مر الوقت و الواقع ان امامنا وقت قصير جدا لتدارك الازمة و الا سنصل الى نقطة الا عودة اتجاه البيئة. من اهم العوامل التى ادت الى تدهور الوضع البيئي ازالة الغابات و الرعي غير المرشّد و تأكل التربة و التصحر و تلوث المياه جراء القاء مياه المجاري الخام و نفايات تكرير النفط فيها و عدم كفاية امدادات المياه الصالحة للشرب.
ومع اندلاع الثورة في سوريا, تداعت التأثيرات السلبية على الحياة البيئية. فقد كانت الاسلحة المستخدمة خلال الحرب من قبل النظام بشكل عشوائي و غير مبررمن قذائف الهاون و المدفعية و البراميل المتفجرة و قنابل الطائرات و الصواريخ سبب مباشر في الاضرار التى لحقت انتاج سوريا من النفط وادت هذه الممارسات الى تلوث المناطق الزراعية و تدمير البنية التحتية وما تبقى من مناطق و امكانيات لادارة النفايات. و لابد من التنويه ان النظام على علم تام بما اّلت اليه القضايا البيئية في سوريا و انه يحاول ان يربط كل الكوارث البيئية بالاحداث الجارية في سوريا و لكن هذا غير صحيح, فخلال خمسة عقود تدهورت الاحوال البيئة في سوريا بشكل كبير. الجدير بالذكر ان وزارة الشؤون البيئية في سوريا قد شاركت بعدة مؤتمرات في الامم المتحدة لوضع خطة للتنمية المستدامة في سوريا. و قد بدت مشاركة سوريا مضحكة نسبيا, اذ ان طرح الوزارة هذه الخطط دون الاستناد الى معطيات بيئية سليمة بحد ادنى بدى امرا مستحيلا. فمع التصحر والتلوث وتغير المناخ وانخفاض التنوع البيولوجي بشكل كبير تصبح وضع رؤية جدية للتغير تحديا كبيرا. الا ان الحكومة السورية نجحت في تعليق كل ما حدث للبيئية السورية على شماعة الاحداث الدائرة في سوريا من خلال اعلان الجمعية العامة فشل الخطة بسبب الانتكاسات داخل الأراضي المعنية وتآكل التنمية.
مع صعود بشارالاسد الى السلطة في بداية الالفية الثانية انتاب علماء البيئة القلق. فمع تقليص دور القطاع العام الواقع في دوامة الفساد المطلق و فتح الباب امام القطاع الخاص دون أي ترشيد لصالح رؤوس الاموال المرتبطة بشكل وثيق مع النظام السوري, سقطت البيئة كضحية اولى لهذه المعادلة القذرة. فتم استخدام المخزون الجوفي من المياه بشكل تصاعدي ترافق مع الزراعة بطرق بدائية تنتج كميات هائلة من النفايات و التلوث. و مع بداية العام 2006 بدأت ملامح الازمة بالنشوء, اذ انذر هذا العام بداية لازمة جفاف نتيجة للاستهلاك البيئي غيرالمرشد من جهة و تغير المناخ العالمي من جهة اخرى, لكن الحكومة في سوريا لم تتخذ الاجراءت اللازمة للحد من الازمة, بل على العكس, استمر القطاع الخاص بالاستهلاك و غرق القطاع العام بمزيد من الفساد. وتوالت خمس سنوات من الجفاف خلقت واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في سوريا دون أي خطوات جدية من قبل الدولة اذ أظهر نظام الأسد سوء إدارة وإهمال للموارد الطبيعية على المدى الطويل. و نشرت النيو يورك تايمزفي عام 2007 ان في عام واحد هجرت ستون قرية من الشمال السوري نتيجة التصحر وشح المياه.
تعتمد الزراعة في سوريا على موسم الشتاء الذي يدوم 6 أشهر حيث تتراكم الامطار لزراعة المحاصيل. امما في عامي 2007 و2008 فشلت سوريا في انتاج القمح نتيجة للجفاف و اضطرت الى استيارده لاول مرة منذ 15 سنة, شكل هذا التغيير ضغط على السوق و ارتفاع في اسعار القمح و الارز, و يبقى غير مؤكد هل سعى النظام الى هذه الازمة لفتح السوق الخاص امام الرغيف السوري. الا ان الواقع فرض نفسه ومع عام 2010 توجت الكارثة البيئية اذ هدم الجفاف البيئة تماما وتسبب في سوء التغذية بين الاطفال الذين تتراح اعمارهم بين ستة اشهر و 12 شهر خصوصا في مدينة الرقة و وبدأ الناس يهاجرون نحو المناطق الحضرية مما أدى إلى نقص في الالتحاق بالمدارس بنسبة 80 في المائة, وهذا بحد ذاته اشكالية مربكة لأي دولة.
قاد النطام منذ صعوده الى السلطة عميلة غير مسؤولة و متهورة سماها بالاصلاح الزراعي لكنه اساء إدارة الموارد الطبيعية. وقد أثر ذلك على القطاع الزراعي مما دفع الحكومة إلى وضع حد للإعانات في عامي 2008 و 2009. بدأت التوترات تتصاعد عندما لم يعد الشعب السوري قادرا على تحمل الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والبنزين.
هذه التداعيات هي ذروة ممارسات النطام في الداخل السوري. توالت الازمات
وأدى نقص إدارة الموارد المائية أثناء الجفاف إلى أن تصبح نوعية المياه فقيرة وملوثة. وأدى النقص في المياه في المناطق الريفية إلى إعادة استخدام المياه غير المعالجة لمياه الماشية مما أدى إلى تلوث المياه الجوفية والسطحية . كانت المخاطر الصحية لا يمكن إنكارها لأن الناس بدأوا يشربون المياه الملوثة ويصابون بأمراض مثل حصى الكلى و الفيرواسات الكلوية و أي كولاي. تسبب الجفاف الشديد في تغير النمط السكاني وبدأ التوازن يختل بين المدينة و الريف. يقدر ان 1,5 مليون شخص هجر المناطق الريفية باتجاه المدينة, ذات البنيةالتحيتة السيئة اصلا. و تسبب هذا الخلل في البطالة بين الشباب وزيادة في معدلات الجريمة. لم يكن هناك للدولة أي تفسير منطقي لتقدمه للشعب سوى ان نزوح الاف العراقيين الى الاراضي سوريا و دعم سوريا للمقاومة في لبنان هو سبب كل الازمات البيئية و غلاء الاسعار, الا ان الحقيقة بعيدة كل البعد عن هذا الطرح.
كنت اتمنى ان تنتهي سلسلة الحقائق السيئة هنا. لكن لسوريا عدد كبير من الاشكالات البيئية الجمة. فقد كانت إدارة النفايات في سوريا قبل الحرب خطرة وضعيفة بالفعل. وهناك نوعان من النفايات الخطرة في سورية مثل النفايات الصناعية الخطرة والنفايات الخطرة الطبية. وفي عام 2000، تم إنتاج 000 3 طن من النفايات الطبية الخطرة، وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2010، ارتفعت إلى 500 4 طن ولكي أكون أكثر دقة، فإن النفايات المشعة تشكل نسبة 5 في المائة، و 15 في المائة من النفايات كيميائية، لم يعد النظام السوري أي خطة جدية للتحكم في النفايات.
وتجمع البلديات أو الشركات الخاصة النفايات الصلبة المحلية نسبيا، لكن النظام فتح باب خصخصة القطاع امام الشركات للتوسع في مجال التخلص من النفايات. مع هذا فقد أفادت التقارير بأن حوالي 80 في المائة من النفايات الصلبة المنزلية يتم التخلص منها في مواقع تفريغ مفتوحة على مشارف البلدات. أدى سوء إدارة نظام الأسد على المدى الطويل للنفايات إلى إنتاج الديوكسين والغازات الأخرى مما تسبب في تلوث الهواء في دمشق وحلب. في الواقع، ما إذا كانت النفايات خطرة أو غير خطرة، فإنه لا يتم فصلها عن النفايات المنزلية التي تلوث المياه والتربة الهواء. كما أن النفايات الطبية الخطرة تسيء أيضا بشكل كبيرللبيئة. ليس للمراكز المراكز الطبية في سوريا الية للتخلص من النفايات بالشكل السليم هذا ما يؤدي الى اختلاط النفايات والتخلص منها مع النفايات المنزلية. هذا يشكل مخاطر كبيرة على جميع اطياف المجتمع و انتشار للامراض المستعصية و الخطرة.
و كان لصناعة الفوسفات أثر سلبي على البيئة. في الواقع، صخور الفوسفات لديها مستوى عال من النشاط الإشعاعي. ويتعرض الفوسفات للسكان والبيئة من خلال التعدين ونقل الأسمدة الفوسفاتية. تحتوي هذه الأسمدة على اليورانيوم. وتقع مناجم الفوسفات بالقرب من تدمر ويتم نقلها والتخلص منها بطريقة غير مسؤولة. وهنا تطورت عند الشعب السوري ظنون ان نفايات نووية قد تم دفنها في محيط تدمر, لهذا يعاني بعض السكان من امراض غريبة نتيحة التلوث الاشعاعي, وما اذا كان هذا صحيحا ام لا فأن الوقائع تطرح امرا اسوء من النفايات النووية.
لم يسلم البحر المتوسط ايضا من الكارثة البيئة. اذ يتم إلقاء النفايات من المناجم بالقرب من البحر المتوسط، والتلوث الذي تنتجه صناعة التعدين ساهم في تدهور حالة البحر الأبيض المتوسط. يتم التخلص من كمية كبيرة من نفايات الصرف الصحي و النفايات الصلبة والمواد العضوية والمعادن الثقيلة ومركبات الهالوجين والمواد المشعة و الصلبة و النفايات الخطرة مباشرة برميها في البحر.
ان رؤية المستقبل تحتم علينا كأفراد ان نأخذ بعين الاعتبار ما حل بالبيئة السورية. ان تلك اللحظة التى فد نصل اليها حيث اللاعودة في التغير البيئي الصارم قريبة جدا. ما يزال النظام ينهك البيئة حتى هذه اللحظة. و يحبط أي محاولة للتغير نحو الافضل.


https://www.ssrcaw.org - مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي

https://www.ssrcaw.org/ar/art/show.art.asp?aid=565779